Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: De Febrium Differentiis (On the Differences of Fevers)

١٥ والسبب فيما يجري من تلك الفضول ضربان، أحدهما هو الذي فرغت الآن من صفته، وهو أن تندفع الفضول من أعضاء إلی أعضاء أضعف منها، والآخر أن تنجذب تلك الفضول، وقد ينبغي أن نصف الآن ذلك.

فنجعل مفتاح كلامنا في هذا الباب أيضاً ما يظهر عياناً لجميع الناس، وهو أنّك إن عمدت إلی عضو من الأعضاء وطليت عليه شيئاً من الدواء الذي يسمّيه اليونانيّون ثفسيا ويسمّيه العرب الينتون، رأيت ذلك العضو بعد مدّة من الزمان قد تزيّدت حرارته وانتفخ انتفاخاً ليس باليسير. وكذلك تكون الحال، متى سخّنت عضواً من الأعضاء بالنار، أو دلكته دلكاً شديداً، أو سخّنت زفتاً أو راتينجاً تسخيناً معتدلاً وطليته على العضو وتركته قليلاً، حتّى يجمد عليه، ثمّ اجتذبته فاقتلعته دفعة، أو طليت على عضو من الأعضاء أيّ عضو كان شيئاً من الأدوية المسخّنة. فإنّك قد ترى ذلك العضو في جميع هذه الحالات ينتفخ، وذلك أنّ من شأن الحرارة إمّا أن تجتذب إليها رطوبة، وإمّا أن تقبلها. فإنّه ليس يضطرّنا الأمر في كلامنا هذا إلی تحديد هذا وتلخيصه، إذ كنّا قد نصل إلی ما يحتاج إليه في الأمر الذي قصدنا إليه من غير أن يحتاج إلی البحث عن هذا وشبيهه ممّا قد يبحث عنه المؤثر للحكمة.

وذلك أنّا قد نرى دائماً الأعضاء التي تسخّن سخونة أشدّ يجري إليها شيء من الرطوبة، وما يجري إليها من ذلك في الأبدان التي فيها فضول وامتلاء كثير، وفي الأبدان النقيّة التي ليست فيها فضول يسير. وقد تجري الرطوبة أيضاً خاصّة إلی الأعضاء التي يعرض فيها الوجع.

من ذلك أنّه كثيراً ما ينال الإنسان في طرف إصبع من الأصابع نخسة من إبرة أدقّ ما تكون من الإبر، فيعرض له من ذلك على المكان وجع، ثمّ لا يلبث أن يسخّن ويرم وينتفخ انتفاخاً شديداً جميع ما حول ذلك الموضع. وربّما عرض لبعض الناس من ذلك ورم في الإبط لقبول الأجسام السخيفة الشبيهة بالإسفنج المعروفة باللحم الرخو الذي في الإبط ممّا يجري إلی ذلك الموضع الذي حدث فيه الوجع. وربّما رأيت ذلك يكون في وسط من العضد، وذلك يكون فيمن له في ذلك الموضع من ذلك اللحم الرخو شيء له قدر.

وأبين ما ترى ما نحن في صفته من هذا فيمن حدثت به قرحة صغيرة ليس معها ورم ولا وجع بالقرب من الظفر. فإنّ تلك القرحة، إن توانى صاحبها عنها ولم يعن باندمالها، نبت فيها لحم، فضغط الظفر ذلك اللحم، فحدث فيه أوّلاً وجع، ثمّ حدث من ذلك ورم في الإصبع كلّها، وربّما حدث من ذلك في المعصم أو في القدم ورم عظيم جدّاً.

فهذا ممّا يدلّك على أنّ الوجع أيضاً قد يجلب إلی الأعضاء التي يحدث فيها رطوبة فضل. وليس يضطرّنا الأمر أيضاً إلی ذكر السبب في هذا في كلامنا هذا، وذلك أنّا قد ذكرناه في كتاب آخر هو أولى به من هذا، وليس نحتاج إلی ذلك السبب في كلامنا هذا.

فقد نرى عياناً أنّ السبب فيما يجري إلی الأعضاء من الفضل ممّا أصله في نفس تلك الأعضاء التي يجري إليها ذلك الفضل شيئان، أحدهما من قبل الحرارة التي تتولّد فيها، والآخر من قبل الوجع الحادث فيها. فأمّا السبب في أن يكون ما يجري إلی تلك الأعضاء أكثر أو أقلّ أو أصلح أو أردأ، فليس هو من قبل تلك الأعضاء التي يجري إليها الفضل فقط، لكن السبب في أن يكون ما يجري إليها أصلح أو أردأ إنّما هو من قبل تلك الأعضاء التي ينبعث منها ذلك الفضل، والسبب في أن يكون ذلك الشيء الذي ينبعث أقلّ أو أكثر، هو من قبلهما جميعاً، أعني من الدافع والقابل.

وذلك أنّ الحرارة والوجع كلّما كانا أشدّ وأقوى، كان ما يجتذبانه من الفضل أكثر، وكلّما كانا أضعف، كان ذلك الفضل أقلّ. وكذلك أيضاً متى كان البدن نقيّاً من الفضول، كان ما ينبعث منه إلی الأعضاء التي تجتذبه قليلاً، ومتى كان البدن كثير الفضول ممتلئاً، كان ما ينبعث منه إلی تلك الأعضاء أزيد بحسب مقدار خروجه عن الحال الطبيعيّة. وهذه الأصناف تكون من غير ضعف يكون في الأعضاء التي يجري إليها الفضل.

وقد يكون من ذلك صنف آخر من قبل ضعف تلك الأعضاء التي تقبل الفضل وكثرة الفضول في الأعضاء التي تدفعه عليها. فإنّ جميع الأورام التي تحدث في الأعضاء من غير أن يكون نالها ما يجرحها أو يوهنها، فإنّها إنّما تكون من فضول تندفع من أعضاء هي أزيد قوّة إلی أعضاء هي أنقص قوّة، وجميع هذه الأورام تولّد الحمّيات، إذا وصلت حرارتها إلی القلب، إمّا لعظمها وإمّا لقربها منه.

والفضول التي تتحيّر في جميع الأعضاء التي تحدث فيها الأورام تعفن للأسباب التي ذكرناها فيما تقدّم، إلّا أنّ العفونة ليست تحدث فيها كلّها على مثال واحد من قبل أنّ بعضها من جنس البلغم، وبعضها من جنس السوداء وبعضها من جنس الصفراء. وإذا عفنت تلك الفضول، تولّدت منها حرارة خارجة من الطبع في ذلك العضو الذي حدث فيه الورم، فتسخّن تلك الحرارة بسخونة ذلك العضو أوّلاً ما يتّصل به، ثمّ ما يتّصل بذلك، ثمّ تسخّن بسخونة تلك الأعضاء أعضاء أخر بسبب المجاورة، ثمّ تتأدّى الحرارة من تلك الأعضاء إلی أعضاء أخر، وربّما لم يزل ذلك يكون إلی أن تبلغ الحرارة إلی القلب.

وقد وصفت حال الأعضاء التي تحدث فيها الأورام في مقالة وصفت فيها أمر المزاج الرديء المختلف وفي مقالة وصفت فيها أمر الأورام. وأنا واصف الآن أنّه قد يجب ضرورة أن يعفن الدم الذي يحويه العضو كثيراً لعفونة ما يجري إليه من الفضول.

١٥ والسبب فيما يجري من تلك الفضول ضربان، أحدهما هو الذي فرغت الآن من صفته، وهو أن تندفع الفضول من أعضاء إلی أعضاء أضعف منها، والآخر أن تنجذب تلك الفضول، وقد ينبغي أن نصف الآن ذلك.

فنجعل مفتاح كلامنا في هذا الباب أيضاً ما يظهر عياناً لجميع الناس، وهو أنّك إن عمدت إلی عضو من الأعضاء وطليت عليه شيئاً من الدواء الذي يسمّيه اليونانيّون ثفسيا ويسمّيه العرب الينتون، رأيت ذلك العضو بعد مدّة من الزمان قد تزيّدت حرارته وانتفخ انتفاخاً ليس باليسير. وكذلك تكون الحال، متى سخّنت عضواً من الأعضاء بالنار، أو دلكته دلكاً شديداً، أو سخّنت زفتاً أو راتينجاً تسخيناً معتدلاً وطليته على العضو وتركته قليلاً، حتّى يجمد عليه، ثمّ اجتذبته فاقتلعته دفعة، أو طليت على عضو من الأعضاء أيّ عضو كان شيئاً من الأدوية المسخّنة. فإنّك قد ترى ذلك العضو في جميع هذه الحالات ينتفخ، وذلك أنّ من شأن الحرارة إمّا أن تجتذب إليها رطوبة، وإمّا أن تقبلها. فإنّه ليس يضطرّنا الأمر في كلامنا هذا إلی تحديد هذا وتلخيصه، إذ كنّا قد نصل إلی ما يحتاج إليه في الأمر الذي قصدنا إليه من غير أن يحتاج إلی البحث عن هذا وشبيهه ممّا قد يبحث عنه المؤثر للحكمة.

وذلك أنّا قد نرى دائماً الأعضاء التي تسخّن سخونة أشدّ يجري إليها شيء من الرطوبة، وما يجري إليها من ذلك في الأبدان التي فيها فضول وامتلاء كثير، وفي الأبدان النقيّة التي ليست فيها فضول يسير. وقد تجري الرطوبة أيضاً خاصّة إلی الأعضاء التي يعرض فيها الوجع.

من ذلك أنّه كثيراً ما ينال الإنسان في طرف إصبع من الأصابع نخسة من إبرة أدقّ ما تكون من الإبر، فيعرض له من ذلك على المكان وجع، ثمّ لا يلبث أن يسخّن ويرم وينتفخ انتفاخاً شديداً جميع ما حول ذلك الموضع. وربّما عرض لبعض الناس من ذلك ورم في الإبط لقبول الأجسام السخيفة الشبيهة بالإسفنج المعروفة باللحم الرخو الذي في الإبط ممّا يجري إلی ذلك الموضع الذي حدث فيه الوجع. وربّما رأيت ذلك يكون في وسط من العضد، وذلك يكون فيمن له في ذلك الموضع من ذلك اللحم الرخو شيء له قدر.

وأبين ما ترى ما نحن في صفته من هذا فيمن حدثت به قرحة صغيرة ليس معها ورم ولا وجع بالقرب من الظفر. فإنّ تلك القرحة، إن توانى صاحبها عنها ولم يعن باندمالها، نبت فيها لحم، فضغط الظفر ذلك اللحم، فحدث فيه أوّلاً وجع، ثمّ حدث من ذلك ورم في الإصبع كلّها، وربّما حدث من ذلك في المعصم أو في القدم ورم عظيم جدّاً.

فهذا ممّا يدلّك على أنّ الوجع أيضاً قد يجلب إلی الأعضاء التي يحدث فيها رطوبة فضل. وليس يضطرّنا الأمر أيضاً إلی ذكر السبب في هذا في كلامنا هذا، وذلك أنّا قد ذكرناه في كتاب آخر هو أولى به من هذا، وليس نحتاج إلی ذلك السبب في كلامنا هذا.

فقد نرى عياناً أنّ السبب فيما يجري إلی الأعضاء من الفضل ممّا أصله في نفس تلك الأعضاء التي يجري إليها ذلك الفضل شيئان، أحدهما من قبل الحرارة التي تتولّد فيها، والآخر من قبل الوجع الحادث فيها. فأمّا السبب في أن يكون ما يجري إلی تلك الأعضاء أكثر أو أقلّ أو أصلح أو أردأ، فليس هو من قبل تلك الأعضاء التي يجري إليها الفضل فقط، لكن السبب في أن يكون ما يجري إليها أصلح أو أردأ إنّما هو من قبل تلك الأعضاء التي ينبعث منها ذلك الفضل، والسبب في أن يكون ذلك الشيء الذي ينبعث أقلّ أو أكثر، هو من قبلهما جميعاً، أعني من الدافع والقابل.

وذلك أنّ الحرارة والوجع كلّما كانا أشدّ وأقوى، كان ما يجتذبانه من الفضل أكثر، وكلّما كانا أضعف، كان ذلك الفضل أقلّ. وكذلك أيضاً متى كان البدن نقيّاً من الفضول، كان ما ينبعث منه إلی الأعضاء التي تجتذبه قليلاً، ومتى كان البدن كثير الفضول ممتلئاً، كان ما ينبعث منه إلی تلك الأعضاء أزيد بحسب مقدار خروجه عن الحال الطبيعيّة. وهذه الأصناف تكون من غير ضعف يكون في الأعضاء التي يجري إليها الفضل.

وقد يكون من ذلك صنف آخر من قبل ضعف تلك الأعضاء التي تقبل الفضل وكثرة الفضول في الأعضاء التي تدفعه عليها. فإنّ جميع الأورام التي تحدث في الأعضاء من غير أن يكون نالها ما يجرحها أو يوهنها، فإنّها إنّما تكون من فضول تندفع من أعضاء هي أزيد قوّة إلی أعضاء هي أنقص قوّة، وجميع هذه الأورام تولّد الحمّيات، إذا وصلت حرارتها إلی القلب، إمّا لعظمها وإمّا لقربها منه.

والفضول التي تتحيّر في جميع الأعضاء التي تحدث فيها الأورام تعفن للأسباب التي ذكرناها فيما تقدّم، إلّا أنّ العفونة ليست تحدث فيها كلّها على مثال واحد من قبل أنّ بعضها من جنس البلغم، وبعضها من جنس السوداء وبعضها من جنس الصفراء. وإذا عفنت تلك الفضول، تولّدت منها حرارة خارجة من الطبع في ذلك العضو الذي حدث فيه الورم، فتسخّن تلك الحرارة بسخونة ذلك العضو أوّلاً ما يتّصل به، ثمّ ما يتّصل بذلك، ثمّ تسخّن بسخونة تلك الأعضاء أعضاء أخر بسبب المجاورة، ثمّ تتأدّى الحرارة من تلك الأعضاء إلی أعضاء أخر، وربّما لم يزل ذلك يكون إلی أن تبلغ الحرارة إلی القلب.

وقد وصفت حال الأعضاء التي تحدث فيها الأورام في مقالة وصفت فيها أمر المزاج الرديء المختلف وفي مقالة وصفت فيها أمر الأورام. وأنا واصف الآن أنّه قد يجب ضرورة أن يعفن الدم الذي يحويه العضو كثيراً لعفونة ما يجري إليه من الفضول.