Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: De Febrium Differentiis (On the Differences of Fevers)

٧ والطريق الذي يتقدّم فتحفظ به الأبدان من وجه ما مداواة وتأتٍّ للبرء. ولذلك قد نجد الأسماء التي يسمّى بها كلّ واحد من هذين الطريقين مختلطة في كثير من كلام الأطبّاء. وإنّما قلت إنّ الطريق الذي يتقدّم به في حفظ الأبدان هو من وجه ما طريق المداواة والتأتّي للبرء من قبل أنّ كلّ فعل يفعله الطبيب كما قد بيّنت في كتاب غير هذا، إنّما هو تأتٍّ لإصلاح آفة قد نالت البدن. وليس نحتاج في هذا الكلام إلی هذا التدقيق كلّه.

وذلك أنّك إن قسمت جميع ما يفعله الطبيب في البدن قسمين وسمّيتهما باسمين مختلفين، أعني الحفظ والمداواة، أو جمعت ذلك فصيّرته شيئاً واحداً وسمّيته باسم واحد، أعني باسم المداواة، فإنّ حال الأبدان التي امتنعت من أن تنالها تلك الأمراض العامّيّة الحادثة الوبائيّة ليست بدليل يسير على أنّ الأبدان ليس يعمل فيها السبب الواحد عملاً سواء. وذلك أنّ الغرض الأوّل الذي يعمّ جميع من يمتنع من قبول الآفة من ذلك السبب هو أن يكون البدن نقيّاً من الفضول غاية النقاء، حسن التنفّس والتحلّل. والغرض الثاني في ذلك أن يكون البدن يقدر أن يقاوم ذلك السبب الذي قد قوي. فأمّا الأبدان التي هي على ضدّ ذلك، فهي أسرع الأبدان إلی قبول الآفة وأكثرها وقوعاً في المرض.

ولأنّي ذكرت الحمّيات الوبائيّة، وجميع هذه الحمّيات إنّما تكون من العفونة، فقد يجب أن أوقف الكلام في هذا الموضع وأبحث عن قول قاله بعض القدماء، وهو أنّ كلّ حمّى فإنّما تكون من عفونة الأخلاط. فإنّ أثيناؤس أيضاً وشيعته قريبون من أن يروا هذا الرأي، وأولائك قوم معهم معرفة ليست باليسيرة بجميع أنحاء الطبّ وبأمر الحمّيات خاصّة، وأنا موافق لهم في أكثر أمورها ما خلا شيئاً واحداً، وهو أمر الحمّى التي تسمّى حمّى يوم.

وذلك أنّي لست أرى أنّ هذا الجنس من الحمّى يكون من عفونة الأخلاط، لكن الذي تصيبه هذه الحمّى من الشمس، فإنّما تصيبه من قبل أنّ بدنه استحال فسخن من سخونة السبب الفاعل فيه. وأمّا الذي تصيبه هذه الحمّى من غضب، فإنّه يجب ضرورة أن يكون قد حدث في الدم الذي في قلبه غليان، إلّا أنّه لم تنله مع ذلك عفونة، والذي يتعب أيضاً فيكثر، فقد يجب أن تلتهب فيه حرارة خارجة من الطبيعة من غير عفونة الأخلاط، والذي استحصف جلده أيضاً، وقد كان يتحلّل منه فضول حادّة، فإنّ الحمّى إنّما تحدث به لاجتماع تلك الفضول في بدنه من غير عفونة تكون في الأخلاط.

وقد قال أيضاً بقراط إنّ كلّ حمّى تكون مع ورم اللحم الرخو الذي في الحالبين وغيره ممّا أشبهه، فهي رديئة، إلّا أن تكون حمّى يوم. وأنا موافق في الورم لمن قال إنّ الحمّى إنّما تحدث عنه بسبب العفونة، لأنّ هذا هو السبب في حدوث الحمّى من جميع الأورام الحارّة، لا كما ظّن أراسسطراطس. إلّا أنّه على حال قد يكون من الحمّيات التي تحدث مع ورم اللحم الرخو الذي في الحالبين وغيره ممّا أشبهه ما هو من جنس حمّى يوم، ومن تلك الحمّيات حمّيات تدلّ على أنّ بصاحبها مرضاً ليس بالهيّن، وذلك أنّه يتولّد عن ورم أو قرحة أو دبيلة أو غير ذلك ممّا أشبهه من الأمراض يكون في بعض الأحشاء.

والفرق بين حمّى يوم التي تكون عن ورم اللحم الرخو الذي في الحالبين أو غيره ممّا أشبهه وبين الحمّيات التي تكون من العفونة الحادثة في بعض الأحشاء أو في أعظم العروق وأوسعها تجويفاً، أنّ حمّى يوم التي تكون عن ذلك الورم سببها أنّ الحرارة التي تتولّد في موضع ذلك الورم تسخّن دائماً ما يتّصل به، وتسري تلك الحرارة حتّى تتأدّى إلی القلب، من غير أن يصل إليه معها شيء من بخار ذلك الفضل الذي عفن في موضع الورم، لكن ذلك الفضل يبقى محصوراً في ذلك الموضع، وإنّما تصل حرارته إلی القلب بطريق استحالة ما يتّصل بذلك الموضع من حرارته فقط على الطريق الذي تتأدّى به الحرارة فيمن تسخّن رأسه الشمس أو يسخّن مفاصله وما يليها التعب، من تلك الأعضاء التي تسخّن أوّلاً بهذين السببين. فأمّا متى كانت العفونة في الأحشاء أو في العروق الكبار، فإنّه يتأدّى إلی بطني القلب شيء شبيه بالدخان من الأخلاط التي تعفن هناك.

والعفونة أيضاً تعرض للفضل الذي في الورم الحادث في اللحم الرخو الذي في الحالب أو في غيره ممّا أشبهه دفعة، حتّى تستولي عليه كلّه بمدّة كان ذلك في يوم واحد أو كان في يومين متّصلين، لأنّ أجزاء ذلك الفضل مجاورة بعضها لبعض دائماً، وهي كلّها محصورة في موضع واحد. فأمّا الأخلاط التي تعفن في الأحشاء وفي العروق الكبار، فمن قبل أنّ تلك الأخلاط تجري دائماً وتعفّن بعفونتها ما تلقاه، فإنّ عفونتها والحرارة المتولّدة عنها تتّصل، ويحدث منها شيء بعد شيء في مدّة أطول.

وبالجملة فإنّ الذي يعرض من هذا في البدن شبيه بما يعرض من خارج لجميع الأجسام التي تسخّن بسخونة خارجة عن طبيعتها من أيّ سبب كان ذلك. فإنّ الشيء الذي يسخّن، إن كان ممّا لا يعفن مثل الحجر أو الخشبة أو غيرهما ممّا أشبههما، فإنّه يبقى على حرارته مدّة ما إلی أن يبرد قليلاً قليلاً، وإن كان ممّا يمكن أن يعفن، فإنّ حرارته تسعى دائماً من الجزء الذي يسخّن أوّلاً إلی الذي يتّصل به مثل الذي رأيت مرّة في بعض القرى قد عرض في زبل دوابّ وحمام كان مجموعاً في موضع.

فسخّن جزء منه من شمس حارّة أصابته سخونة قويّة، حتّى جعل يرتفع منه بخار كثير جدّاً بمنزلة الدخان يلذّع تلذيعاً قويّاً ويؤذي من دنا منه في عينيه ومنخريه. وكان أيضاً قد بلغ من سخونة ذلك الزبل عند اللمس أنّه كان من أدخل فيه كفّه أو قدمه ولبث فيه فضل لبث أحرقه. إلّا أنّ هذا العارض لم يكن يبقى دائماً، لكنّه كان في غد ذلك اليوم يبرد جميع ما كان من ذلك الزبل قد بلغت فيه الحرارة والغليان بالأمس غاية منتهاها. ثمّ كان الجزء الذي يتّصل بذلك الجزء الأوّل الذي كانت الحرارة لا تزال تتأدّى إليه قليلاً قليلاً في وقت ما كان ذلك الجزء الأوّل في منتهى غليانه، إذا بدأت حرارة ذلك الجزء الأوّل تنتقص، يأخذ هذا الجزء الثاني أيضاً في السخونة والغليان، ثمّ إنّه بعد قليل يبلغ منتهاه من الحرارة، والجزء الأوّل قد برد. ثمّ إنّ حرارة ذلك الجزء الثاني أيضاً كانت تبتدئ في الانحطاط والجزء الذي يتّصل به يتزيّد قليلاً قليلاً حرارة، ثمّ لا يلبث ذلك الجزء الثالث أن يشتعل ويبلغ منتهاه من الحرارة، ويبرد الجزء الثاني.

وكان هذا الدور يكون في قريب من يوم وليلة حتّى يكون مثالاً خاصّاً للحمّى النائبة في كلّ يوم. ولو كان هذا الدور كان في يومين وليلتين، لكان سيكون مثالاً لحمّى الغبّ، ولو كان في ثلاثة أيّام بلياليها، لكان مثالاً للربع، ولو كان في أربعة أيّام، لكان مثالاً للخمس، إن كانت تكون حمّى تنوب في الخامس. فإنّي أنا ما رأيت إلی هذه الغاية هذا الدور رؤية أحقّها ولا دوراً غيره من وراء دور الربع. وسأتكلّم بعد في الحمّيات التي تنوب بالدور.

فأمّا العفونة التي تكون في الأخلاط في جوف العروق، فهي شبيهة بالعفونة التي تكون في الأورام والخراجات والدبيلات، وهي جنسان مفردان، وجنس ثالث مختلط مركّب منهما كثير الأصناف. وذلك لأنّ اختلاف اختلاطهما في تفاضل كلّ واحد منهما على الآخر في الكثرة والقلّة لا يحصى.

فأمّا الجنسان المفرَدان، فأحدهما يكون إذا غلبت الطبيعة، والجنس الآخر يكون إذا غلبت. والذي يكون إذا غلبت الطبيعة في الأورام والخراجات كلّها المدّة، وفي الأخلاط التي في العروق الضوارب وغير الضوارب شيء مناسب للمدّة، وهو الثفل الذي يرسب في البول. وهذا الجنس من العفونة ليس هو عفونة فقط، لكنّه يشوبه شيء من النضج. وذلك أنّ الخلط الذي كان عفن إنّما يصير إلی هذه الاستحالة، إذا كانت القوّة المنضجة المغيّرة التي في الأوعية باقية ثابتة.

ويكون من العفونة جنس آخر، إذا بلغ من ضعف تلك القوّة المغيّرة، ألّا تؤثّر في ذلك الخلط الذي عفن أثراً محموداً ولا تحيله أصلاً. وذلك ربّما كان إذا كانت تلك القوّة قد صارت إلی غاية الضعف، وإن كانت الرطوبة التي عفنت قليلة الرداءة، وربّما كان والقوّة لم تبلغ إلی غاية الضعف، إلّا أنّ الرطوبة التي عفنت في غاية الرداءة. وعفونة الفضل الذي هذه حاله ليس يكون معها قوامه قواماً واحداً ولا لونه لوناً واحداً ولا رائحته رائحة واحدة، لكن كلّ واحد من هذه الثلاثة يختلف دائماً على حسب جوهر ذلك الفضل الذي عفن. فأمّا تلك العفونة الأخرى التي قلنا إنّه يكون معها نضج، فاستحالة المدّة فيها تكون إلی نوع واحد في اللون والقوام والرائحة.

٧ والطريق الذي يتقدّم فتحفظ به الأبدان من وجه ما مداواة وتأتٍّ للبرء. ولذلك قد نجد الأسماء التي يسمّى بها كلّ واحد من هذين الطريقين مختلطة في كثير من كلام الأطبّاء. وإنّما قلت إنّ الطريق الذي يتقدّم به في حفظ الأبدان هو من وجه ما طريق المداواة والتأتّي للبرء من قبل أنّ كلّ فعل يفعله الطبيب كما قد بيّنت في كتاب غير هذا، إنّما هو تأتٍّ لإصلاح آفة قد نالت البدن. وليس نحتاج في هذا الكلام إلی هذا التدقيق كلّه.

وذلك أنّك إن قسمت جميع ما يفعله الطبيب في البدن قسمين وسمّيتهما باسمين مختلفين، أعني الحفظ والمداواة، أو جمعت ذلك فصيّرته شيئاً واحداً وسمّيته باسم واحد، أعني باسم المداواة، فإنّ حال الأبدان التي امتنعت من أن تنالها تلك الأمراض العامّيّة الحادثة الوبائيّة ليست بدليل يسير على أنّ الأبدان ليس يعمل فيها السبب الواحد عملاً سواء. وذلك أنّ الغرض الأوّل الذي يعمّ جميع من يمتنع من قبول الآفة من ذلك السبب هو أن يكون البدن نقيّاً من الفضول غاية النقاء، حسن التنفّس والتحلّل. والغرض الثاني في ذلك أن يكون البدن يقدر أن يقاوم ذلك السبب الذي قد قوي. فأمّا الأبدان التي هي على ضدّ ذلك، فهي أسرع الأبدان إلی قبول الآفة وأكثرها وقوعاً في المرض.

ولأنّي ذكرت الحمّيات الوبائيّة، وجميع هذه الحمّيات إنّما تكون من العفونة، فقد يجب أن أوقف الكلام في هذا الموضع وأبحث عن قول قاله بعض القدماء، وهو أنّ كلّ حمّى فإنّما تكون من عفونة الأخلاط. فإنّ أثيناؤس أيضاً وشيعته قريبون من أن يروا هذا الرأي، وأولائك قوم معهم معرفة ليست باليسيرة بجميع أنحاء الطبّ وبأمر الحمّيات خاصّة، وأنا موافق لهم في أكثر أمورها ما خلا شيئاً واحداً، وهو أمر الحمّى التي تسمّى حمّى يوم.

وذلك أنّي لست أرى أنّ هذا الجنس من الحمّى يكون من عفونة الأخلاط، لكن الذي تصيبه هذه الحمّى من الشمس، فإنّما تصيبه من قبل أنّ بدنه استحال فسخن من سخونة السبب الفاعل فيه. وأمّا الذي تصيبه هذه الحمّى من غضب، فإنّه يجب ضرورة أن يكون قد حدث في الدم الذي في قلبه غليان، إلّا أنّه لم تنله مع ذلك عفونة، والذي يتعب أيضاً فيكثر، فقد يجب أن تلتهب فيه حرارة خارجة من الطبيعة من غير عفونة الأخلاط، والذي استحصف جلده أيضاً، وقد كان يتحلّل منه فضول حادّة، فإنّ الحمّى إنّما تحدث به لاجتماع تلك الفضول في بدنه من غير عفونة تكون في الأخلاط.

وقد قال أيضاً بقراط إنّ كلّ حمّى تكون مع ورم اللحم الرخو الذي في الحالبين وغيره ممّا أشبهه، فهي رديئة، إلّا أن تكون حمّى يوم. وأنا موافق في الورم لمن قال إنّ الحمّى إنّما تحدث عنه بسبب العفونة، لأنّ هذا هو السبب في حدوث الحمّى من جميع الأورام الحارّة، لا كما ظّن أراسسطراطس. إلّا أنّه على حال قد يكون من الحمّيات التي تحدث مع ورم اللحم الرخو الذي في الحالبين وغيره ممّا أشبهه ما هو من جنس حمّى يوم، ومن تلك الحمّيات حمّيات تدلّ على أنّ بصاحبها مرضاً ليس بالهيّن، وذلك أنّه يتولّد عن ورم أو قرحة أو دبيلة أو غير ذلك ممّا أشبهه من الأمراض يكون في بعض الأحشاء.

والفرق بين حمّى يوم التي تكون عن ورم اللحم الرخو الذي في الحالبين أو غيره ممّا أشبهه وبين الحمّيات التي تكون من العفونة الحادثة في بعض الأحشاء أو في أعظم العروق وأوسعها تجويفاً، أنّ حمّى يوم التي تكون عن ذلك الورم سببها أنّ الحرارة التي تتولّد في موضع ذلك الورم تسخّن دائماً ما يتّصل به، وتسري تلك الحرارة حتّى تتأدّى إلی القلب، من غير أن يصل إليه معها شيء من بخار ذلك الفضل الذي عفن في موضع الورم، لكن ذلك الفضل يبقى محصوراً في ذلك الموضع، وإنّما تصل حرارته إلی القلب بطريق استحالة ما يتّصل بذلك الموضع من حرارته فقط على الطريق الذي تتأدّى به الحرارة فيمن تسخّن رأسه الشمس أو يسخّن مفاصله وما يليها التعب، من تلك الأعضاء التي تسخّن أوّلاً بهذين السببين. فأمّا متى كانت العفونة في الأحشاء أو في العروق الكبار، فإنّه يتأدّى إلی بطني القلب شيء شبيه بالدخان من الأخلاط التي تعفن هناك.

والعفونة أيضاً تعرض للفضل الذي في الورم الحادث في اللحم الرخو الذي في الحالب أو في غيره ممّا أشبهه دفعة، حتّى تستولي عليه كلّه بمدّة كان ذلك في يوم واحد أو كان في يومين متّصلين، لأنّ أجزاء ذلك الفضل مجاورة بعضها لبعض دائماً، وهي كلّها محصورة في موضع واحد. فأمّا الأخلاط التي تعفن في الأحشاء وفي العروق الكبار، فمن قبل أنّ تلك الأخلاط تجري دائماً وتعفّن بعفونتها ما تلقاه، فإنّ عفونتها والحرارة المتولّدة عنها تتّصل، ويحدث منها شيء بعد شيء في مدّة أطول.

وبالجملة فإنّ الذي يعرض من هذا في البدن شبيه بما يعرض من خارج لجميع الأجسام التي تسخّن بسخونة خارجة عن طبيعتها من أيّ سبب كان ذلك. فإنّ الشيء الذي يسخّن، إن كان ممّا لا يعفن مثل الحجر أو الخشبة أو غيرهما ممّا أشبههما، فإنّه يبقى على حرارته مدّة ما إلی أن يبرد قليلاً قليلاً، وإن كان ممّا يمكن أن يعفن، فإنّ حرارته تسعى دائماً من الجزء الذي يسخّن أوّلاً إلی الذي يتّصل به مثل الذي رأيت مرّة في بعض القرى قد عرض في زبل دوابّ وحمام كان مجموعاً في موضع.

فسخّن جزء منه من شمس حارّة أصابته سخونة قويّة، حتّى جعل يرتفع منه بخار كثير جدّاً بمنزلة الدخان يلذّع تلذيعاً قويّاً ويؤذي من دنا منه في عينيه ومنخريه. وكان أيضاً قد بلغ من سخونة ذلك الزبل عند اللمس أنّه كان من أدخل فيه كفّه أو قدمه ولبث فيه فضل لبث أحرقه. إلّا أنّ هذا العارض لم يكن يبقى دائماً، لكنّه كان في غد ذلك اليوم يبرد جميع ما كان من ذلك الزبل قد بلغت فيه الحرارة والغليان بالأمس غاية منتهاها. ثمّ كان الجزء الذي يتّصل بذلك الجزء الأوّل الذي كانت الحرارة لا تزال تتأدّى إليه قليلاً قليلاً في وقت ما كان ذلك الجزء الأوّل في منتهى غليانه، إذا بدأت حرارة ذلك الجزء الأوّل تنتقص، يأخذ هذا الجزء الثاني أيضاً في السخونة والغليان، ثمّ إنّه بعد قليل يبلغ منتهاه من الحرارة، والجزء الأوّل قد برد. ثمّ إنّ حرارة ذلك الجزء الثاني أيضاً كانت تبتدئ في الانحطاط والجزء الذي يتّصل به يتزيّد قليلاً قليلاً حرارة، ثمّ لا يلبث ذلك الجزء الثالث أن يشتعل ويبلغ منتهاه من الحرارة، ويبرد الجزء الثاني.

وكان هذا الدور يكون في قريب من يوم وليلة حتّى يكون مثالاً خاصّاً للحمّى النائبة في كلّ يوم. ولو كان هذا الدور كان في يومين وليلتين، لكان سيكون مثالاً لحمّى الغبّ، ولو كان في ثلاثة أيّام بلياليها، لكان مثالاً للربع، ولو كان في أربعة أيّام، لكان مثالاً للخمس، إن كانت تكون حمّى تنوب في الخامس. فإنّي أنا ما رأيت إلی هذه الغاية هذا الدور رؤية أحقّها ولا دوراً غيره من وراء دور الربع. وسأتكلّم بعد في الحمّيات التي تنوب بالدور.

فأمّا العفونة التي تكون في الأخلاط في جوف العروق، فهي شبيهة بالعفونة التي تكون في الأورام والخراجات والدبيلات، وهي جنسان مفردان، وجنس ثالث مختلط مركّب منهما كثير الأصناف. وذلك لأنّ اختلاف اختلاطهما في تفاضل كلّ واحد منهما على الآخر في الكثرة والقلّة لا يحصى.

فأمّا الجنسان المفرَدان، فأحدهما يكون إذا غلبت الطبيعة، والجنس الآخر يكون إذا غلبت. والذي يكون إذا غلبت الطبيعة في الأورام والخراجات كلّها المدّة، وفي الأخلاط التي في العروق الضوارب وغير الضوارب شيء مناسب للمدّة، وهو الثفل الذي يرسب في البول. وهذا الجنس من العفونة ليس هو عفونة فقط، لكنّه يشوبه شيء من النضج. وذلك أنّ الخلط الذي كان عفن إنّما يصير إلی هذه الاستحالة، إذا كانت القوّة المنضجة المغيّرة التي في الأوعية باقية ثابتة.

ويكون من العفونة جنس آخر، إذا بلغ من ضعف تلك القوّة المغيّرة، ألّا تؤثّر في ذلك الخلط الذي عفن أثراً محموداً ولا تحيله أصلاً. وذلك ربّما كان إذا كانت تلك القوّة قد صارت إلی غاية الضعف، وإن كانت الرطوبة التي عفنت قليلة الرداءة، وربّما كان والقوّة لم تبلغ إلی غاية الضعف، إلّا أنّ الرطوبة التي عفنت في غاية الرداءة. وعفونة الفضل الذي هذه حاله ليس يكون معها قوامه قواماً واحداً ولا لونه لوناً واحداً ولا رائحته رائحة واحدة، لكن كلّ واحد من هذه الثلاثة يختلف دائماً على حسب جوهر ذلك الفضل الذي عفن. فأمّا تلك العفونة الأخرى التي قلنا إنّه يكون معها نضج، فاستحالة المدّة فيها تكون إلی نوع واحد في اللون والقوام والرائحة.