Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: De Febrium Differentiis (On the Differences of Fevers)

٧ فنقول إنّه، متى خالط البلغم العفن الذي منه قلنا إنّه تكون الحمّى النائبة في كلّ يوم الخلط الذي من جنس المرّة المرّة المحدث للحمّى النائبة غبّاً، فإنّ السبب والمرض يكون كلّ واحد منهما مركّباً مضاعفاً. وذلك أنّ أحد الخلطين يحدث نوبة في كلّ يوم، والخلط الآخر يحدث نوبة تكون غبّاً، فتكون في أحد اليومين نوبتان، وفي اليوم الآخر نوبة واحدة، إلّا أن يكون وقتا النوبتين متقاربين متضامّين. فإنّهما، متى اقترنا وتضامّا، فإنّه تكون منهما نوبة واحدة مركّبة مختلطة لا تحفظ طبيعة الحمّى النائبة غبّاً خالصة ولا طبيعة الحمّى النائبة في كلّ يوم خالصة.

ولمّا كانت كلّ واحدة من هتين الحمّيين صنفين، صارت التراكيب التي تكون منها أربعة، واحد منها التركيب الذي تخالط فيه حمّى الغبّ الحمّى المعروفة بالنائبة في كلّ يوم، والثاني التركيب الذي تخالط فيه حمّى الغبّ الحمّى الدائمة التي تنوب في كلّ يوم، والثالث التركيب الذي تخالط فيه الحمّى المعروفة بالنائبة في كلّ يوم الحمّى الدائمة التي تنوب غبّاً، والرابع التركيب الذي تخالط فيها لحمّى الدائمُة التي تنوب في كلّ يوم الحمّى الدائمة التي تنوب غبّاً.

ولكلّ واحد من هذه التراكيب الأربعة صنفان، أحدهما أن تجتمع النوبتان في وقت واحد معاً، والآخر أن تبتدئ كلّ واحدة من النوبتين في وقت مباين للوقت الذي تبتدئ فيه الأخرى. وما كان منها كذلك، فتعرّفه سهل، إلّا أنّه قد يذهب كثيراً على من لم تكن معه رياضة ودربة في هذا الباب أمر مفارقة الحمّى المفارقة، من قبل أنّ بدن المريض ليس ينقّى أصلاً من الحمّى. لكنّه ينبغي أن تنظر إلی طبيعة النوبة، كما وصفت في المقالة الثانية من كتابي في البحران بشرح أكثر من هذا، ومنه يكون تعرّفك لها، لا من قياس الأدوار.

فأنزل أنّك رأيت نوبة من الحمّى قد حدثت في أوّل ساعة من النهار مع نافض يظنّ معه صاحبه أنّ لحمه ينخس بالإبر، ثمّ تظهر فيها سائر أعلام حمّى الغبّ كلّها إلی وقت منتهاها، ثمّ تأخذ في الانحطاط مع قيء مرار وعرق محمود، ويكون ذلك في الساعة التاسعة. ونستدلّ من حركة النوبة كلّها على أنّ إقلاع الحمّى يكون عن صاحبها ذاك نحو الساعة الحادية عشرة من النهار، وأعني بإقلاع الحمّى في هذا الموضع الإقلاع الذي من عادتنا أن نقول إنّه يكون في الأدوار.

فبينا نحن نتوقّع ذلك، إذا، العرق قد انقطع دفعة، إمّا مع تكاثف من الجلد واستحصاف فقط، وإمّا مع قشعريرة أيضاً، ثمّ منذ ذلك تكون إمارات ابتداء النوبة وإمارات تزيّدها وإمارات منتهاها إمارات حمّى بلغميّة دائمة. فإنّه إذا كان الأمر كذلك، علمنا أنّ السبب ليس هو شيئاً واحداً، لكنّه شيئان، وطبيعة الحمّى ليست طبيعة واحدة، لكنّها طبيعتان، إحداهما مفارقة والأخرى دائمة، وإن كان ليس يوجد للحمّى فترة أصلاً. وتوقّعنا في اليوم الثاني أن تبتدئ تلك النوبة في الساعة التاسعة. فإن رأينا أنّ الأمر قد كان على ما قدّرنا، فإنّا نتوقّع لا محالة في اليوم الثالث تلك النوبة في ذلك الوقت، ونتوقّع أيضاً في ذلك اليوم أن تكون للغبّ نوبة نحو الساعة الأولى من النهار.

فإن رأينا النوبة التي كنّا توقّعنا أن تكون في اليوم الثاني في الساعة التاسعة والنوبة التي كنّا توقّعناها في اليوم الثالث في الساعة الأولى قد تقدّمت كلّ واحدة منهما أو تأخّرت عن وقتها، لم نتوقّع فيما يستأنف من الأيّام النوبة الأولى تكون في الساعة التاسعة، ولا النوبة الثانية في الساعة الأولى، لكن قبل الوقتين أو بعدهما بالمقدار الذي تقدّم فدلّ عليه قياس الدور الأوّل أنّ كلّ واحدة من النوبتين تتقدّم به أو تتأخّر عن وقتها الأوّل.

ونقدر أن نستدلّ أيّ الحمّيين تنقضي أوّلاً من نفس طبيعة الحمّى ومن مقدار طول نوبتها ومقدار عظم النوبة وحال الحمّى في السلامة والخبث وطريق حركتها وقياس أدوارها في تقدّمها أو تأخّرها ومن الدلائل التي تظهر بعد فتدلّ من المرض إمّا على أنّه لم ينضج وإمّا على أنّه قد نضج، وأعظم تلك الدلائل تظهر في البول. وقد وصفت الأمر في جميع هذه الأشياء الوصف الكافي في كتابي في البحران.

فإن لم تنب تلك الحمّى البلغميّة الدائمة في الساعة التاسعة، لكن في الساعة الخامسة أو في السادسة، كانت معرفة الحمّى المفارقة المتولّدة من المرار التي ابتدأت في اليوم الأوّل في الساعة الأولى أعسر عند الكثير من أطبّائنا هؤلاء الذين ليس يعنيهم شيء من هذا العلم الذي يعلم به، إذا حدثت حمّى، هل طبيعتها طبيعة واحدة أو طبيعتان وأيّة حمّى هي كلّ واحدة منهما.

وإذ كانوا لا يعرفون شيئاً من ذلك، فإنّهم لا يحسنون أن يعالجوا أصحابها منها على ما ينبغي، إذ كانوا لا يعرفون أيّ الحمّيات حمّياتهم، وليس ذلك فقط، لكنّهم أيضاً لا يعلمون هل ينبغي لهم أن يتوقّعوا نوائب الحمّى في اليوم الثاني في كلي الوقتين اللذين كانت فيهما النوبتان في اليوم الأوّل أم لا. وإنّي لأعلم أنّهم قد توهّموا عليّ مراراً كثيرة أنّ استدلالي على وقت نوبة الحمّى إنّما هو بطريق التكهّن، لا بطريق تقدمة المعرفة الطبّيّة.

من ذلك أنّ في هذا الصنف من التركيب الذي كلامنا الآن فيه، وهو تركيب حمّى الغبّ مع الحمّى الدائمة النائبة في كلّ يوم، قد أعلم أنّي رأيت فتى حدثت عليه في أوّل يوم من مرضه نوبة حمّى غبّ خالصة في الساعة الأولى من النهار، ثمّ حدثت عليه في الساعة السادسة نوبة من الحمّى الدائمة التي تنوب في كلّ يوم التي يسمّيها الحدث من الأطبّاء قثيمارينوس. فإنّ من عادة هؤلاء الأطبّاء أن يسمّوا بهذا الاسم الحمّى التي تنوب في كلّ يوم ولا تقلع، حتّى ينقّى منها البدن.

وأمّا أنا، فإنّ من عادتي أن أسمّي هذه الحمّى أمفيمارينوس دائمة، أي نائبة في كلّ يوم دائمة، لأنّي لا أجد الاسم الذي يسمّي به الحدث من الأطبّاء هذه الحمّى في شيء من كلام اليونانيّين أصلاً. فأمّا الاسم الذي أسمّيها به، فأجدهم يسمّون به كلّ شيء يكون في كلّ يوم على حال واحدة. إلّا أنّه، كما قال أفلاطون، قد ينبغي أن يستخفّ بالأسماء من كان قصده النظر في مثل هذه الأمور الكبيرة الجليلة القدر. فأنا أسمّي، ليكون كلامي كلاماً واضحاً بيّناً، الحمّى التي تنوب في كلّ يوم ثمّ تقلع النائبة في كلّ يوم، وأطلق لها هذه الصفة من غير أن أستثني فيها شيئاً أصلاً، وأسمّي الحمّى النائبة في كلّ يوم التي لا تقلع نائبة في كلّ يوم دائمة. وإن أراد مريد أن يزيد في صفة الأولى المفارقة، فشأنه وذاك.

وكذلك الحال في الحمّى التي تنوب في الثالث. فإنّي أسمّي أحد صنفيها إمّا غبّاً بقول مطلق وإمّا أن أستثني فأقول غبّاً مفارقة، وأسمّي الصنف الآخر منها غبّاً دائمة. وقد يمكن أن أسمّي الغبّ الدائمة النائبة في الثالث والنائبة غبّاً بقول مطلق من غير أن أستثني، كما قد سمّاها قوم. وليس ينبغي لنا أن نطيل الكلام في الأسماء، لكنّه ينبغي أن أرجع إلی ما كنت قصدت إليه.

فأقول إنّ الفتى الذي قلت إنّه حدث فيه تركيب حمّى الغبّ مع النائبة في كلّ يوم الدائمة، ابتدأت به الحمّى في اليوم الأوّل منذ غدوة مع نافض مشاكل لنافض حمّى الغبّ، وكانت جميع الدلائل الباقية الدالّة على حمّى الغبّ محفوظة فيه إلی أن دخلت الساعة السادسة. ثمّ حدث به بغتة قيء مرار كثير، واختلاف أيضاً كثير خرج فيه مرار، وعرق يسير. ثمّ إنّه، بعد أن كان هذا، تقبّض على المكان واقشعرّ، وابتدأت به نوبة أخرى، وكان في ابتدائها نبضه صغيراً، ولبثت تلك النوبة إلی الساعة الحادية عشرة من ذلك النهار تتزيّد تزيّداً خفيّاً قليلاً قليلاً، وكانت أكثر الدلائل التي كانت تظهر فيها في ذلك الوقت دلائل ابتداء النوبة، وكان معها أيضاً نبذ من دلائل التزيّد. ثمّ، منذ ذلك إلی نحو الساعة الرابعة من الليل لبثت تتزيّد تزيّداً صحيحاً. ثمّ بقيت على مقدار واحد من العظم فيما يظهر للحسّ إلی الساعة السادسة من الليل. ثمّ منذ ذلك الوقت ابتدأت تنحطّ انحطاطاً بيّناً إلی الساعة الرابعة من نهار اليوم الثاني.

فإنّه في تلك الساعة ابتدأ ينقبض، وظهرت فيه دلائل ابتداء النوبة، وذلك أنّ أطرافه مالت إلی البرد، وصغر نبض عروقه، وجعلت تلك النوبة تتزيّد إلی العشاء قليلاً قليلاً من غير أن يحدث فيها اقشعرار ولا غيره من اختلاف الحال. ثمّ بلغت تلك النوبة منتهاها نحو الساعة الرابعة من الليل وابتدأت تنحطّ انحطاطاً محسوساً نحو الساعة السادسة. فتبيّن أنّه ينبغي أن يتوقّع ابتداء نوبة الحمّى النائبة في كلّ يوم في اليوم الثالث نحو الساعة الثانية. ولم يكن يتبيّن من أمر حمّى الغبّ التي كانت بذلك الفتى، هل تحفظ وقتها، فلا تغادره أم تغادره.

ثمّ ابتدأت في الساعة الثانية نوبة اقشعراريّة، وجعلت تلك النوبة تتزيّد بأسرع من تزيّد نوبتي الحمّى النائبة في كلّ يوم الدائمة اللتين كانتا في اليوم الأوّل وفي اليوم الثاني، ولم تزل تلك حالها إلی الساعة الخامسة. ثمّ إنّه حدث لها ابتداء آخر من بعد الساعة الخامسة، وكانت الأعراض التي عرضت له كلّها في ذلك الوقت شبيهة بالأعراض التي عرضت له في الساعة الثانية. ثمّ إنّه منذ ذلك الوقت جعلت حمّاه أيضاً تتزيّد تزيّداً أسرع إلی أن كانت الساعة الثامنة. ثمّ إنّ الاقشعرار عاوده في ذلك الوقت، ولم تلبث أن تزيّدت حمّاه تزيّداً سريعاً حتّى، إذا كانت الساعة الرابعة من الليل، بلغت تلك النوبة منتهاها. وكانت هذه النوبة نوبة الحمّى المعروفة بالمخالطة للغبّ الصحيحة الخالصة، لأنّ الحمّيين كلتيهما اللتين كانتا بذلك الغلام ابتدأتا في وقت واحد، لأنّ الحمّى التي كانت تنوب عليه في كلّ يوم كانت تتقدّم ساعتين، وحمّى الغبّ التي كانت به كانت تتأخّر ساعتين.

فكان من يقدر أن يتعرّف صور الحمّيات وطبائعها يتبيّن في ذلك الفتى تبييناً ظاهراً أعراض حمّى الغبّ وأعراض الحمّى النائبة في كلّ يوم الدائمة مختلطة. وذلك أنّه، لمّا كانت حمّى الغبّ تبتدئ بنافض، وتلك الحمّى النائبة في كلّ يوم تبتدئ بغير نافض، كانت الحمّى المختلطة المركّبة منهما تحدث قشعريرة، والقشعريرة شيء أقلّ من النافض وأكثر من البرد، وفضله على البرد بقدر نقصانه عن النافض. فإن كان بعد القشعريرة من كلّ واحد من الطرفين بعداً سواء، كانت شيئاً متوسّطاً بينهما، أعني بين النافض وبين البرد، وذلك من عادته أن يحدث خاصّة، إذا اختلط الطرفان.

فقد يتبيّن من هذا أيضاً أنّ الذي سمّى هذه الحمّى مخالطة للغبّ، لم يسلك في تسميتها غير الطريق. وذلك أنّها، لمّا كانت مركّبة من الحمّى النائبة في كلّ يوم الدائمة ومن حمّى الغبّ، كانت كلّ واحدة من هتين الحمّيين جانباً وشطراً من جملتها. فكما أنّ اليونانيّين يسمّون البغل إيميّونس، وتفسير هذا الاسم شطر حمار أو المخالط للحمار، كذلك يسمّون هذه الحمّى إيميطريطاؤس، وتفسير هذا الاسم شطر الغبّ أو المخالطة للغبّ. فإنّ البغل يعين في كونه من أحد الجانبين الفرس ومن الجانب الآخر الحمار، فسمي من أحدهما فقط وترك ذكر الآخر.

وهذه الحمّى النصف منها غبّ، والنصف الآخر الحمّى النائبة في كلّ يوم الدائمة. وتولّد هذه الحمّى يكون على ضربين، إمّا باجتماع نوبتي الحمّيين في وقت واحد، كما قلت قبيل، من قبل أنّ إحدى النوبتين تتقدّم والنوبة الأخرى تتأخّر، وإمّا بامتزاج الحمّيين كلتيهما الواحدة بالأخرى منذ أوّل الأمر. فأمّا التي تكون باجتماع النوبتين في وقت واحد، فإنّما لها نوبة واحدة من طبيعة الحمّى المخالطة للغبّ، وأمّا الأخرى، فجميع نوائبها منذ أوّل المرض إلی آخره نوائب الحمّى المخالطة للغبّ، وهي التي يسمّيها جميع الناس بالحقيقة المخالطة للغبّ وشطر الغبّ. وسأذكر هذا بعد قليل أيضاً، وخاصّة من أجل أغاثينس وأرخيجانس وأصحابهما.

فأمّا الفتى الذي كنّا في اقتصاص أمره، فإنّه، لمّا أصابته نوبة على تلك الصفة في اليوم الثالث، من قبل اجتماع الحمّيين اللتين كانتا به في وقت واحد، إذ كانت الحمّى التي كانت تنوب عليه في كلّ يوم تتقدّم ساعتين دائماً، والحمّى التي كانت تنوب عليه غبّاً كانت تتأخّر دائماً ساعتين، فإنّ النوبة في اليوم الرابع ابتدأت به مع طلوع الشمس، وكانت تلك النوبة حافظة لطبيعة الحمّى البلغميّة على حقّها وصدقها.

وقد كانت النوبة الخامسة على هذا القياس مزمعة بأن تبتدئ في الساعة العاشرة من الليل، إذ كانت تتقدّم دائماً ساعتين. فأمّا النوبة الثالثة من الحمّى التي كانت بذلك الفتى من المرار، إذا حسبت النوائب منذ أوّل المرض، فكانت مزمعة بأن تبتدئ به في اليوم الخامس في الساعة الرابعة من النهار، حتّى تكون المدّة بين ابتداء الحمّيين ستّ ساعات، وكذلك كان أمرهما.

فابتدأت به نوبة في الساعة العاشرة من الليلة الرابعة على نحو طبيعة الحمّى البلغميّة، ولم تزل على ذلك إلی أن كانت الساعة الرابعة من النهار. ثمّ لحقتها حمّى المرار مع نافض يسير. ثمّ إنّ النوبة منذ ذلك صارت طبيعتها طبيعة مركّبة على نحو طبيعة حمّى المرار وطبيعة حمّى البلغم معاً.

فلمّا كانت الليلة التي تلت ذلك النهار نحو الساعة الثامنة من الليل، ابتدأت به الحمّى البلغميّة، وهي خالصة مفردة، وبقيت به سائر ليلته ونهاره كلّه من غد، وهو السادس. ثمّ إنّها جعلت تنحطّ وتنتقص إلی وقت انتصاف الليل. ثمّ إنّها منذ ذلك الوقت ابتدأت على ذلك المثال بعينه، وبقيت في النصف الباقي من الليل وفي النصف من النهار من غد، وهو السابع، إلی وقت انتصاف النهار. ثمّ إنّها أخذت في الانحطاط، إلّا أنّه ردفتها الغبّ، فابتدأت بنافض على مثال النافض الذي من شأن الغبّ الخالصة أن تبتدئ به. وكانت سائر الدلائل كلّها فيها على ذلك المثال خالصة صحيحة. ثمّ إنّه حدث فيها قيء مرار واختلاف مرار وبول حسن محمود ورشح يسير نحو العشاء بالقرب من المساء، فدلّت بهذه الدلائل دلالة بيّنة في غاية البيان لمن يحسن تعرّف طبائع الحمّيات، أنّها قد تنقّصت وانحطّت وأنّها ستنقضي بعد دور واحد، وأقصاه دورين. وممّا صحّح ذلك أيضاً أنّه كان في انحطاط تلك النوبة من الراحة والخفّ أمر عجيب لم يكن تقدّم في شيء من أوقات انحطاط النوائب الأخر، ولم تزل تلك حاله إلی الساعة الرابعة من الليل.

فإنّه في ذلك الوقت ابتدأت به الحمّى البلغميّة التي كانت تنوب عليه في كلّ يوم وتتقدّم ساعتين، وبقيت عليه سائر ليلته ونهاره كلّه من غد. ثمّ إنّها ابتدأت أيضاً في الليلة الثامنة في الساعة الثانية من الليل، وبقيت عليه سائر تلك الليلة، وأخذت في الانحطاط من غد في نهار اليوم التاسع. وقد كان حقّ نوبة حمّى الغبّ أن تبتدئ به في ذلك اليوم في الساعة الثامنة، لأنّها كانت لا تزال تتأخّر ساعتين، إلّا أنّها في ذلك اليوم ابتدأت نحو الساعة التاسعة، فدلّت بهذا أيضاً على انحطاط تلك الحمّى وتنقّصها.

فلمّا كان مع مغيب الشمس، اتّصلت بها الحمّى البلغميّة، فابتدأت على تقدّمها كالعادة وبقيت عليه تلك الليلة والنهار من غد، ثمّ ابتدأت أيضاً في الساعة العاشرة من نهار ذلك اليوم، وهو العاشر، ثمّ ابتدأت أيضاً في اليوم الحادي عشر في الساعة الثامنة من النهار وبقيت بلغميّة صحيحة. ثمّ إنّه، لمّا كان في الساعة الأولى من الليل، ابتدأت به حمّى الغبّ مع قشعريرة، فتأخّرت أربع ساعات. فلمّا كان في الساعة السادسة من الليل، اختلف مراراً وندي بدنه كلّه. ثمّ إنّ حمّاه في انحطاطها وتنقّصها صارت إلی حال قريبة من الإقلاع، فدلّ ذلك على أنّ الغبّ التي كانت به قد انقضت الانقضاء التامّ، وأنّ الحمّى البلغميّة التي كانت به بقيت به وحدها وقد تنقّصت أيضاً بعض التنقّص.

فلذلك، لمّا كان اليوم الثاني عشر، لم تتقدّم نوبتها ساعتين كما كانت أوّلاً تتقدّم، لكنّها ابتدأت في الساعة السابعة من النهار. ثمّ إنّها في اليوم الثالث عشر، لم تبتدئ في الساعة السادسة من النهار، لكنّها تأخّرت أيضاً عن ذلك الوقت، فابتدأت في الساعة السابعة، وتبيّن فيها الخفّ والانحطاط بياناً قويّاً. فلمّا كان اليوم الرابع عشر، كان الانحطاط أبين وأحسن كثيراً، وكان ابتداء النوبة في الساعة التاسعة، وظهرت في البول علامات قويّة للنضج تنذر بأنّ تلك الحمّى تنقضي في يوم البحران الذي بعد ذلك اليوم.

إلّا أنّ هذا ليس هو ممّا كلامنا فيه الآن، إلّا على سنن القول، وإنّما كلامنا الآن في أنّ هذا المريض الذي وصفنا قصّته قد دلّ دلالة كافية أنّه كثيراً ما تتركّب حمّيات مختلفة الأجناس، منها من المرار ومنها من البلغم، ومنها مفارقة ومنها دائمة بعضها مع بعض، من غير أن يشعر بذلك كثير من الأطبّاء.