Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: De Febrium Differentiis (On the Differences of Fevers)

٤ ومن حمّيات الأخلاط حمّى أخرى خالصة مفردة تكون من بلغم عفن تدفعه الطبيعة فتجريه في أعضاء حسّاسة. وابتداء هذه الحمّى يكون مع برد في الأطراف وشيء هو بالاقشعرار أشبه منه بالنافض. ويعسر استيلاء الحرارة بعد البرد، فتطول مدّة تزيّد نوبة الحمّى إلی أن تبلغ منتهاها. وذلك لأنّ الخلط الذي تتولّد منه هذه الحمّى، هو في مزاجه بارد رطب وفي قوامه لزج. فهو من قبل ذلك بطيء الاشتعال بطيء الحركة ويمتنع من النفوذ في مواضع كثيرة من المجاري، فيضغط أحياناً ويثقل القوّة ويجعل النبض مختلفاً، وتكون النبضات الضعيفة الصغار فيه أكثر، وذلك يكون في ابتداء النوبة وفي أوّل تزيّدها.

وقد يكون في حمّى المرار في ابتداء نوائبها كلّ واحد من هذه الأعراض التي وصفت في النبض، إلّا أنّ الاختلاف وسائر الأعراض في تلك الحمّى تسكن سريعاً، وفي أكثر الأمر لا يكاد يكون في ابتداء تلك الحمّى اختلاف في النبض. والحرارة أيضاً في تلك الحمّى لا تلبث بعد سكون النافض أن تشتعل، وهي نقيّة مثل النار الخالصة النقيّة التي لا يشوبها شيء من الكدرة والدخانيّة.

وأمّا حرارة الحمّى البلغميّة، فتكاد أن تكون تشبّهها بنار دخانيّة مشتعلة في حطب رطب. ولذلك يكون الاستفراغ في تلك الحمّى يسيراً، ومقدار طول النوبة أطول، ووقت الفترة ليس بالنقيّ مثل النقاء في الحمّى الأولى، لكنّه تبقى فيه دائماً العلامة الدالّة على العفونة في حرارة البدن وفي نبض العروق. وتلك العلامة الدالّة على العفونة تكون في هذه الحمّى في ابتداء نوائبها وتزيّدها على أبين ما تكون. إلّا أنّه، وإن كان الأمر كذلك، فإنّه على حال متى كانت هذه الحمّى أيضاً خالصة، فإنّ الأمر عند الكثير من الناس يكون في وقت فترتها أنّ البدن نقيّ منها. ونحن أيضاً نقول ذلك فيها مراراً كثيرة في المواضع التي لا يحتاج فيها إلی استيفاء حقّ الكلام واسقصائه.

وهذه الحمّى تعرض للأبدان التي يغلب عليها في طبائعها البلغم، وفي أوقات السنة والبلدان وحالات الهواء والمهن والتدبير وجميع الحالات الأخر التي تعين على غلبة البلغم. ونوبتها تكون في كلّ يوم، على أنّها أقلّ حرارة من الحمّى التي تنوب في الثالث التي تكون من المرار.

ويشبه أن يكون ذلك من قبل أنّ تلك الحمّى، لمّا كان الخلط المولّد لها سريع الاشتعال وكان يسهل استفراغ ما يصير منه إلی حال الغليان في كلّ نوبة لرقّته، حتّى ينقّى البدن منه كلّه، صارت تلك الحمّى تقلع، حتّى ينقّى منها البدن نقاء أكثر، فلا يبقى بعد النوبة فيه من بقايا الحرارة العفونيّة إلّا الشيء اليسير.

والحمّى التي تكون من البلغم لا يستفرغ فيها البدن، حتّى ينقّى النقاء التامّ في وقت انحطاط نوائبها، ولا تكون البقايا التي تبقى في البدن من الشيء الذي قد عملت فيه الحرارة العفونيّة يسيرة. ولذلك يكون البدن في وقت فترة هذه الحمّى أردأ حالاً كثيراً، ويكون ابتداء النوبة الثانية أسرع حدوثاً.