Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: De Febrium Differentiis (On the Differences of Fevers)

٨ وإذ قد قلت في هذا ما كان ينبغي أن يقال فيه، فإنّي راجع إلی الأمر الذي كنت أخّرت ذكره قبيل. فأقول إنّ الحمّى المركّبة من حمّى الغبّ والحمّى النائبة في كلّ يوم الدائمة التي نسمّيها المخالطة للغبّ، ربّما كانت المرّة الصفراء أغلب فيها، فتكون من قبل ذلك أعراض الغبّ أقوى فيها. وربّما كانت الصفراء أقلّ فيها والبلغم أكثر، ولذلك تكون أعراض الحمّى النائبة في كلّ يوم الدائمة أصحّ فيها. وربّما لم يكن واحد من الخلطين فيها غالباً على الآخر، لكنّهما متساويان في القوّة، وإذا كانا كذلك، كانت الحمّى هي المخالطة للغبّ الخالصة الصحيحة، إذ كانت طبيعتها تكون الطبيعة التي دلّ عليها بقراط حين قال في المقالة الأولى من كتاب إبيذيميا:

وكانت الأعراض التي عرضت لأكثرهم حمّيات اقشعراريّة، دائمة، حادّة، لا تفارق أصلاً، إلّا أنّ طريق هيجانها مخالط للغبّ. فتكون في يوم أخفّ، ثمّ تكرّ في الآخر كرّات، وتتزيّد في مدّتها كلّها حدّة.

فإنّ بقراط إنّما عنى بالحمّيات الاقشعراريّة لا الحمّيات التي تكون معها قشعريرة مطلقة. فإنّ ذلك موجود في حمّيات كثيرة سأصفها فيما بعد، لكنّه إنّما عنى بالاقشعراريّة الحمّيات التي يكون جلّ النوبة فيها اقشعرار في أحد اليومين، وهو اليوم الذي تنوب فيه الغبّ والنائبة في كلّ يوم الدائمة معاً. فإنّ اليوم الآخر إنّما تنوب فيه الحمّى النائبة في كلّ يوم فقط. وفي أكثر الأمر إنّما تكون الحمّى المركّبة منهما في اليوم الأوّل من المرض، وتكون في اليوم الثاني الحمّى البلغميّة الدائمة، إلّا أنّه ربّما عرض أن تبتدئ الحمّى البلغميّة في اليوم الأوّل، وتنوب الحمّيان جميعاً في اليوم الثاني.

والنوبة المشتركة بينهما، إذا كان الخلطان متساويين في القوّة، بالحال التي وصفتها قبيل من حال الحمّى المخالطة للغبّ، وإذا كانت الغبّ فيها أغلب، كانت الحمّى أشدّ اقشعراراً، حتىّ يكاد أن يكون فيها شيء من النافض في أوّل النوبة. وهذه الحمّى تكون أسخن وأشدّ تلهّباً واحتراقاً، وبلوغها إلی منتهاها يكون أسرع، ويكون فيها قيء مرار واختلاف مرار وعرق. وإذا كانت الحمى الأخرى التي هي البلغميّة أغلب، كان البرد في الأطراف أغلب، وكان الاقشعرار أقلّ، وكان التضاغط في نبض العروق أقوى وأطول مدّة، وكان تزيّد النوبة تزيّداً بطيئاً، ولم تبلغ منتهاها إلّا بعد مدّة طويلة. ولم يكن في الحمّى عطش ولا تلهّب ولا احتراق ولا قيء مرار ولا اختلاف مرار ولا رشح مرار.

وقد كان أرخيجانس أيضاً شارف فهم هذا التركيب من هتين الحمّيين، إلّا أنّه اختلط عليه هذا المعنى ولم يلخّصه، كما بيّنت في المقالة السابعة من المقالات الثماني التي كتبتها في كتابه في النبض. من ذلك أنّه يتوهّم أنّ في الحمّى المخالطة للغبّ ربّما كانت الغبّ أغلب، وربّما كانت الحمّى النائبة في كلّ يوم أغلب، ولم يخطر بباله تركيبهما الكائن على المساواة في القوّة الذي منه تكون الحمّى المخالطة للغبّ الخالصة، ولا دلّ عليه، لكنّه ألغى ذكره البتّة.

فإنّه، متى كانت الحمّيان متساويتين في العظم، أعني حمّى المرار المفارقة وحمّى البلغم الدائمة، كان ابتداء النوبة مع اقشعرار، لأنّ الاقشعرار هو شيء متوسّط بين النافض وبين البرد، وأحد هذين، وهو النافض، يكون مع حمّى الغبّ، والآخر، وهو برد الأطراف، يكون مع الحمّى البلغميّة الدائمة. وتزيّد النوبة بعد ابتدائها يكون بسبب الغبّ سريع الإسخان للبدن سريع الحركة إلی نحو منتهى النوبة، ويكون بسبب الحمّى البلغميّة، إذ كانت توجب أن يكون التزيّد بطيئاً، يمتنع وينبتر، وكأنّه يكون بين الأعراض حرب وجهاد.

فربّما سخن بدن المريض، وذلك يكون إذا أعملت فيه حرارة الغبّ عملاً أقوى، فرفعت الأخلاط نحو الجلد، وربّما حبست حركتها ومانعتها وجاذبتها فيها الحمّى البلغميّة، إذ كانت في طبيعتها ثقيلة عسرة الحركة باردة بطيئة النفوذ. ففي هذه المحاربة والمجاهدة، إذا غلب الخلط البارد، كان التقبّض والاقشعرار وبرد الأطراف والجلد، حتى يظنّ أنّه قد ابتدأت نوبة أخرى، وإذا غلب الخلط الحارّ، سخن البدن سخونة شديدة دفعة، حتّى يظنّ أنّ الحمّى قد قاربت منتهاها. ثمّ لا يلبث أن يغلب الخلط البلغميّ، فيعود التقبّض والبرد والاقشعرار، ولا يزال ذلك يكون إلی أن تبلغ الحمّى منتهاها. والمنتهى أيضاً يكون قبل الوقت الذي يكون فيه منتهى الحمّى التي تكون من البلغم، وبعد الوقت الذي يكون فيه منتهى الحمّى التي تكون من المرّة الصفراء. وذلك لأنّ البلغم يمنع الصفراء من سرعة حركتها، والصفراء تحثّ البلغم وتزيله عن الإبطاء والثقل.

فهذه هي حال الحمّى المخالطة للغبّ الخالصة التي تكون من امتزاج حمّيين متساويتين في القوّة، إذ كانت تكون من امتزاج خلطين متساويين في القوّة. فأمّا التي ليس هي منها خالصة، فهي إمّا أن تكون الصفراء فيها أغلب، وإمّا البلغم.