Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: De Febrium Differentiis (On the Differences of Fevers)

٩ وأمّا التركيب الثاني من تراكيب هتين الحمّيين، فهو تركيب حمّى الغبّ مع الحمّى النائبة في كلّ يوم، ونوبة الحمّى تكون في هذا التركيب شبيهة بالنوبة التي وصفتها قبل، إلّا أنّها تخالفها في أنّ هذه تقلع، حتّى ينقّى منها البدن، وفي أنّها في اليوم الثاني تبتدئ باقشعرار أو بنافض، عندما تتفرّد الحمّى النائبة في كلّ يوم. فيجب ألّا تكون هذه الحمّى هي الحمّى المخالطة للغبّ، إذا كانت الحمّى المخالطة للغبّ من الحمّيات الدائمة. فإن عددت الحمّى المخالطة للغبّ في كلّ واحد من جنسي الحمّى، أعني المفارق والدائم، لم تكن هذه الحمّى وحدها تسمّى مخالطة للغبّ، لكن حمّيات أخر غيرها معها.

ومن هذا الطريق، فيما أحسب، يسمّي أغاثينس جميع حمّيات الغبّ المتطاولة مخالطة للغبّ. إلّا أنّه، إذ كان هذا البحث وما أشبهه إنّما هو بحث عن الاسم، لا عن المعنى، فإنّي لست أرى أن أقيم عليه وأتشاغل به. وذلك لأنّي قد أفردت للأسماء الطبّيّة على حدتها كتاباً، وبيّنت في ذلك الكتاب معما بيّنت ولخّصت تلخيصاً شافياً أيّ البحث والخصومة هو البحث والخصومة عن نفس المعاني، وأيّها عن الأسماء.

فلنقبل الآن على نفس المعنى الذي قصدنا إليه، وهي الحمّى التي يسمّيها بقراط المخالطة للغبّ الاقشعراريّة الدائمة التي تكون، إذا خالطت حمّى الغبّ الحمّى النائبة في كلّ يوم الدائمة، ولا تكون، إذا خالطت المفارقة، لأنّ الحمّى التي تتركّب منهما يجب حينئذٍ أيضاً ضرورة أن تكون مفارقة. ولا يمكن أيضاً أن تكون الحمّى المخالطة للغبّ من حمّيين دائمتين، إحداهما من المرار والأخرى من البلغم، لأنّ هذا التركيب لا تكون منه حمّى اقشعراريّة، ولا تكون فيها الكرّات الكثيرة التي وصفنا.

وذلك أنّه، لمّا كانت كلّ حمّى دائمة، فمن حكمها نفسها، إذا كانت صحيحة خالصة، ألّا يكون فيها اقشعرار ولا نافض، وجب ألّا تكون أيضاً الحمّى المركّبة من دائمتين اقشعراريّة. فيجب ضرورة في أن يجتمع للحمّى الواحدة أن تكون اقشعراريّة وأن تكون مع ذلك دائمة، أن يكون تولّدها من تركيب حمّيين، إحداهما مفارقة والأخرى دائمة. ولذلك، إذا تركّبت الغبّ مع النائبة في كلّ يوم الدائمة، كان من تركيبهما الحمّى المخالطة للغبّ، ولا يمكن أن تتولّد هذه الحمّى، إذا كانت هتان الحمّيان كلتاهما دائمتين، ولا إذا كانت كلتاهما مفارقتين.

فقد بقي تركيب واحد، وهو التركيب الحادث من الحمّى النائبة في كلّ يوم المفارقة ومن حمّى المرار الدائمة، وقد يمكن من هذا التركيب أيضاً أن تكون حمّى قد اجتمع فيها الأمران، أعني أن تكون دائمة وتكون اقشعراريّة. وهذا التركيب يكون الأمر فيه بعكس التركيب الأوّل، وذلك أنّ الدوام يكون فيه من حمّى المرار، والاقشعراريّة من الحمّى البلغميّة، والكرّات من تقاوم الخلطين، وخاصّة متى كانا متعادلين في القوّة. ومتى كان أحدهما أغلب من الآخر، فقد وصفنا كيف تكون الحال في الأعراض وفي التعرّف لهذه الحمّى، حيث وصفنا حال الصنف الأوّل للحمّى.

وجميع ما وصفنا من هذه التراكيب الأربعة التي تكون بين حمّى المرار وبين حمّى البلغم قد يخيّل إليّ أنّ ذكرها كان في كتاب أدوار الحمّيات أولى. إلّا أنّي اضطررت إلی ذكرها في كتابي هذا بسبب الحمّى المخالطة للغبّ، إذ كان أرخيجانس يرى أنّ تولّدها يكون من حمّى الغبّ والحمّى النائبة في كلّ يوم، ولا يشعر أنّه إنّما تجعل من هذا التركيب حمّى مفارقة لا دائمة. فأمّا أغاثينس، فأقرّ على نفسه أنّه يرى أنّ الحمّى المخالطة للغبّ هي من جنس الغبّ، وليس بينها وبينها فرق إلّا في طول نوائبها فقط.

ولو كان هؤلاء ذكروا جميع أصناف الحمّيات واستقصوا صفتها وكان غلطهم إنّما هو في أسمائها فقط، لما كان في غلطهم علينا من الصعوبة شيء. لكنّهم، لمّا كانوا لم يذكروا جميع أصناف الحمّيات، لا المفردة ولا المركّبة، وزادوا أيضاً أصنافاً أخر فضلاً لا ينتفع بها بتّة، لا في تقدمة المعرفة ولا في العلاج، التمسنا نحن بقدر الطاقة البحث عن هذا الفنّ واستقصاءه عن آخره واستخرجنا الأصناف التي ينتفع بها فيما ذكرنا في مدّة طويلة جدّاً بالتجربة والقياس معاً.

فما كان من تلك الأصناف مفرداً بسيطاً، فهو من هذا الغرض الذي قصدنا إليه في كتابنا هذا، وما كان منها مركّباً من هذه الأصناف المفردة، فذكره في كتاب أدوار الحمّيات وتراكيبها أولى. ومن قرأ كتابي هذا وتدبّره بعناية، فإنّه لم يكن بالجاهل بالطريق في ذلك العلم. وذلك أنّه يقدر ممّا وصفناه من أمر الحمّى البلغميّة وحمّى المرار، إذا تركّبت إحداهما مع الأخرى وامتزجت بها، أن ينقل ما وصفناه من ذلك إلی الحمّى السوداويّة، فيستدلّ به على تركيبها وامتزاجها مع كلّ واحدة من الحمّيين الأخريين، وأعني بالتركيب أن تكون الحمّيان تبتدئ نوائبهما في أوقات مختلفة، وأعني بالامتزاج أن تكون النوائب من الحمّيين تبتدئ في وقت واحد. ويقدر أيضاً أن يركّب ويمزج هذه الحمّيات الثلاث من تلقاء نفسه، إذا عرف هذا الطريق الذي سلكته وامتثلته.

فإنّ أصل جميع ذلك ومفتاحه وينبوعه هو تعرّف طبيعة كلّ واحدة من هذه الحمّيات المفردة على الاستقصاء. فما عددها بالكثير، لكنّها كلّها إنّما هي ثلاث، حمّى المرار وحمّى السوداء وحمّى البلغم. وكلّ واحدة من هذه الثلاث صنفان، لأنّها تكون مفارقة، وتكون دائمة، فتصير جميع الأصناف المفردة من الحمّيات التي تكون من عفونة الأخلاط ستّة. فإن وجدت في الحمّيات مع هذا الاختلاف اختلافاً آخر جزئيّاً، فإنّما حدوث ذلك الاختلاف من قبل مقدار الخلط الذي تتولّد منه الحمّى، ومن قبل كمّيّة عفونته وكيفيّتها، ومن قبل طريق حركته، ومن قبل العضو الذي يعفن فيه.