Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: De Febrium Differentiis (On the Differences of Fevers)

١٠ فأقول إنّ حمّيات الدقّ تتولّد على وجهين، أحدهما، وهو يكون في أكثر الأمر، أن تكون هذه الحمّى تحدث بعقب حمّيات محرقة قد طال لبثها، حتّى أفنت على طول المدّة رطوبة جرم القلب أو أحرقت منها شيئاً، وبقيت منها بقيّة صالحة القدر. الأولى من هتين ليست من حمّيات الدقّ فقط، لكنّها مع ذلك من جنس الذبول. وأمّا الثانية التي تكون وقد بقيت من رطوبة جرم القلب بقيّة صالحة، فإنّها تتشبّث بجرم القلب وتشتعل فيه كما تشتعل نار السراج في فتيلته. وهذه إحدى جهتي تولّد هذه الحمّى.

وأمّا جهة تولّدها الأخرى، فهي أن تبتدئ منذ أوّل الأمر من غير أن تتقدّمها حمّى أخرى، ويكون أوّل حدوثها بمنزلة حدوث الحمّى المعروفة بحمّى يوم من غمّ أو غضب أو إعياء شديد كان من تعب في شمس حارّة. وهذه الحمّيات ليست ممّا تعسر مداواته. فأمّا من يصير منها إلی حال الذبول لقلّة معرفة من يدبّره من الأطبّاء، فليس يمكن مداواته، فضلاً عن أن يكون ممّن تسهل مداواته، أعني إذا كان قد صار إلی حمّى الذبول بالحقيقة والكمال وليس هو منها بعد في أوائلها.

وطبيعة حمّى الذبول حارّة يابسة وينال القلب فيها بمنزلة ما تنال فتيلة السراج، إذا احترقت احتراقاً شديداً. فإنّ الفتيلة التي قد بلغ منها الاحتراق هذا المبلغ تتفتّت وتنحلّ ويذهب اتّصالها بعدمها للتماسك، حتّى لا يمكن، وإن صببت عليها من الزيت أيّ مقدار شئت، أن تشتعل منها نار كثيرة، لكن لا تزال تلك النار الصغيرة الضعيفة تضطرب وتزداد قلّة إلی أن تطفأ.

وهذه هي حال حمّى الذبول الصحيحة، وليس هذا المرض هو العارض الذي يقال له الذبول، لأنّ ذلك العارض يعرض للشيخ الفاني من غير حمّى بسبب خمود حرارته الطبيعيّة وانطفائها، وهذا الموت خاصّة هو الموت الذي يكون بلا أذىً وعلى المجری الطبيعيّ ويحدث من قبل اليبس. وكذلك الحال أيضاً في النوع الآخر من الذبول الذي يعرض لقوم على خلاف المجری الطبيعيّ، وهو النوع من الذبول الذي يسمّيه فيلبس الهرم الحادث من المرض الذي قد رأينا كثيراً ابتلوا به ليس من الكهول فقط، لكن من الصبيان فضلاً عن غيرهم. فأمّا حمّى الذبول، فليس العارض فيها يبساً فقط، لكنّه يبس مع حرارة. وقد تطفأ في هذه العلّة أيضاً الحرارة التي في بدن الحيّ انطفاء أسرع كثيراً ويذبل البدن كلّه بمنزلة الشجرة التي تجفّ، فتبلغ الغاية القصوى من الجفوف، إمّا بسبب طول مدّتها، وإمّا بسبب نار تجاورها، وإمّا بسبب يبس قويّ مفرط يغلب على الهواء. وقد وصفت الحال كلّها في الذبول كيف هي في مقالة أفردتها فيه.