Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: De Febrium Differentiis (On the Differences of Fevers)

٢ فهذه الحرارة الخارجة من الطبيعة التي نسمّيها حمّى تبتدئ في حال دون حال من واحد واحد من هذه الجواهر الثلاثة التي ذكرنا وتسعى منه إلی الجوهرين الباقيين، فتحيلهما باستحالة ذلك الجوهر الذي قبلها. ووصول الحرارة من الرطوبات إلی الروح أسهلها، وأقلّ منه سهولة وصول السخونة من الروح إلی الرطوبات. والجرم الجامد أيضاً يؤدّي الحرارة إلی الأجرام الرطبة والهوائيّة بأسهل وأسرع ممّا يتأدّى إليه من ذينك الجرمين، لأنّ كلّ جوهر لطيف فهو أسهل وأسرع استحالة من الجوهر الغليظ. وألطف تلك الجواهر جوهر الهواء، وأغلظها جوهر الأجرام الجامدة. فأمّا جوهر الأجرام الرطبة، فهو فيما بينهما.

ولا فرق عندي في كلامي هذا بين أن أقول روح وبين أن أقول هواء، إذ كنت قد حدّدت الأمر في ذلك واستقصيته في غير هذا الكتاب. وأمّا الآن، فيكفيك أن تعلم هذا المعنى، وهو عندي المعنى الذي دلّ عليه بقراط حين قال الأشياء التي تحصر والأشياء التي تحصر والأشياء التي تنفذ. وعنى بالأشياء التي تحصر أعضاء البدن وعنى بالأشياء التي تحصر الرطوبات، وعنى بالأشياء التي تنفذ فيها الروح.

فإنّ حرارة الحمّى تبتدئ في حال دون حال من واحد واحد من هذه الأجناس، ثمّ لا تقف عند ذلك الجنس الأوّل الذي نالته الآفة، لكنّها تسعى إلی الجنسين الباقيين. وإن لم تسبق فتنحلّ وتنقضي، صيّرتهما على طول المدّة بالحال التي عليها ذلك الأوّل. فهذه هي جمل قولي، وقد ينبغي أن آتي بالبرهان على ما قلت وأن أصف دلائل كلّ واحد من أجناس الحمّيات، ويجب ضرورة أن أصف شيئاً من أمر تولّدها.