Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: De Febrium Differentiis (On the Differences of Fevers)

٦ ومن هذا الجنس أيضاً الحمّى التي تخصّ باسم إيبيالس، وهي أن تكون بالإنسان في حال واحدة حمّى ونافض ويحسّ بهما جميعاً في وقت واحد في كلّ عضو من أعضاء بدنه. وأرخيجانس يرى أنّ هذا الاسم، أعني اسم إيبيالس، ليس يسمّى به شيء أصلاً في حال من الأحوال سوى هذه الحمّى. وقد نجد قوماً من أهل أطيقى، وهم أنبل اليونانيّين، يسمّون بهذا الاسم أيضاً النافض الذي يتقدّم الحمّى. والأمر عندي أنّ هذا الخلط هو الذي يسمّيه بركساغورس الزجاجيّ.

فأمّا من كان بعده من الأطبّاء الحدث، ومنهم فيلبوس، فيسمّونه نيّاً خاماً تسمية مطلقة من غير أن يضيفوا إلی ذلك اسماً يفرّقون به بينه وبين غيره تفرقة صحيحة. وهذا الخلط أيضاً من جنس البلغم، وهو شديد البرد واللزوجة. فإنّ كلّ خلط تجتمع فيه الرطوبة والبرد، فإنّ اسم البلغم واقع عليه عند من يتبع في استعمال الأسماء بقراط وما جرت عليه عادة جميع القدماء من الأطبّاء وسائر اليونانيّين.

فأمّا بروديقس في كتابه في طبيعة الإنسان، فيجاوز السنّة في هذا الاسم أيضاً، وكان الذي دعاه إلی ذلك اشتقاق عجيب اشتقّ به هذا الاسم. وليس هذا موضع تمثيل الكلام إلی أشباه هذه الأشياء، إذ كنّا قد أفردنا لها كتاباً غير هذا. فأنا راجع إلی ما قصدت إليه.

فأقول إنّ كلّ خلط بارد رطب يكون في البدن، فنحن نسمّيه بلغماً، فإن شئت أنت أن تسمّيه سقندبسوس، فشأنك. فهذا مبلغ قلّة مبالاتي بالأسماء. ولكن اعلم أنّ لهذا الخلط أصنافاً كثيرة. فصنف منه بارد جدّاً، حتّى يحدث أوجاعاً في غاية الشدّة، إذا حدثت منه سدّة في موضع حارّ. وكثيراً ما ترى أوجاعاً كثيرة من أوجاع القولنج بعد استعمال حقنة حادّة تستفرغ هذا الخلط تسكن على المكان. وهذا الخلط شبيه في منظره بالزجاج المذاب. ومن البلغم صنف آخر كثيراً ما يتنخّعه ويقذفه بعض الناس معه حلاوة محسوسة. وبيّن أنّه لا يمكن أن يكون هذا الصنف خالص البرد عند من هو ذاكر لما بيّنت في كتابي في قوى الأدوية المفردة. ومن البلغم صنف ثالث يحسّه من يقذفه حامضاً، وهو أقلّ برداً من الزجاجيّ وأشدّ برداً من الحلو. ومنه صنف آخر مالح، وذلك يكون إمّا من قبل عفونة، وإمّا من قبل أنّه تشوبه رطوبة مائيّة مالحة. ومن أصابته حمّى من هذا الصنف من البلغم، لم يصبه معها نافض، لكنّه يقشعرّ فقط في أوّل نوبة الحمّى.

فأمّا الصنف الحامض من البلغم والصنف الزجاجيّ، إن تحرّكا وجريا، فمرّا بأعضاء حسّاسة، فإنّهما يحدثان النافض الذي لا تكون معه حمّى، وإن شابهما شيء يسير من العفونة، كانت منهما الحمّى التي يحسّ صاحبها فيها النافض والصالب معاً في جميع أعضائه التي قلت إنّ اليونانيّين يسمّونها إيبيالس. فإن نالهما من العفونة أكثر من ذلك، تقدّم النافض، ثمّ تبعته الحمّى، فانهزم البرد من كثرة الحرارة، حتّى لا يظهر منه شيء أصلاً في وقت تزيّد النوائب وفي وقت منتهاها.

ولعلّ الصنف الزجاجيّ من البلغم أيضاً معه شيء من الطعم الحامض، فيكون جميع أصناف البلغم ثلاثة، الحامض والحلو والمالح. وليس يكاد يكون من البلغم الحلو، إذا عفن، نافض قبل الحمّى. وليس ببعيد، إن يتوهّم متوهّم أنّ هذه الحمّيات ليست حمّيات مفردة ولا تكون من سبب مفرد، إذ كان ما قد استولت عليه العفونة من البلغم، هو المولّد للحمّى، والباقي منه الذي لم يعفن بعد، هو الذي يكون منه النافض، وليس حال هذا حال الذي قد عفن.

فإن كان النافض إنّما يكون من هذا الذي لم يعفن بعد والحمّى إنّما تكون ممّا قد عفن، فإنّ السبب شيئان، لا شيء واحد. وفي هذه الحمّى قد يمكن أن يقال إنّ الحمّى تكون من جنس من السبب غير الجنس الذي يكون منه النافض، والنافض شيء غير الحمّى. فأمّا في حمّى الغبّ، فالمرّة الصفراء هي المحدثة للنافض وللحمّى. إلّا أنّ البحث عن هذه الأشياء وأشباهها بطريق أصحاب الكلام أشبه، وأمّا نحن، فينبغي أن نرجع إلی الغرض الذي قصدنا إليه.