Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: De Febrium Differentiis (On the Differences of Fevers)

١٨ وتلك الحال ضربان، أحدهما ضعف العضو الذي بسببه تتولّد الفضول، والآخر الحال التي تجتمع ممّا يتولّد فيه في وقت بعد وقت. فإنّه لا ينبغي أن تتوهّم أنّ هذه الأواني الخارجة، إذا طبِخ فيها طعام من الأطعمة فتدخّن، بقيت فيها منه حال من تلك الحال، وليست تبقى في الأعضاء من الأخلاط التي تعفن فيها حال أصلاً. وأحرى ألّا يمكن أن تنقضي تلك الحال، إذا كانت في البدن كلّه أخلاط رديئة أو كثيرة، ولا سيّما إن اجتمع مع ذلك ضيق من جميع المجاري التي تنفذ فيها فضول ذلك العضو.

وكذلك أيضاً، فإنّ البرء يلحق ذلك العضو، إذا نقّيت وتفتّحت تلك المجاري، حتّى يجري منه ما فيه بسهولة، واشتدّت القوّة وقويت، وصلحت تلك الحال التي في العضو، ولم تكن في البدن كلّه كثرة من الأخلاط ولا رداءة. فأمّا ما دامت هذه الخلال باقية، فإنّه يجب أن يبقى دور تلك النوائب.

وكذلك قد نرى الأمر يعرض للنساء. فإنّ أسباب الطمث ما دامت في النساء باقية على مقدار واحد وحال واحدة، فإنّ دور الطمث يبقى بحال واحدة. وقد شرحت أمر جميع هذه الأشياء أبلغ الشرح في قول وصفت فيه حال الأعضاء التي يجري إليها الفضل، وليس ينبغي لي الآن أن أطيل القول في تصحيح ما قد تقدّم بيانه وتأكيده ولا أدع ذكر جمل ما ينتفع به في هذا الكلام الذي أنا فيه.

ومن أنفع الأشياء فيه أن تعلم أنّ بعض الأعضاء قد يدفع على غيره فضوله، كما يدفع الرأس على العينين، وأنّ بعض الأعضاء قد يكون أصل تولّد الحمّى فيها من قبل الفضول المتولّدة فيها، وأنّه يعمّ هذه كلّها عفونة الفضول، ويخصّ واحداً واحداً منها شيء شيء غير العفونة. فيخصّ بعضها السدد والاغتصاص الحادثان في العروق، إمّا بسبب لزوجة الأخلاط، وإمّا بسبب غلظها، وإمّا بسبب كثرتها، ويخصّ بعضها ضيق المجاري، إمّا المحسوسة، وإمّا غير المحسوسة، ويخصّ بعضها أنّ جميع المواضع الخالية التي في جرم ذلك العضو قد امتلأت، ومع ذلك أيضاً قد يخصّ بعضها الصنف الآخر من الامتلاء الذي هو كثرة الأخلاط بقياس القوّة، كما بيّنت في القول الذي وصفت فيه أمر الامتلاء. ولست أعلم أنّه بقي علىّ ذكر شيء من أسباب تولّد الحمّيات التي تنوب على دور من الأدوار.

فأمّا الحمّيات التي لا تلزم نظاماً واحداً، فمنها ما يصير إلی تلك الحال بسبب انقلاب الخلط الذي عفن، ومنها ما يصير إلی تلك الحال بسبب سوء التدبير. وأسرع الأخلاط إلی أن ينقلب، إذا عفن، الدم. فقد بيّنت قبل أنّ شيئاً منه يصير مرّة صفراء، وشيئاً منه يصير مرّة سوداء. فبحسب ما يكون من استحالة الأخلاط في بدن المريض وتغيّرها تكون أدوار النوائب. فليس إذاً بعجب أن يتغيّر نظام الأدوار عند هذه الاستحالات. وقد يتغيّر أيضاً ذلك النظام مثل ذلك التغيّر، إذا كان الشيء الذي قد ابتدأت فيه العفونة في عضو من الأعضاء غير الشيء الذي يجري إليه من سائر الأعضاء، إمّا لأنّه في تلك الأعضاء فقط بتلك الحال، وإمّا لأنّه الغالب في البدن كلّه.

وكذلك أيضاً ما يخطئه المرضى على أنفسهم في تدبيرهم قد يفسد نظام الأدوار. فكما أنّ التدبير الرديء، إذا استعمله الأصحّاء، كان سبباً للأمراض، كذلك، فيما أحسب، أو أكثر قد تعرض للمرضى من الخطاء الذي يخطئونه على أنفسهم في التدبير نوائب من الحمّى. وليس في حال مرضهم فقط، لكن في حال إفاقتهم أيضاً قد تسرع إليهم الآفة من كلّ خطاء يخطئونه على أنفسهم.

وعند كلّ آفة ذات قدر تنالهم قد يضطرّ الأمر إمّا إلی تقدّم الأدوار، وإمّا إلی تولّد نوائب من غير جنس النوائب الأول، فيفسد بتلك النوائب نظام الأدوار. وربّما كانت الأدوار أدوارا مركّبة، فلم يعرف ذلك الأطبّاء، فظنّوا أنّ نوائب حمّياتهم غير لازمة لنظام، إلّا أنّ هذا الاختلاف ليس هو اختلافاً بالحقيقة، لكنّه إنّما يظنّ ظنّاً فقط. فأمّا الاختلاف الذي هو بالحقيقة اختلاف، فإنّما يكون إمّا من قبل انقلاب الأخلاط المولّدة للحمّيات، وإمّا من قبل خطاء يعرض في التدبير.

وأمّا الجنس الذي بقي من هذه الحمّيات، وهو جنس الحمّيات المعروفة بالمطبقة التي يسمّيها اليونانيّون سونوخس، التي مدّة زمانها كلّه قلد واحد إمّا متساوي القوّة دائماً، وإمّا ألّا يزال يتنقّص، وإمّا ألّا يزال يتزيّد إلی وقت البحران، فإنّما يكون من السبب الذي وصف بركساغورس أنّه السبب في جميع الحمّيات، إذ ظنّ أنّ سببها إنّما هو عفونة تعرض للأخلاط في العرق الذي ينبت من أعلى الكبد المعروف بالأجوف، ويسمّيه اليونانيّون قولي. وهذا القول يكون أتمّ وأصحّ، إذا قيل على هذا المثال، وهو أنّ ما كان من الأمراض يهيج وينوب على أدوار، فإنّما يتولّد عن حالات في الأعضاء، إمّا لأنّها تدفع الفضول، وإمّا لأنّها تقبلها، وإمّا لأنّها تولّدها، وإمّا لأنّها تجذبها على المثال الذي وصفناه قبيل.

وأمّا ما كان من الأمراض ليس له أدوار، فليس فيه في عضو خاصّ من أعضاء البدن علّة، لكن الأخلاط التي في العروق كلّها الضوارب منها وغير الضوارب، وخاصّة ما كان من تلك الأخلاط في أعظم العروق وأسخنها، تلتهب وتغلي، إمّا بسبب عفونة تحدث لها، وإمّا بسبب غير ذلك مثل ما يعرض في الحمّى التي تعرف بحمّى يوم، فتتولّد منها حمّى واحدة مطبقة متّصلة منذ أوّلها إلی آخرها لا تفتر ولا تزال باقية تحرق البدن، إلی أن تفنى تلك الأخلاط التي تولّدت عنها أو تنضج أو يحدث لها الأمران جميعاً.

تمّت المقالة الثانية من كتاب جالينوس في أصناف الحمّيات، وبتمامها تمّ جميع الكتاب.