Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: De Febrium Differentiis (On the Differences of Fevers)

٨ وإذا غلبت الطبيعة الغلبة الصحيحة، كانت المدّة التي هي في غاية الحسن، وهي التي في منظرها بيضاء ثخينة متشابهة الأجزاء وفي ملمسها ملساء ليّنة وفي رائحتها ليست بالكريهة. وإذا لم تكن غلبة الطبيعة الغلبة الصحيحة التامّة، كان في تلك الاستحالة الجنس الثالث الذي ذكرناه قبيل.

وقد قلنا أيضاً إنّ هذا الجنس كثير الأصناف جدّاً، وذلك أنّ تفاضل قبول الفضل للنضج في الكثرة والقلّة لا تحصى أصنافه. وذلك أنّه ربّما كان قد صار أبيض، إلّا أنّه إمّا منتن وإمّا رقيق في قوامه، وربّما لم يكن مع ذلك أبيض، لكنّه يكون إلی الخضرة والكمودة، وتفاضل أحواله في جميع هذه الوجوه في الكثرة والقلّة بلا نهاية.

وبقدر أصناف العفونة التي توجد في المدّة في الخراجات والدبيلات توجد أصناف الثفل الذي ينحدر مع البول في الحمّيات التي تكون من العفونة. وذلك أنّ أجوده، وهو الذي يكون من الخلط الذي قد عفن، إذا أنضجه العرق الذي يحويه، يكون منه في البول ثفل راسب أبيض أملس مستوٍ غير كريه الرائحة، وأردؤه هو ما كان في جميع الحالات على ضدّ هذا. فأمّا الذي بينهما، فعلى حسب قربه من أحد الطرفين يكون فضل رداءته أو جودته. وقد وصفت أصناف البول في كتابي في البحران.

وأمّا الحمّيات التي تتولّد من العفونة، فينبغي أن تعلم أنّها غير هذه الحمّيات التي ذكرنا أعني حمّى يوم. وليس يعسر عليك تعرّف هذه الحمّيات، وإن كان قوم قد ظنّوا أنّه ممّا لا يمكن، وقد بيّنت بالفعال ذلك مراراً لا أحصيها كثرة. فتقدّمت إلی من عرضت له هذه الحمّى أن يدخل إلی الحمّام فيستحمّ ويغتذي بغذاء معتدل ويلزم عمله وآمنته من معاودة الحمّى إيّاه. وكان الأمر على ما أنذرت.

وأوّل دلائل هذه الحمّى المعروفة بحمّى يوم أن يكون ابتداؤها من سبب حادث بيّن. ومن عادة جميع الأطبّاء الحداث أن يسمّوا السبب الذي هذه حاله سبباً بادئاً، إلّا أنّ هذا الدليل، وإن كان غير مفارق لهذه الحمّى، فإنّه ليس هو لها خاصّة دون غيرها، لأنّه قد يكون من الحمّيات الأخر ما يكون ابتداؤه عند حدوث سبب من الأسباب الظاهرة.

فأمّا الدليل الذي هو غير مفارق لهذه الحمّى وخاصّ بها دون غيرها، فهو ظهور النضج في البول منذ أوّل يوم، ومثله أيضاً أن يكون النبض قد تزيّد عظماً وسرعة تزيّداً ذا قدر، ويكون مع ذلك التواتر في الوقفة التي من داخل ناقصاً بقياس العظم والسرعة. وأكثر من هذا خاصّة وأحرى بأن يكون خاصّاً غير مفارق أن يكون انقباض العرق لا يتزيّد سرعة بتّة. فإن تزيّد في بعض الحالات، كان تزيّده يسيراً جدّاً يعسر الوقوف عليه، وخروجه عن الحال الطبيعيّة يسيراً جدّاً، وطيب الحرارة أيضاً ولذاذتها دليل خاصّ غير مفارق لهذه الحمّى.

ومن الدلائل التي لا تفارق هذه الحمّى أيضاً استواء النبض وتزيّد الحمّى من غير تضاغط في الحرارة ولا في النبض، إلّا أنّ هذين الدليلين ليسا بخاصّيّين لهذه الحمّى دون غيرها. وذلك أنّهما قد يوجدان في بعض الحمّيات الأخر، وكذلك أيضاً قلّة عاديّة الحمّى في وقت منتهاها. فإنّ هذا الدليل أيضاً ليس بخاصّ لهذه الحمّى، وإن كان يكون فيها أكثر ممّا يكون في سائر الحمّيات. والأجود أن نجعل هذه الدلائل العامّيّة التي تظهر في حال تزيّد الحمّى ومنتهاها دلائل خاصّيّة لهذه الحمّى التي تعرف بحمّى يوم، من طريق ما هي فيها أكثر منها في سائر الحمّيات.

فإنّا إذا فعلنا ذلك، فإنّه، وإن لم يكن نفس الشيء دليلاً خاصّاً لهذه الحمّى، فإنّ أحسن ما فيه وأخلصه يكون دليلاً خاصّاً غير مفارق لهذه الحمّى، وكذلك أيضاً انحطاط الحمّى، إذا كان مع عرق أو نداوة أو مع بخار طيّب يتحلّل من البدن، ثمّ أعقب ذلك إقلاع تامّ من الحمّى. وهذا هو الطريق العامّ في تعرّف هذا الجنس من الحمّيات المعروفة بحمّى يوم. فأمّا الطريق الخاصّ في تعرّف صنف صنف من هذا الجنس فسأصفه بعد.