Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: De Febrium Differentiis (On the Differences of Fevers)

١٣ ولذلك صار من أعظم دلائل حمّيات الدقّ أن توجد العروق الضوارب أسخن من المواضع التي حولها، وليس يعرض ذلك لها في سائر الحمّيات. وهذا العارض يزداد بياناً بعد دخول صاحب هذه الحمّى إلی الحمّام واستحمامه بالماء الحارّ العذب وتخلخل بدنه وتسخّفه بذلك السبب أو بسبب غيره أيّ سبب كان، حتّى يندى بدنه وتتحلّل بعض حرارته.

فإنّه من بعد ذلك التحلّل توجد الحرارة في مواضع البدن كلّها معتدلة خلا العروق الضوارب. فإنّ الحرارة في العروق الضوارب لا توجد في تلك الحال قد نقصت شيئاً عمّا كانت عليه قبل ذلك. وإحساسك يكون خاصّة لتلك الحرارة فيها إحساساً صحيحاً عند انبساط النبض، وانبساط النبض أيضاً لا يتغيّر عمّا كان عليه من بعد التحلّل الذي وصفنا، لكنّه يبقى على مثل ما كان عليه في جميع حالاته.

وحمّى الدقّ، متى كانت مفردة وحدها، فإنّ أمرها بيّن، كانت حمّى دقّ فقط أم كانت حمّى ذبول. ومتى كانت مع حمّى أخرى، كان تعرّفها أصعب مثل الحمّى التي كانت بامرأة رأيتها منذ قريب، وكانت حمّاها تنوب عليها مرّتين في اليوم، إحداهما بالنهار والأخرى بالليل، ولم يكن ذلك من أمرها يخفى. فإنّ أمر هذه المرأة فيما كان بها من حمّى الذبول ذهب عن جميع من كان يعودها من الأطبّاء، لأنّهم كانوا يظنّون أنّه لا يكون في حمّيات الدقّ ابتداء نوبة محسوس ولا تزيّد ولا منتهى ولا انحطاط، كأنّه لا يمكن أن تتركّب مع حمّى الدقّ بعض الحمّيات التي تكون من الأخلاط.

فأمّا أنا، فإنّي فهمت تلك الحمّى وعرّفتها في هذه المرأة أيضاً منذ الأيّام الأول من علّتها من قبل أنّي وجدت كلّ واحدة من تينك النوبتين، أعني النوبة التي كانت تكون بالنهار والنوبة التي كانت تكون بالليل، تكون أجزاؤها قصيرة المدّة، وكثيراً ما كنت أجدها تتحلّل وتنقضي مع ندى كان ينداه بدن تلك المرأة وبخار كان يتحلّل منها انقضاء بيّناً، حتّى كان البدن، إذا لمس، وجد معتدل الحرارة. فأمّا الدلائل التي كانت تظهر في العروق الضوارب، وهي الدلائل التي وصفتها قبيل، فإنّها كانت تبقى وتدوم، فلا تبرد تلك العروق، كما كانت تبرد سائر الأعضاء ولا تنتقص سرعة حركتها وتواترها.

فأنا قائل الآن قولاً قد قلته مراراً كثيرة في غير هذا الكتاب، وهو أنّه ليس ينبغي أن نقتصر على النظر في الأدوار وتناسب النوائب، لكنّه ينبغي قبل ذلك أن ننظر في نفس طبيعة الحمّى، حتّى تكون معرفتنا بالحمّى من نفس طبيعتها، كما يعرف الناس من صورهم. وعلى هذا الوجه تجدني أعرف كثيراً طبيعة الحمّى منذ أوّل يوم تعرض، ولا أحتاج أن أنتظر عودتها في اليوم الثالث أو في الرابع أو في الثاني. وقد وصفت هذه الأشياء، فبالغت في صفتها في المقالة الثانية من كتابي في البحران، ووصفت أيضاً في تلك المقالة كيف ينبغي أن تتعرّف أصناف الحمّى المعروفة بحمّى يوم.

وقد أعلم أنّي قد كنت وعدت أن أصف أمرها في كتابي هذا أيضاً. ثمّ إنّي ذكرت أنّ الذي وصفته في ذلك الكتاب من أمرها إنّما ينقص نقصاناً يسيراً عن أن يكون قد استقصي كلّه الاستقصاء التامّ، فرأيت أنّ نسخ ما قد كتبته هناك في هذا الكتاب فضل، وأنّه ينبغي أن أقتصر على إلحاق ما تركت ذكره هناك.