Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: De Febrium Differentiis (On the Differences of Fevers)

١٤ فأقول إنّ من أصابته تلك الحمّى من حرّ الشمس، فإنّ جلدة بدنه توجد على حال من السخونة واليبس أكثر من الحال التي يوجد النبض قد مال فيها إلی نبض الحمّى، وهو أيضاً أقلّ عطشاً من غيره ممّن حرارته مساوية لحرارته. وحين تضع كفّك على بدنه، تجد حرارته في غاية منتهاها بخلاف حال من تصيبه هذه الحمّى من استحصاف البدن. وذلك أنّك تجد الحرارة فيمن تلك حاله عند أوّل وضعك يدك على البدن يسيرة، ثمّ إذا لبثت كفّك موضوعة على البدن، وجدت الحرارة تتزيّد.

ومن أصابته تلك الحمّى من حرّ الشمس، فإنّك تجد رأسه خاصّة كأنّه يحترق احتراقاً، وتتوق نفسه إلی صبّ الماء البارد عليه وينتفع به أيضاً مع ذلك. وتجد عينيه أسخن وأشدّ حمرة مع يبس، إذا لم يكن مع تلك الحمّى زكام ولا نزلة. فإنّه قد تعرض هذه الأعراض لبعض من يبلغ منه حرّ الشمس، ومن كانت تلك حاله، فإنّ رأسه مع حرارته يكون ممتلئاً من الدم، حتّى تكون عروقه كلّها ممتلئة متصدّرة ممتدّة، أعني العروق التي في العينين والعروق التي في الصدغين والجبهة والوجه كلّه. وهذا من أعظم الدلائل التي يفرّق بها بين صاحب هذه الحال وبين من تعرض له تلك الحمّى من برد يصيبه.

فإنّ الذي يبلغ منه البرد أيضاً، إذا نالته آفة من البرد في رأسه، يسرع إليه الزكام والنزلة، وربّما كانت الحمّى التي تعرض لصاحب تلك الحال إنّما تعرض له بسبب الآفة التي نالته في رأسه. فأمّا في أكثر الحالات، فإنّما تكون الحمّى، إذا كان البدن كلّه أيضاً قد ناله البرد أو الحرّ.

ومن كانت الآفة التي نالته إنّما هي من البرد، فإنّك تجد جلدة بدنه أقلّ سخونة، وتجد بدنه أملأ وأشدّ انتفاخاً، ولا ترى في وجهه شيئاً من اليبس الذي تراه في وجه من تعرض له الحمّى من حرّ الشمس من غير أن يكون قد عرض له في رأسه امتلاء. وصاحب هذه الحال يعرض له الامتلاء في رأسه في أكثر الحالات، إلّا أن يكون بدنه نقيّاً نقاء صحيحاً ليس فيه شيء من الفضول. فإنّ الذي هذه حاله فقط، يمكن، إذا سخن رأسه، أن يبقى على حاله من غير أن يعرض له امتلاء، إلّا أنّك على حال ربّما وجدت الرأس كلّه قد نالته حرارة شديدة جدّاً من قبل حرّ الشمس من غير أن يكون قد عرض فيه امتلاء. وهذه الحال تخالف حال البرد مخالفة بيّنة جدّاً.

فأمّا الحال التي يكون معها الامتلاء، فتمييزها عسر، إذ كان يعرض معها النزلة والزكام، وكان هذان العارضان يعرضان لمن ناله البرد، إلّا أنّ اليبس وشدّة سخونة الجلد وسائر الدلائل التي وصفتها قبيل دلائل تخصّ من نالته الآفة من حرّ الشمس.

وسنصف أمر ذلك ونستقصي صفته في كتاب طريق الحيلة للبرء مع سائر أصناف الحمّى المعروفة بحمّى يوم كلّها، وقد وصفت دلائلها في المقالة الثانية أيضاً من كتابي في البحران، فلست أحتاج إلی أن أصفها في كتابي هذا. لكنّي أقطع هذه المقالة في هذا الموضع وآخذ في المقالة التي بعدها في صفة جميع أصناف الحمّيات التي تتولّد من عفونة الأخلاط.

تمّت المقالة الأولى من كتاب جالينوس في أصناف الحمّيات.