Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: De Febrium Differentiis (On the Differences of Fevers)

المقالة الثانية من كتاب جالينوس في أصناف الحمّيات ترجمة حنين بن إسحاق

١ والذي بقي علىّ أن أصف أصناف الحمّيات التي تتولّد من الأخلاط، وأنا جاعل أوّل ما أفتتح به القول فيها أنّه ليس يكفي، على ما ظنّ قوم في توّلد هذه الحمّيات، أن يتزيّد ويكثر ويغلب في البدن المرار المرّ الذي يصفه بعضهم بالصفرة ويصفه بعضهم بالحمرة. لأنّه لو كان الأمر كذلك، لكان جميع من يصيبه اليرقان سيعرض له من هذه الجهة من الحمّى أعظم ما يكون منها وأقواه، إذ كان في أبدان أصحاب اليرقان من ذلك المرار شيء كثير منبثّ في البدن كلّه، وليس نجد أصحاب اليرقان يحمّون إلّا من سبب آخر ربّما عرض مع اليرقان سنصفه بعد قليل.

والتوهّم أيضاً بأنّ أبدان الذين تصيبهم حمّى الربع والحمّى النائبة في كلّ يوم قد اجتمع فيها من المرّة الصفراء شيء كثير كما اجتمع في أبدان أصحاب الغبّ والحمّى المحرقة شنيع قبيح. وذلك أنّا نرى الأمر على خلاف ذلك من قبل أنّه ليس يخرج في الحمّى النائبة في كلّ يوم ولا في حمّى الربع المرار الأصفر لا بالقيء ولا بالعرق ولا بالبول ولا بالبراز، ومع ذلك أيضاً فليس شيء ممّا يتقدّم هتين الحمّيين ولا ممّا كان معهما يشهد على غلبة الصفراء فيهما.

وذلك أنّ الغبّ إنّما تحدث في أكثر الحالات في الأبدان التي تغلب عليها الصفراء بالطبع، وفي أصحاب السنّ التي هي منتهى الشباب، وفي هذه السنّ تكون الصفراء أغلب منها في سائر الأسنان كلّها، ومن أوقات السنة في وقت الصيف خاصّة، وفي ذلك الوقت يكون ذلك الخلط هو الغالب، وفي البلدان التي مزاجها حارّ يابس، وإذا كان مزاج الهواء بتلك الحال، والسيرة أيضاً، إذا لم تكن سيرة خفض ودعة وتكاسل في أكثر الحالات، لكن سيرة نصب وتعب واهتمام وسهر وتعرّض لحرّ الشمس والإقلال من الغذاء واستعمال الحرّ اليابس منه. والإسراف أيضاً في استعمال الأدوية الحارّة اليابسة ممّا يجلب سريعاً حمّيات الغبّ.

فأمّا الحمّيات المعروفة بالنائبة في كلّ يوم، فأمرها على ضدّ ذلك. وذلك أنّها إنّما تحدث في أصحاب الطبائع البلغميّة، ومن أوقات السنة في الشتاء، ومن حالات الهواء فيما كان منها أزيد رطوبة وبرداً، وفي المشايخ والصبيان خاصّة، وفي البلدان الباردة الرطبة، وإذا كانت السيرة سيرة خفض ودعة وسكون مع إكثار من الطعام، وخاصّة إذا كان المستعمل لهذا التدبير يستعمل الدخول إلی الحمّام بعد الطعام، وأكثر من ذلك، إذا كانت أطعمته أيضاً أطعمة هي في طبيعتها إلی توليد البلغم أميل. وليس يتقيّأ صاحب هذه الحمّى مراراً مرّاً، ولا يخرج منه ذلك بالبراز ولا بالبول كما يخرج في الغبّ. وذلك أنّ الغبّ إنّما تكون من المرّة الصفراء، إذا هي عفنت.

وأمّا الحمّى المعروفة بالنائبة في كلّ يوم، فإنّما تتولّد من أخلاط هي إلی البلغم أميل، إذا هي عفنت، وأمّا الربع، فتكون من الأخلاط السوداويّة، إذا هي عفنت. ولذلك صارت حمّى الربع إنّما تتولّد في طبائع الأبدان التي هي إلی السوداء أميل، وفي سنّ الكهول، وفي وقت الخريف، وعند استعمال جميع ما شاكل ذلك من الأطعمة والأشربة وجميع التدبير، أعني إذا كانت هذه الأشياء كلّها باردة يابسة. ولذلك صار النافض الذي يتقدّم هذه الحمّيات غير متشابه، لكن النافض الذي يتقدّم الغبّ ينبئك بأنّ السبب الفاعل له يلذّع وينخس الأعضاء الحسّاسة. فأمّا النافض الذي يتقدّم الربع، فيحسّ كأنّ السبب الفاعل له يبرّد تلك الأعضاء.

وقد وصفت أصناف النافض وحالاته صفة شافية في المقالات التي وصفت فيها علل الأعراض، وبيّنت فيها أيضاً أمر الاختلاف بين الحمّيات التي هي من جنس واحد. فأوضحت أنّ الحمّيات المفارقة، وهي التي تقلع إقلاعاً محسوساً، إنّما تكون متى كان الخلط المولّد للحمّى متحرّكاً جارياً في البدن كلّه. وأمّا الحمّيات الدائمة، فإنّما تكون، إذا كان الخلط المولّد للحمّى محصوراً في جوف العروق، وقد وصفت كيف يكون تعرّف هذه الحمّيات في المقالة الثانية من كتابي في البحران.