Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: De Inaequali Intemperie (On Uneven Distemper)

وقد يعرض الألم والوجع أيضاً لمن غلب عليه البرد غلبة قويّة من قرّ شديد ثمّ رام أن يسخن بدنه إسخاناً سريعاً بالاصطلاء وكثير ممّن أصابه ذلك لمّا أدنی بدنه من النار بغتة أحسّ بوجع شديد جدّاً في أصول الأظفار. فمن يقدر وهو يری عياناً في هذه الحال أنّ السبب في الألم والوجع إنّما هو سوء المزاج المختلف أن يدفع ذلك في الأوجاع التي تعرض من داخل أو يتعجّب كيف يعرض الوجع كثيراً للناس من غير ورم إمّا في المعی الذي يسمّی قولن وإمّا في الأنثيين وإمّا في غيرهما من سائر الأعضاء؟ وذلك أنّه ليس شيء من هذا بعجب ولا كيف تعرض الحمّی والنافض لبعض الناس في حال واحدة من قبل أنّه إذا كثر في البدن الخلط البارد البلغميّ الذي يشبّهه فركساغورس بالزجاج والخلط الحارّ الذي من جنس الصفراء حتّی يغلبا معاً علی البدن ويتحرّكا فيه وخاصّة في الأعضاء الحسّاسة فليس بعجب أن يحسّ من تلك حاله بالأمرين جميعاً. فإنّك إن عمدت إلی إنسان فأقمته في شمس حارّة ثمّ رششت عليه ماء بارداً فليس من المحال أن يحسّ معاً بحرارة الشمس وبرد الماء إلّا أنّ هاذين جميعاً في صاحب هذه الحال إنّما يناله من خارج ويناله أيضاً كلّ واحد منهما في أجزاء من بدنه عظيمة.

فأمّا في الحمّی التي يسمّيها اليونانيّون «إيفياليس» فالذي يناله من الحرّ والبرد إنّما يناله من داخل ويناله أيضاً كلّ واحد منهما في أجزاء بدنه الصغار حتّی يكون الأوّل من بدنه أجزاء عظيمة ينالها البرد إلی جانب كلّ واحد منهما جزء عظيم يناله الحرّ ويكون الثاني من بدنه جزء صغير يناله البرد أوّلاً وإلی جانبه جزء آخر صغير يناله الحرّ ولذلك صار هذا الثاني يظنّ أنّه يحسّ في بدنه كلّه بالأمرين جميعاً. وذلك أنّه لمّا كان كلّ واحد من المبرّد والمسخن مبثوثاً في أجزاء صغار جزء بعد جزء ولا يكون بعدها في الصغر غاية لم يمكن أن يوجد جزء من هذه الأجزاء الصغار حسّاً فيه واحد من الحرّ والبرد دون الآخر. وبعض من يحمّ فقد يعرض له في أوّل أخذ الحمّی له في كلّ نوبة من نوائبها أن يحسّ معها بالبرد المفرط والحرّ المفرط لكنّه ليس يحسّ كلّ واحد منهما في الموضع الذي يحسّ فيه الآخر لكن الذي يصيبه ذلك يقدر أن يفرّق تفرقة بيّنة بين ما يسخن من أعضائه وبين ما يبرد منها. وذلك أنّه يحسّ بالحرّ من داخل في نفس أحشائه ويحسّ بالبرد في جميع ما في ظاهر بدنه من الأعضاء.

ومن الحمّی حمّی يسمّيها اليونانيّون «ليفورياس» لا تزال دائمة علی هذه الحال وكذلك أيضاً جنس من الحمّيات المحرقة قتّال والنافض مع الحمّی المطبقة مع ضعف القوّة في غاية الدلالة علی غاية الموت ما الذي يعرض في هذه الحمّيات في الأجزاء الكبار هو الذي يعرض في الحمّی التي يسمّيها اليونانيّون إفيالس في الأجزاء الصغار. فإنّ سوء المزاج في هذه الحمّيات أيضاً مختلف في جميع الجهات الأخر الثانية وهو أيضاً مختلف فيمن يصيبه النافض من غير أن تلحقه حمّی وقليل ما يعرض هذا العارض إلّا أنّه علی حال قد يعرض لبعض النساء وبعض الرجال إلّا أنّه يجب لا محالة أن يكون قد تقدّمه تدبير خفض أو يكون صاحبه قد أدمن مدّة طويلة الإكثار من الطعام والشراب المولّد خلطاً بارداً نيّاً بلغميّاً بمنزلة الخلط الذي يشبّهه فركساغورس بالزجاج. ويشبه أن يكون هذا العارض لم يكن يعرض في المتقدّم أصلاً لأنّه لم يكن أحد من الناس يتدبّر بهذا التدبير من الخفض والإكثار من الطعام ولذلك نجد القدماء من الأطبّاء يحكمون بأنّه لا بدّ من أن يلحق النافض في الأبدان التي بعينها فيها حمّی.

إلّا أنّا نحن قد رأينا كثيراً ورأی غيرنا من الحدث من الأطبّاء بأنّه يحكمون لأبدان يلحق النافض حدثت ثمّ لم تلحقها حمّی. فأمّا الحمّی التي يسمّيها اليونانيّون إيفياليس فهي مركّبة من هذا السوء المزاج الذي يحدث عنه النافض الذي لا تلحقهه حمّی ومن سوء المزاج الذي يكون في الحمّی. ومتی قلت «إيفياليس» فإنّما أعني بهذا الاسم الحمّی التي يعرض فيها الأمران جميعاً دائماً فأمّا الحمّی التي تتقدّمها النافض ثمّ يلحقها الصالب كالذي يعرض في الغبّ والربع فلست أسمّيها إيفياليس. فقد بان أنّ الحمّی التي تسمّی إيبيالوس مركّبة من ضربين من سوء المزاج مختلفين وكذلك الحال في سائر الحمّيات خلا الحمّيات الثابتة.