Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: De Inaequali Intemperie (On Uneven Distemper)

من ذلك أنّه إذا انصبّ إلی عضلة فضل حارّ فإنّ ما فيها من العروق التي هي أعظم عروقها الضوارب منها وغير الضوارب يمتلئ أوّلاً ويتمدّد ثمّ من بعد تلك العروق التي هي أصغر ولا يزال كذلك يسري حتّی يبلغ إلی أصغر العروق. فإذا غاض ذلك الفضل في تلك العروق فلم يضبطه بدر منه شيء من أفواه تلك العروق ورشح منه شيء فخرج من نفس أبدان العروق. فإذا كان ذلك امتلأت الفرج التي فيما بين الأعضاء الأول من ذلك الفضل حتّی يعرض لها أن تسخن وتبتلّ من جميع جهاتها من تلك الرطوبة المحيطة بها. وأعني بالأعضاء الأول في هذا الموضع العصب والرباطات والأغشية واللحم وقبل هذه نفس العروق الضوارب وغير الضوارب التي قد يعرض فيها أوّلاً الوجع خاصّة علی أنحاء شتّی. وذلك أنّ الفضل من داخلها يسخنها ويمدّدها ويصدعها والفضل من خارجها يسخنها ويزحمها ويضغطها ويثقّلها.

وأمّا سائر الأعضاء فبعصها إنّما تؤلمه السخونة فقط وبعضها إنّما يؤلمه الضغط فقط وبعضها يؤلمه الأمران جميعاً. ويقال لهذه العلّة عند اليونانيّين «فلغموني» وهي الورم الحارّ وهو سوء مزاج مختلف يعرض في العضلة. وذلك أنّ الدم الذي فيها يكون قد سخن وحدث له شبيه بالغليان ثمّ تسخن بسخونته أوّلاً خاصّة أبدان العروق الضوارب وغير الضوارب ثمّ جميع ما هو خارج عنها ممّا يفيض عليه حتّی يستفرغه.

ولا بدّ من أن يؤول الأمر في ذلك إلی إحدی خلّتين إمّا أن يغلب الفضل الذي ينصبّ إلی العضلة فيفسد الأجسام التي يغلب عليها وإمّا أن يغلب ذلك الفضل فتعود العضلة إلی حالها الطبيعيّة. فأنزل أوّلاً أنّ الفضل غلب إذ كان الابتداء إنّما هو أحمد وأولی: أقول إنّ البرء يكون عند ذلك علی أحد ضربين إمّا بأن يتحلّل جميع تلك الرطوبة التي انصبّت إلی العضلة وإمّا بأن ينضج. وأحمد البرئين ما كان بالتحلّل فأمّا النضج فيلحقه أمران ضرورة أحدهما تولّد المدّة والآخر الجمع. والجمع ربّما كان إلی أعظم الفرج القريبة من الموضع وأقلّها خطراً وهذا أحمد ما يكون من الجمع وربّما كان إلی أعظم الفرج القريبة لكن تلك الفرجة لا تكون بقليلة الخطر أو يكون في فرجة قليلة الخطر لكنّها لا تكون أعظم الفرج ولا قريبة.

فإن كان ذلك في نواحي المعدة فأحمد الجمع ما كان في الفضاء الذي في داخلها وإليه في أكثر الأمر تنفجر المدّة. وأمّا ما ينفجر إلی ما دون الصفاق فرديء.

وإذا كان ذلك في نواحي الدماغ فالجمع في التجويفين المقدّمين منه محمود والجمع تحت أمّي الدماغ وفي التجويف الذي في مؤخّر الدماغ مذموم رديء.

وأمّا في الخراجات التي تكون في نواحي الأضلاع فانفجارها يكون إلی فضاء الصدر والخراجات التي تكون في عضلها فانفجارها يكون نحو الجلد.

وأمّا الخراجات الحادثة في الأحشاء فانفجارها يكون إمّا إلی العروق التي فيها الضوارب منها وغير الضوارب وإمّا نحو الغشاء الذي يحيط بها وهو لها بمنزلة الجلد.

فإن غلب الفضل الأعضاء فبيّن أنّه ينبغي من غلبة سوء المزاج المختلف عليها أن يبطل فعلها ويفسد علی طول المدّة.

وأوّل سكون الألم عنها يكون إذا تشبّهت بالشيء الذي يحيلها ويغيّرها. وذلك أنّ الأعضاء ليس إنّما يعرض لها الألم لا عندما يكون مزاجها قد استحال وفرغ لكن في حال الاستحالة كما قد وصف من أمرها العجيب أبقراط حين قال: «إنّ الأوجاع إنّما تكون في الأعضاء في حال تغيّرها وفسادها وخروجها عن طبائعها». وإنّما يتغيّر كلّ واحد من الأعضاء عن طبيعته ويفسد إمّا بأن يسخن وإمّا بأن يبرد وإمّا بأن يجفّ وإمّا بأن يرطب وإمّا بأن يتفرّق اتّصاله. فأمّا في سوء المزاج المختلف فمن قبل أنّ العضو يسخن أو يبرد خاصّة وذلك أنّ هاتين الكيفيّتين أقوی الكيفيّات فعلاً وقد يكون ذلك من قبل أنّ العضو يجفّ أو يرطب. فأمّا في الجوع والعطش فيعرض الألم لفقد الجوهر اليابس في حال الجوع ولفقد الجوهر الرطب في حال العطش. وأمّا عند تأثير ما يؤثّر في العضو ما ينخسه أو يأكله أو يمدّده أو يضغطه أو يفسخه فحدوث الألم يكون بسبب تفرّق الاتّصال.