Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: De Inaequali Intemperie (On Uneven Distemper)

وهذه كلّها تكون أسباباً لسوء المزاج المختلف وذلك أنّ أغلب ما تكون الحرارة علی الدم الذي في العضو الوارم ثمّ بعده علی الدم الذي في الأحشاء وخاصّة علی الدم الذي في القلب ومن هذا خاصّة ما في تجويفه الأيسر. فإنّك إن عمدت إلی هذا التجويف من القلب والحيوان بعد حيّ ولم تعرض له بعد حمّی فأدخلت فيه إصبعك كما وصفت في كتابي في علاج التشريح أحسست منه بأقوی ما يكون من الحرارة. فليس بالبعيد متی كان البدن كلّه قد سخن سخونة خارجة عن الطبع أن يبلغ ذلك التجويف خاصّة من القلب غاية الحرارة. وممّا يعين علی ذلك أنّ فيه من الدم أرقّه وأقربه من طبيعة الروح ويتحرّك أيضاً حركة دائمة. إلّا أنّه يوجد في أمثال هذه من الحمّيات الدم كلّه قد استحوذت عليه السخونة وقبل تلك الحرارة الخارجة عن المجری الطبيعيّ المتولّدة عن عفونة الأخلاط قبولاً مستحكماً.

فأمّا أبدان العروق الضوارب وغيرها من الأجسام التي تجاورها وتحيط بها فليس يوجد قد تغيّر مزاجه وفرغ تغيّراً تامّاً مستحكماً لكنّها تكون بعد هو ذا يستحيل ويتغيّر إلی السخونة. وإن دام ذلك بها مدّة طويلة صارت إلی حدّ يكون فيه قد غلبت واستحالت أصلاً حتّی لا يكون عند ذلك في حدّ ما هو ذا يسخن فيه لكن يكون في حدّ ما قد سخن وفرغ سخونة خارجة عن الأمر الطبيعيّ وحدّ الاستحالة في كلّ واحد من الأعضاء هو ضرر فعله. فأمّا الغرض كلّه الذي منذ أوّل الأمر إلی أن ينتهي إلی هذا الحدّ فإنّما هو طريق الخروج إلی الحال الخارجة عن الأمر الطبيعيّ ممزوج مشترك متوسّط فيما بين الضدّين أعني بين الحال التي هي بالحقيقة طبيعيّة وبين الحال التي هي خارجة عن الطبيعة أصلاً.

ففي هذه المدّة كلّها من الزمان يكون بالجسم الذي يسخن من الوجع بمقدار ما يناله من الاستحالة. فإذا سخن جميع الأعضاء الأصليّة من البدن السخونة التامّة المستحكمة قيل لتلك الحمّی «أقطيقوس» وهي الثابتة وذلك أنّ قوامها عند ذلك ليس يكون بالرطوبات والروح فقط لكنّه يكون مع ذلك في الأجسام التي لها ثبات وليس مع هذه الحمّی ألم ولا وجع ويظنّ بصاحبها أنّه لا حمّی به أصلاً. وذلك أنّ صاحبها لا يحسّ بحرارتها لأنّ أعضاءه كلّها تكون قد سخنت سخونة مستوية علی حال واحدة.

وقد اتّفق علی هذا أصحاب النظر في أمر الطبائع عند نظرهم في أمر الحواسّ من أنّ الحسّ ليس يكون بغير استحالة ولا يكون الألم والوجع فيما قد استحال وفرغ ولذلك صارت كلّ حمّی من هذا الجنس الذي ذكرناه قبيل المسمّى أقطيقوس ليس معها ألم ولا وجع ولا يحسّ بها صاحبها أصلاً. وذلك أنّه ليست حال الأعضاء منه حال ما يكون بعضها يفعل وبعضها ينفعل إذ كانت كلّها قد صارت بحال واحدة وصار مزاجها مزاجاً واحداً متّفقاً.