Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: De Interpretatione (On Interpretation)

[الفصل الرابع] واذ قد لخصنا هذه المعنى فقد ينبغى أن ننظر كيف حال اصناف ¦ الايجاب والسلب بعضها عن بعض، ما كان منها فيما يمكن أن يكون وما لا يمكن وفيما يحتمل أن يكون وما لا يحتمل وما كان منها فى الممتنع والضرورى، فإن فى ذلك مواضع للسلب، وذلك انه إن كانت المناقضات فى الاقاويل المؤلفة انما يكون العناد بينها بعضا لبعض فيما كان منها مبنياً على قولنا موجود ولا موجود، ومثال ذلك ¦ ان سلب قولنا يوجد انسان قولنا ليس يوجد انسان، لا قولنا يوجد لا انسان، وسلب قولنا يوجد انسان عدلاً قولنا ليس يوجد انسان عدلاً، لا قولنا يوجد انسان لا عدلاً، لأنه إن كان يقال على كل شىء إما الايجاب وإما السلب فقد يصدق اذاً فى الخشبة القول ¦ بأنها يوجد انساناً لا عدلاً، فاذاً كانت المناقضات انما ينبغى أن يوجد على هذا القياس اعنى قولنا (فيها) يوجد اولا يوجد وكانت ايضا الاقاويل التى لا يلفظ فيها بحرف الوجود فان ما يقال لهما يقوم مقام ذلك الحرف يفعل فعله بعينه، ومثال ذلك ان سلب قولنا انسان يمشى ليس يكون قولنا لا انسان يمشى، بل قولنا انسان ليس يمشى، وذلك انه لا فرق بين قولنا انسان يمشى وبين قولنا يوجد انسان ¦ ماشياً، فاذ كان الامر يجرى هذا المجرى فى كل موضع فينبغى أن يكون ايضاً سلب قولنا يمكن أن يوجد قولنا يمكن ألا يوجد، لا قولنا لا يمكن ان يوجد، غير انه قد يظن أن قولنا قد يمكن أن يوجد وقولنا قد يمكن ألا يوجد معنى واحد بعينه، وذلك أن كل ما كان ممكناً أن ينقطع او أن يمشى فيمكن ألا ينقطع وألا يمشى، والحجة فى ذلك أن كل ما كان ¦ ممكناً على هذا النحو فليس ابداً يفعل، فلذلك قد يكون له السلب ايضاً، وذلك انه قد يمكن ألا يمشى المشاء وألا يرى المرئى، إلا انه ليس يمكن أن يصدق فى شىء واحد بعينه الحكمان المتقابلان، فليس اذاً سلب قولنا قد | يمكن أن يكون قولنا قد يمكن ألا يكون، لأنه يلزم من ذلك إما ¦ الإيجاب والسبل معاً لمعنى واحد بعينه فى معنى واحد بعينه، وإما أن يكون زيادة اللواحق التى يصير بها القول ايجاباً او سلباً ليس ملحق قولنا يكون او يوجد او قولنا لا يكون او لا يوجد، فاذ كان الاول من هذين ممتنعا فيجب أن يكون الثانى مؤثراً فالسالب اذاً لقولنا يمكن أن يوجد انما هو قولنا لا يمكن أن يوجد، وهذا بعينه القول فى قولنا ايضاً يحتمل أن يوجد، وذلك أن ¦ سلب هذا القول ايضاً هو قولنا لا يحتمل أن يوجد، والامر فى الباقية يجرى على هذا النحو اعنى فى الواجب وفى الممتنع، فكما أن فى تلك كان ما ملحق قيزاد فيها قولنا يوجد وقولنا لا يوجد فأما المعانى الموضوعة فكانت مرة الابيض ومرة الانسان كذلك يصير الامر هاهنا فيصير قولنا يوجد كالموضوع ¦ فأما قولنا يمكن ويحتمل فيصير زيادات يلحق ليحدد بها كما حدد فى تلك بقولنا يوجد ولا يوجد الصدق والكذب كذلك يحدد هذه ما يمكن وجوده وما لا يمكن وجوده، فان سلب قولنا يمكن أن يكون قولنا لا يمكن أن يكون فأما سلب قولنا يمكن ألا يكون فانه قولنا لا يمكن ألا يكون، ¦ ولذلك قد نرى انه يلزم بعضها من قبل أن ما كان ممكناً أن يوجد فممكن ألا يوجد وذلك أن الشىء الواحد بعينه قد يمكن أن يوجد وألا يوجد لأن هذه وما اشبهها ليست مناقضات، فأما قولنا يمكن أن يوجد وقولنا لا يمكن أن يوجد ¦ ولا يصدقان معاً فى شىء واحد بعينه فى حال من الاحوال لأنها متقابلان، ولا قولنا ايضاً يمكن ألا يوجد وقولنا لا يمكن ألا يوجد يصدقان معاً فى حال من الاحوال، وعلى هذا المثال سلب قولنا واجب ضرورةً ان يوجد ليس هو قولنا واجب ضرورةً ألا يوجد بل قولنا ليس واجباً ضرورةً ¦ أن يوجد، وأما سلب قولنا واجب ضرورةً ألا يوجد فانه قولنا ليس واجباً ضرورةً ألا يوجد، وايضاً سلب قولنا ممتنع أن يوجد ليس هو قولنا ممتنع ألا يوجد بل قولنا ليس ممتنعاً أن يوجد، فأما سلب قولنا ممتنع ألا يوجد فانه قولنا ليس ممتنعاً ألا يوجد، وبالجملة فانما ينبغى كما قلنا أن يتنزل قولنا يوجد ولا يوجد منزلة الموضوع ونلزم الايجاب ¦ والسلب هذه | المعانى ثم نقرن بقولنا يوجد وقولنا لا يوجد، فان هذه الاحكام ينبغى أن يعتقد انها الاحكام المتعاندة، ممكن لا يمكن محتمل لا محتمل ممتنع لا ممتنع واجب [ضرورة .Gl] لا واجب [ضرورة] حق لا حق.

〈تقابل القضايا ذوات الجهة〉

وإذ قد لخصنا هذه المعانى، فقد ينبغى أن ننظر كيف حال أصناف الإيجاب والسلب بعضها عن بعض: ما كان منها فيما يمكن أن يكون، وما لا يمكن، وفيما يحتمل أن يكون، وما لا يحتمل، وما كان منها فى الممتنع والضرورى. فإن فى ذلك مواضع للشك.

وذلك أنه إن كانت المناقضات فى الأقاويل المؤلفة إنما يكون العناد بينها بعضها لبعض فيما كان منها مبنيا على قولنا: موجود ولا موجود — ومثال ذلك أن سلب قولنا «يوجد إنسان» قولنا «ليس يوجد إنسان»، لا قولنا «يوجد لا إنسان»؛ وسلب قولنا «يوجد إنسان عدلا» قولنا «ليس يوجد إنسان عدلا»، لا قولنا «يوجد إنسان لا عدلا». لأنه إن كان يقال على كل شىء إما الإيجاب وإما السلب، فقد يصدق إذاً فى الخشبة القول بأنها توجد إنسانا لا عدلا. فإذا كانت المناقضات إنما ينبغى أن توجد على هذا القياس، أعنى قولنا فيها «يوجد» أو «لا يوجد»، وكانت أيضا الأقاويل التى لا يلفظ فيها بحرف الوجود، فإن ما يقال لهما يقوم مقام ذلك الحرف، يفعل فعله بعينه. ومثال ذلك أن سلب قولنا «إنسان ليس يمشى» ليس يكون قولنا «لا إنسان يمشى»، بل قولنا: «إنسان ليس يمشى». وذلك أنه لا فرق بين قولنا «إنسان يمشى»، وبين قولنا «يوجد إنسان ماشيا».

فإذ كان الأمر يجرى هذا المجرى فى كل موضع، فينبغى أن يكون أيضا سلب قولنا «يمكن أن يوجد» قولنا «يمكن ألا يوجد» لا قولنا لا «يمكن أن يوجد». غير أنه قد يظن أن قولنا «قد يمكن أن يوجد» وقولنا «قد يمكن ألا يوجد» معنى واحد بعينه. وذلك أن كل ما كان ممكنا أن ينقطع أو أن يمشى فيمكن ألا ينقطع وألا يمشى. والحجة فى ذلك أن كل ما كان ممكنا على هذا النحو فليس أبدا يفعل؛ فلذلك قد يكون له السلب أيضا. وذلك أنه قد يمكن ألا يمشى المشاء، وألا يرى الرائى. إلا أنه ليس يمكن أن يصدق فى شىء واحد بعينه الحكمان المتقابلان. فليس إذاً سلب قولنا «قد يمكن أن يكون» قولنا «قد يمكن ألا يكون» لأنه يلزم من ذلك إما الإيجاب والسلب معا لمعنىً واحد بعينه فى معنى واحد بعينه؛ وإما أن تكون زيادة اللواحق التى يصير بها القول إيجابا أو سلبا ليس 〈أن〉 نلحق قولنا «يكون» أو «يوجد» أو قولنا «لا يكون» أو «لا يوجد». فإذا كان الأول من هذين ممتنعاً، فيجب أن يكون الثانى مؤثرا.

فالسالب إذا لقولنا «يمكن أن يوجد» إنما هو قولنا «لا يمكن أن يوجد». وهذا بعينه القول فى قولنا أيضا «يحتمل أن يوجد». وذلك أن سلب هذا القول أيضا هو قولنا «لا يحتمل أن يوجد». والأمر فى الباقية يجرى على هذا النحو، أعنى فى الواجب وفى الممتنع. فكما أن فى تلك كان ما يلحق فيزاد منها قولنا «يوجد» وقولنا «لا يوجد». فأما المعانى الموضوعة فكانت مرة «الأبيض» ومرة «الإنسان». كذلك يصير الأمر هاهنا، فيصير قولنا «يوجد» كالموضوع. فأما قولنا «يمكن» و«يحتمل» فيصير زيادات تلحق ليحدد بها كما حدد فى تلك بقولنا «يوجد» و«لا يوجد» الصدق والكذب؛ كذلك يحدد هذه ما يمكن وجوده وما لا يمكن وجوده. فإن سلب قولنا «يمكن أن يكون» قولنا «لا يمكن أن يكون». فأما سلب قولنا «يمكن ألا يكون» فإنه قولنا «لا يمكن ألا يكون». ولذلك قد نرى أنه يلزم بعضها بعضاً من قبل أن ما كان ممكنا أن يوجد فممكن ألا يوجد. وذلك أن الشىء الواحد بعينه قد يمكن أن يوجد وألا يوجد، لأن هذه وما أشبهها ليست مناقضات. فأما قولنا «يمكن أن يوجد» وقولنا «لا يمكن أن يوجد» فلا يصدقان معا فى شىء واحد بعينه فى حال من الأحوال لأنهما متقابلان؛ ولا قولنا أيضا «يمكن ألا يوجد» يصدقان معا فى حال من الأحوال.

وعلى هذا المثال سلب قولنا: «واجب ضرورةً أن يوجد» ليس هو قولنا: «واجب ضرورةً ألا يوجد» بل قولنا: «ليس واجباً ضرورةً أن يوجد». وأما سلب قولنا: «واجب ضرورة ألا يوجد» فإنه قولنا: «ليس واجباً ضرورةً ألا يوجد»؛ وأيضا سلب قولنا: «ممتنع أن يوجد» ليس هو قولنا: «ممتنع ألا يوجد» بل قولنا «ليس ممتنعا أن يوجد». فأما سلب قولنا «ممتنع ألا يوجد» فإنه قولنا «ليس ممتنعا ألا يوجد».

وبالجملة، فإنما ينبغى كما قلنا أن يتنزل قولنا «يوجد» و«لا يوجد» منزلة الموضوع، ويلزم الإيجاب والسلب هذه المعانى: ثم تقرن بقولنا «يوجد» وقولنا «لا يوجد».

فإن هذه الأحكام ينبغى أن يعتقد أنها الأحكام المتعاندة:

ممكن... ... لا ممكن.

محتمل... لا محتمل.

ممتمع... لا ممتنع.

واجب... لا واجب.

حق... لا حق.