De Interpretatione (On Interpretation)
〈تضاد القضايا〉
وقد ينبغى أن ننظر هل ضد الإيجاب إنما هو السلب، أو الإيجاب ضد الإيجاب؛ وهل قولنا «كل إنسان عدل» هو ضد قولنا [و]«لا إنسان واحدا اعدل»، وإنما هو ضد قولنا «كل إنسان جائر»، كأنك قلت: «سقراط عدل»، «سقراط ليس بعدل»، «سقراط جائر» — أى الاثنين من هذه هما المتضادان؟
فإنه إن كان ما يخرج بالصوت تابعاً لازما لما يقوم فى الذهن، وكان فى الذهن ضد الاعتقاد إنما هو اعتقاد ضد — ومثال ذلك أن اعتقادنا أن كل إنسان عدل ضد اعتقادنا أن كل إنسان جائر — فواجب ضرورةً أن يكون أيضا الحال فى الإيجابين اللذين يخرجان بالصوت على ذلك المثال. وإن لم يكن هناك اعتقاد الضد هو الضد لم يكن أيضا الإيجاب هو المضاد للإيجاب، بل السلب الذى وصفناه. فقد ينبغى إذاً أن نبحث وننظر: أى اعتقاد حق هو المضاد للاعتقاد الباطل: هل اعتقادنا سلبه، أو اعتقادنا وجود ضده؟
وأعنى بذلك هذا المعنى: هاهنا عقد صادق فى خير، وهو أنه خير؛ وعقد آخر كاذب وهو أنه ليس بخير؛ وعقد غيره وهو أنه شر — فأى هذين، ليت شعرى، هو ضد العقد الصادق؟ وإن كان واحدا (أى إن كان معناهما واحداً) فالمضادة فى أيهما هو. فنقول:إن ظننا أن العقدين المتضادين إنما يحدان بأنهما لسببين متضادين، باطل؛ وذلك أن الاعتقاد فى خير أنه خير، والاعتقاد فى شر أنه شر خليق أن يكون واحدا بعينه، بل هو حق: واحداً كان أو أكثر من واحد؛ بل من قبل أنهما بحال تضاد: — فإذ كان هاهنا عقد فى خير، أنه خير؛ وعقد أنه ليس بخير، وعقد أنه شىء آخر ليس هو موجودا ولا يمكن أن يوجد — فليس ينبغى أن يوضع الضد واحداً من تلك الأشياء التى الاعتقاد فيها فيما ليس بموجود أنه موجود، أو فيما هو موجود بأنه ليس بموجود. وذلك أن الصنفين جميعا بلا نهاية، أعنى ما يقع فيه منها الاعتقاد فيما ليس بموجود أنه موجود، وما يقع فيه منها الاعتقاد فيما هو موجود أنه غير موجود. بل إنما ينبغى أن يوضع التضاد فيما فيه تقع الشبهة. وما تقع فيه الشبهة هو ما منه يكون أيضا التكون. والتكون إنما يكون من المتقابلات. فمن هذه إذاً تدخل الشبه.
فإذ كان الشىء الخير هو خيرا وليس بشر، وكان الأول له بذاته، والثانى بطريق العرض، وذلك أنه إنما عرض له أن يكون ليس بشر، وكان العقد الذاتى فى كل واحد من العانى أحرى بالصدق متى كان حقا، أو بالكذب متى كان باطلا، وكان العقد فى خير ما أنه ليس بخير عقداً باطلا لأمر ذاتى، والعقد فيه أنه شر عقدا باطلا لأمر عرضى — فقد يجب من ذلك أن يكون اعتقاد السلب فى الخير أحرى بالكذب من اعتقاد ضده؛ والذى هو أحرى بالكذب فى كل واحد من المعانى هو المعتقد لضده، وذلك أن الضدين هما المختلفان غاية الاختلاف فى المعنى الواحد بعينه. فإذ كان الضد هو أحد هذين، وكان النقيض أشد مضادة، فمن البين أن هذا هو الضد. فأما الاعتقاد فى الخير أنه شر، فإنه اعتقاد مقرون بغيره، لأن المعتقد لذلك فهو لا محالة خليق أن يخطر بباله أيضا فيه أنه ليس بخير.
وأيضا فإن كان واجباً فى غير ما ذكرنا أن يجرى الأمر على هذا المثال، فقد يرى أن ما قيل فى ذلك صواب، وذلك أنه قد يجب إما أن يكون اعتقاد النقيض هو الضد فى كل موضع؛ وإما ألا يكون فى موضع من المواضع ضدا. والأشياء التى ليس يوجد فيها الضد أصلا، فإن الكذب فيها إنما هو العقد المعاند للحق، ومثال ذلك من ظن بإنسان أنه ليس بإنسان فقد ظن ظنا كاذبا. فإن كان هذان الاعتقادان هما الضدين، فسائر الاعتقادات إنما الضد فيها هو اعتقاد النقيض.
وأيضا فإن العقد فيما هو خير أنه خير، والعقد فيما ليس بخير أنه ليس بخير يجريان على مثال واحد. ومع ذلك أيضا العقد فيما هو خير أنه ليس بخير، والعقد فيما ليس بخير أنه خير، والعقد فيما ليس بخير أنه ليس بخير، وهو عقد حق، أى عقد، ليت شعرى، هو ضده! فإنه ليس يجوز أن يقال إن ضده اعتقاد أنه شر. وذلك أنه قد يمكن فى حال من الأحوال أن يصدقا معا من قبل أن من الأشياء ما ليس بخير وهو شر، فيلزم فى ذلك الشىء أن يكونا صادقين معا؛ ولا ضده أنه ليس بشر، فإن هذا أيضا صدق. فقد بقى إذاً أن يكون ضد العقد فيما ليس بخير أنه ليس بخير العقد فيما ليس بخير أنه خير. وذلك أن هذا باطل. فيجب من ذلك أن يكون ضد العقد فيما هو خير أنه العقد فيما هو خير أنه ليس بخير.
ومن البين أنه لا فرق فى ذلك، وإن جعلنا الإيجاب كليا؛ وذلك أن الضد يكون حينئذ السلب الكلى. ومثال ذلك أن ضد العقد: أن كل ما هو خير فهو خير — العقد أنه ولا واحد من الخيرات خير. وذلك أن العقد فى الخير أنه خير — الذى يعقد الخير على المعنى الكلى هو العقد بعينه فى أى خير كان أنه خير، ولا فرق بين هذا وبين العقد أن كل ما كان خيرا فهو خير. وعلى هذا المثال يجرى الأمر أيضا فيما ليس بخير.
فإذ كان الأمر فى الاعتقاد يجرى هذا المجرى، وكان الإيجاب والسلب فى اللفظ دلائل ما فى النفس، فمن البين أن ضد الإيجاب أيضا إنما هو السلب لذلك المعنى بعينه على الحكم الكلى. ومثال ذلك، أن ضد قولنا: «كل خير فهو خير» أو قولنا: «كل إنسان فخير» قولنا: «ولا خير واحد»، أو قولنا: «ولا إنسان واحد». فأما نقيضه 〈فهو〉 قولنا: «ليس كل خير» أو «ليس كل إنسان» 〈خيرا〉.
ومن البين أنه ليس يمكن أن يكون حق ضد الحق: لا رأى لرأى؛ ولا نقيض لنقيض؛ فإن وجود التضاد إنما هو فى الأشياء المتقابلة. غير أنه قد يمكن فى هذه أن يصدق المتقابلان فى الواحد بعينه. فأما الضدان فليس يمكن أن يوجدا معا فى شىء واحد بعينه.
[تم كتاب أرسطوطاليس «پارى أرمينيس» أى «فى العبارة». نقل إسحق بن حنين. نقل من نسخة بخط الحسن بن سوار، نسخها من من نسخة يحيى بن عدى التى قابل بها دستور إسحق وبخطه. قوبل به نسخة كتبت من خط عيسى بن إسحق بن زرعة، نسخها من خط يحيى بن عدى المنقول من دستور الأصل الذى بخط إسحق بن حنين، فكان موافقا].