Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: De Interpretatione (On Interpretation)

〈تقابل المستقبلات الممكنة〉

ونقول إن المعانى الموجودة الآن أو التى قد كانت فيما مضى فواجب ضرورةً أن يكون الإيجاب أو السلب فيها إما صادقاً وإما كاذباً. أما فى الكلية على معنى كلى فأحدهما أبداً صادق، والآخر كاذب. وكذلك فى الأشخاص على ما قلنا. وأما الكلية التى لا تقال على معنى كلى فليس ذلك واجباً فيها. وقد قلنا فى هذه أيضا.

فأما المعانى الجزئية المستقبلة فليس يجرى الأمر فيها على هذا المثال. وذلك أنه إن كان كل إيجاب أو سلب إما صادقا وإما كاذبا، فواجب فى كل شىء أن يكون موجودا أو غير موجود. فإن قال قائل فى شىء من الأشياء إنه سيكون، وقال آخر فيه بعينه: لا، فمن البين أنه يجب ضرورةً أن يصدق أحدهما إن كان كل إيجاب فصادق أو كاذب؛ وذلك أنه لا يمكن أن يكون الأمران جميعاً فى ذلك وما أشبهه: فإن قولنا فى شىء إنه أبيض أو غير أبيض إن 〈كان〉 صادقا فواجب ضرورةً أن يكون هو أبيض أو غير أبيض. وإن كان الشىء إما أبيض وإما غير أبيض فقد كان إيجابنا أو سلبنا فيه صدقاً؛ وإن لم يكن فكذباً. وإن كان كذبا فليس هو؛ فواجب إذاً ضرورةً أن يكون الإيجاب أو السلب إما صادقا وإما كاذبا.

فليس شىء من الأشياء إذاً مما يتكون أو مما هو موجود يكون بالاتفاق أو بأحد الأمرين اللذين لا يخلو شئ منهما أيهما كان؛ ولا شىء من الأشياء مزمع بأن يكون أو لا يكون على هذه الجهة، بل الأمور كلها ضرورية. وليس يكون شىء منها على أى الأمرين اتفق، وذلك أن الموجب يصدق فيها أو السالب. ولو لم تكن كذلك لكان كونها وغير كونها على مثال واحد. وذلك أن الشىء الذى يقال فيه إنه يكون على أى الأمرين اتفق، فليس هو بأحد الأمرين أولى منه بالآخر، ولا يصير كذلك.

وأيضا إن كان شىء من الأشياء أبيض فى الوقت الحاضر، فقد كان القول فيه من قبل بأنه «سيصير أبيض» صادقا، فيجب أن يكون القول فى شىء من الأشياء مما يتكون — أيها كان — بأنه سيكون قد كان دائما صادقا. وإن كان القول فى شىء بأنه فى هذا الوقت أو سيكون فيما بعد كان دابما حقا، فليس يمكن أن يكون هذا غير موجود ولا يصير موجودا. وما كان لا يمكن ألا يصير موجودا فمن المحال ألا يصير موجودا.والشىء الذى من المحال ألا يصير موجوداً فواجب ضرورةً أن يكون. فجميع الأشياء إذاً المزمعة بالوجود فواجب ضروة أن تكون. فليس يكون إذاً شىء من الأشياء على أى الأمرين اتفق ولا بالاتفاق، وذلك أنه إن كان شىء بالاتفاق فليس كونه واجبا ضرورة.

وأيضا فليس يجوز أن يقال إنه ليس ولا واحد من القولين حقا؛ كأنك قلت: القول بأن الشىء سيكون، والقول بأن الشىء ليس يكون — أما أولاً فلأنه يلزم من ذلك أن يكون الإيجاب — وهو كذب — سلبه غير صادق، والسلب — وهو كذب — إيجابه غير صادق. ثم مع ذلك فإنه إن كان القول فى الشىء بأنه أبيض وبأنه أسود صادقاً، فيجب أن يكون الشىء الأمرين جميعا. وإن كان القول فيه بأنه يصير كذلك فى غد صادقا، فواجب أن يصير كذلك فى غد. وإن كان القول فيه بأنه لا يصير كذلك وليس لا يصير كذلك فى غد حقا فليس هو على أى الأمرين اتفق. ومثال ذلك الحرب: فإنه يجب لا أن تكون حربا ولا ألا تكون.

فهذا ما يلزم من الأمور الشنعة وغيره مما أشبهه إن كان كل إيجاب وسلب — إما مما يقال كلياً على معنى كلى، وإما مما يقال جزئيا — فواجب ضرورةً أن يكون فيه أحد المتقابلين صادقاً والآخر كاذباً، ولم يكن فيما يحدث ما يكون حدوثه على أى الأمرين اتفق، بل الأشياء جميعا وجودها وكونها واجب ضرورةً. وعلى هذا القياس فليست بنا حاجة إلى أن نروى فى شىء ولا أن نستعد له أو نأخذ أهبةً، كأنا إن فعلنا ما يجب كان ما يجب؛ وإن لم نفعل ما يجب لم يكن ما يجب. فإنه ليس مانع يمنع من أن يقول قائل فى شىء من الأشياء إنه يكون إلى عشرة ألف سنة مثلا، ويقول آخر إنه لا يكون، فيصح لا محالة أحد الأمرين اللذين كان القول حينئذ بأنه يكون صادقا. وأيضا فلا فرق فى هذا المعنى بين أن يقال المناقضة وبين ألا يقال، وذلك أنه من البين أن الأمور تجرى مجاريها وإن لم يوجب موجب شيئا منها ولم يسلبه آخر. وذلك أن الشىء ليس إنما يكون أو لا يكون، من قبل أنه قد أوجب أو قد سلب، ولا حكمه بعد عشرة ألف سنة غير حكمه بعد زمان آخركم كان مقداره. فإن كانت حاله فى الزمان كله حالا يصدق فيه معها أحد القولين دون الآخر فواجب ضرورةً أن يكون ذلك الصدق حتى يكون كل واحد من الأشياء التى تكون حاله أبداً حال ما يكون ضرورةً. وذلك أن ما كان القول فيه بأنه سيكون صادقا فى وقت من الأوقات فليس يمكن ألا يكون؛ وما يكون فقد كان القول فيه بأنه سيكون صادقاً أبداً.

فإذ كانت هذه الأشياء محالاً. (لأنا قد نرى أمورا يحدث مبدؤها من الروية فيها وأخذ الأهبة لها، وقد نجد بالجملة فى الأشياء التى ليست مما يفعل دائما الإمكان لفعل شىء وترك فعله على مثال واحد حتى يكون فيها الأمران جميعا ممكنين، أعنى أن يكون الشىء وألا يكون. وها هنا أشياء كثيرة بين من أمرها أنها بهذه الحال. ومثال ذلك أن هذا الثوب قد يمكن أن يتمزق فلا يتمزق، بل يسبقه إليه البلى، وعلى ذلك المثال قد يمكن ألا يتمزق، فإنه لم يكن البلى ليسبق التمزيق إليه لو لم يكن إلا يتمزق. وكذلك يجرى الأمر فى سائر ما يتكون مما يقال على هذا الضرب من القوة)، فظاهر إذاً أنه ليس جميع الأشياء فوجودها أو كونها ضرورة، بل بعض الأشياء يجرى على أى الأمرين اتفق، وليس الإيجاب بأحرى من السلب بالصدق فيها؛ وبعضها أحد الأمرين دون الآخر أحرى فيها وأكثر، إلا أنه قد يمكن أن يكون الأمر الآخر ولا يكون ذلك.

فنقول الآن إن الوجود للشىء إذا كان موجوداً ضرورى؛ وإذا لم يكن موجودا فنفى الوجود عنه ضرورى. وليس كل موجود فوجوده ضرورى، ولا كل ما ليس بموجود فعدم الوجود له ضرورى. وذلك أنه ليس قولنا إن وجود كل موجود فهو ضرورةً إذا وجد، هو القول بأن وجوده ضرورةً الإطلاق. وكذلك أيضا ما ليس بموجود. وهذا بعينه قولنا فى المناقضة أيضا. وذلك أن كل شىء فوجوده الآن أو غير وجوده واجب ضرورةً؛ ووجوده فيما يستقبل أو غير وجوده واجب ضرورةً. غير أنا إذا فصلنا فقلنا: أحد الأمرين لم يكن واجبا ضرورة، ومثال ذلك أن قولنا إن الحرب ستكون غدا أو لا تكون، واجب ضرورةً. فأما قولنا إن الحرب ستكون غدا، فليس بواجب ضرورةً. ولا قولنا إنها لا تكون غداً بواجب ضرورةً. لكن الواجب ضرورةً إنما هو أن يكون أو لا يكون. فيجب من ذلك إذ كانت الأقاويل الصادقة إنما تجرى على حسب ما عليه الأمور، فمن البين أن ما كان منها يجرى على أى الأمرين اتفق وتحتمل الضدين فواجب ضرورةً أن تكون المناقضة أيضا تجرى فيه ذلك المجرى. وهذا شىء يلزم فيما ليس وجوده دائما أو فيما ليس فقده دائما. فإن ما جرى هذا المجرى فواجب ضرورةً أن يكون أحد جزئى النقيض فيه صادقا أو كاذبا. غير أنه ليس هو أو أحد المشار إليه بعينه، بل أيهما اتفق. وربما كان أحد المتناقضين أحرى بالصدق، إلا أنه ليس ذلك بموجب أن يكون صادقا أو كاذبا. فقد بان بذلك أنه ليس كل إيجاب وسلب متقابلين فأحدهما صادق ضرورة والآخر كاذب ضرورة. وذلك أنه ليس مجرى الأمر فيما ليس بموجود إلا أنه ممكن أن يكون وألا يكون مجراه فيما هو موجود، بل الأمر يجرى فيه على ما وصفنا.