Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: De Interpretatione (On Interpretation)

〈التقابل فى القضايا ذوات الموضوعات المحصلة وغير المحصلة〉

ولما كان الإيجاب دليلا على أن شيئاً يقال على شىء، وهذا الشىء هو اسم أو ما لا اسم له، وكان يجب أن يكون ما يقال فى الإيجاب واحداً على واحد، وكنا قد وصفنا الاسم وما لا اسم له فيما تقدم، فقلنا إنا لا نسمى قولنا «لا إنسان» اسما، بل نسميه غير محصل، لأن الاسم غير المحصل أيضا إنما يدل من وجه على شىء واحد؛ وكذلك أيضا قولنا «لا صح» ليس بكلمة بل كلمة غير محصلة. فواجب أن يكون كل إيجاب أو سلب مؤلفا إما من اسم غير محصل أو كلمة غير محصلة.

وليس يكون إيجاب ولا سلب خلواً من كلمة؛ فإن قولنا «كان» أو «يكون» أو «سيكون» أو «يصير» أو غير ذلك مما أشبهه إنما هو مما قد وضع كلمة، وذلك أنه يدل، مع ما يدل عليه، على زمان.

فيكون على هذا القياس الإيجاب والسلب الأول قولنا «الإنسان يوجد»، «الإنسان لا يوجد»، ثم بعده «لا إنسان يوجد»، «لا إنسان لا يوجد»؛ وأيضا: «كل إنسان يوجد»، «ليس يوجد كل إنسان»، «كل لا إنسان يوجد»، «ليس يوجد كل لا إنسان». وهذا بعينه قولنا فى الأزمان التى حول الزمان الحاضر.

فأما إذا كانت الكلمة الدالة على الوجود ثالثا محمولا إلى ما يحمل، فإن التناقض حينئذ يقال على ضدين. ومثال ذلك قولنا: «يوجد إنسان عدلا»، فقولنا «يوجد» شىء ثالث مقرون بها فى هذا الإيجاب: إما اسم وإما كلمة، فيحصل من قبل ذلك أربعة: اثنان منها يكون حالهما فى المنزلة عند الإيجاب والسلب كحال العدميتين عندهما؛ والاثنان 〈الآخران〉 ليسا كذلك. وأعنى بقولى هذا أن قولنا «يوجد» إما أن يقرن ويضاف إلى قولنا «عدل» أو إلى قولنا «لا عدل»، وكذلك السلب أيضا، فيصير أربعة.

وأنت قادر على فهم ما نقوله من رسمنا هذا:

〈١〉

〈ا〉 〈ٮ〉

يوجد إنسان عدلا سلب هذا القول: ليس يوجد إنسان عدلا

〈حـ〉 〈ء〉

يوجد إنسان لا عدلا سلب هذا القول: ليس يوجد إنسان لا عدلا

فإن قولنا فى هذا الموضوع «يوجد» و«لا يوجد» قد أضيف إلى قولنا «عدل» و«لا عدل». فهذه الأقاويل نسقت فى هذا الموضع على ما تقال عليه فى كتبنا «فى التحليل بالقياس».

وعلى ذلك المثال يجرى الأمر إن كان الإيجاب لاسم كلى. ومثال ذلك:

〈٢〉

〈ا〉 〈ٮ〉

كل إنسان يوجد عدلا سلب هذا القول: ليس كل إنسان يوجد عدلا

〈حـ〉 〈ء〉

كل إنسان يوجد لا عدلا ليس كل إنسان يوجد لا عدلا

غير أنه ليس على ذلك المثال يمكن أن تصدق معاً المقدمات التى على القطر؛ وإن كان قد يمكن أن تصدق المتقاطرتان فى حال من الأحوال.

فهاتان اثنتان متقابلتان. وها هنا اثنتان أخريان تحدثان من قولنا «لا إنسان» إذا جعلناه كالشىء الموضوع، فنقول:

〈٣〉

〈اً〉 〈ٮً〉

يوجد لا إنسان عدلا ليس يوجد لا إنسان عدلا

〈حًـ〉 〈ءً〉

يوجد لا إنسان لا عدلا ليس يوجد لا إنسان لا عدلا

وليس ها هنا مناقضات أكثر من هذه. وهاتان المتقابلتان هما مفردتان بأنفسهما غير ما قيل من قبل، لأن الذى استعمل فيها اسم غير محصل وهو قولنا «لا إنسان».

وما كان منها لا يصح فيه كلمة الوجود مثل ما وقع فيه منها «يصح» أو «يمشى» فإن هذا الصنف من الكلم يفعل فيها إذا وضع هذا الوضع ذلك الفعل بعينه الذى كان يفعله حرف «يوجد» أو ما أشبهه لو قرن بها. ومثال ذلك: «كل إنسان يمشى»، «ليس كل إنسان يمشى»، «كل لا إنسان يمشى»، «ليس كل لا إنسان يمشى». فإنه ليس يجوز أن يقال «ليس كل إنسان» بل إنما ينبغى أن يوضع حرف السلب وهو قولنا «لا» على قولنا «إنسان»؛ فإن قولنا «كل» ليس يدل على أن المعنى كلى، بل على أن الحكم كلى. وقد تبين ذلك من قولنا «الإنسان يمشى»، «الإنسان ليس يمشى»، «لا إنسان يمشى»، «لا إنسان ليس يمشى»، فإن الفرق بين هذه وبين تلك أن هذه ليس الحكم فيها كليا. فقد بان من ذلك أن قولنا «كل» أو قولنا «ولا واحد» ليس يزيدان على أن يدلا أن الإيجاب والسلب للاسم كله؛ فأما الباقى فيجب أن تكون الزيادة فيه واحدةً بعينها.

ولما كان السلب الدال على أنه «ولا حيوان واحدا يوجد عدلا» ضد الذى يقال به إن «كل حيوان يوجد عدلا» فمن البين أن هذين لا يكونان فى حال من الأحوال لا صادقين معا ولا على أمر واحد بعينه. فأما المقابلان لهما فقد يكونان فى حال من الأحوال، ومثال ذلك: «ليس كل حيوان يوجد عدلا» و«قد يوجد حيوان ما عدلا».

فأما التى تلزم وتتبع فهى هذه: أما قولنا: «كل إنسان يوجد عدلا»، فإنه يلزمه قولنا: «ولا إنسان واحدا يوجد عدلا»؛ وأما قولنا: «قد يوجد إنسان ما عدلا»، فإنه يلزمه المقابل له وهو قولنا: «ليس كل إنسان يوجد لا عدلا»؛ وذلك أنه يجب ضرورةً أن يوجد واحد.

ومن البين أيضا أنا فى الأشخاص إذا كنا صادقين فى الجواب عن المسئلة بالإيجاب بالسلب، 〈صدقت قضية موجبة كذلك〉. ومثال ذلك جوابنا فى المسئلة عن سقراط: «هل هو عدل؟» بأن نقول: «لا»، فإنا نقول: «فسقراط إذاً لا عدل». وأما فى الحكم الكلى فليس ما يقال فيه على هذا المثال حقا؛ وإنما الصادق فيه السلب. ومثال ذلك: «أكل إنسان حكيم؟» «لا»، «فكل إنسان إذاً لا حكيم»، فإن هذا القول كذب؛ والقول الصادق إنما هو: «فليس كل إنسان إذاً حكيما». وهذا القول هو القابل لذلك القول؛ فأما ذلك فإنه مضاد له.

فأما المتقابلة من قبل الأسماء والكلم غير المحصلة — ومثال ذلك فى قولنا «لا إنسان» أو «لا عدل» فإنه يظن بها أنها بمنزلة السلب من غير اسم أو من غير كلمة، وليست كذلك، وذلك أنه واجب ضرورةً فى السلب أن يصدق أو يكذب. ومن قال «لا إنسان» فليس هو أحرى بأن يكون قد صدق أو قد كذب ممن قال «إنسان» — ما لم يضف إلى قوله شيئا، بل هو دونه فى ذلك.

وقولنا إن «كل لا إنسان يوجد عدلا» ليس يدل على مثل ما تدل عليه واحدة من تلك، ولا المقابل لهذا القول وهو قولنا: «ليس كل لا إنسان يوجد عدلا». فأما قولنا «كل لا إنسان يوجد لا عدلا» «فإنه يدل على مثل ما يدل عليه قولنا: «ليس يوجد شىء لا إنسان عدلا».

والأسماء والكلم إذا بدلت أماكنها فدلالتها تبقى بحال واحدة بعينها. ومثال ذلك: «يوجد إنسان عدلا»، «يوجد عدلا إنسان». فإن الأمر إن لم يكن كذلك وجب أن يكون لمعنى واحد بعينه سوالب أكثر من واحدة. غير أنا قد بينا أن الإيجاب الواحد إنما له سلب واحد، وذلك أن سلب قولنا: «يوجد إنسان عدلا» هو قولنا «ليس يوجد إنسان عدلا». فأما سلب قولنا «يوجد عدلا إنسان» إن لم يكن هذا القول وقولنا «يوجد إنسان عدلا» واحداً بعينه فهو: إما قولنا «لا يوجد عدلا لا إنسان»، وإما قولنا «لا يوجد عدلا إنسان»، لكن الأول منهما هو سلب قولنا «يوجد عدلا لا إنسان»، والثانى سلب قولنا «يوجد إنسان عدلا» — فيكون قد صار لإيجاب واحد سلبان. فقد بان أن الأسماء والكلم إذا بدلت أماكنها كان الإيجاب والسلب واحداً بعينه.