Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Hippocrates: De Natura Hominis (Nature of Man)

والذى يكثر فى البدن فى الشتاء البلغم لأن طبيعة هذا الخلط أشبه بطبيعة الشتاء من جميع ما فى البدن وذلك أنه بارد جدا وتقدر أن تعلم أن البلغم بارد جدا بأن تلمس البلغم والمرة والدم فانك اذا فعلت ذلك وجدت البلغم باردا جدا هذا على أنه شديد اللزوجة جدا وخروجة من البدن فى أكثر الأمر بعد المرة السوداء يكون فسرا وكلما كان خروجه من البدن باستكراه كان أسخن الا أنه مع هذا قد يوجد باردا فى طبيعته والدليل على أن الشتاء يملأ البدن بلغما أن الناس فى هذا الوقت ينفثون ويستنثرون أشياء بلغمية ولون الأورام فى هذا الوقت خاصة يكون اللون الأبيض وسائر الأمراض العارضة فيه تحدث من البلغم وأما فى الربيع فيلبث أيضا البلغم فى البدن قويا ويكثر فيه الدم وذلك أن البرد يسكن والأمطار تتواتر وكثرة الدم تكون عن الأمطار وحر النهار فان هذين جميعا له بالطبع من السنة وذلك أن الدم فى طبيعته حار رطب والدليل على ذلك أن الناس فى الربيع والصيف يعرض لهم خاصة اختلاف الدم والرعاف وأبدانهم تكون شديدة الحرارة والحمرة وأما فى الصيف فيقوى فيه الدم ويكثر فى البدن المرار ويمتد ذلك الى الخريف فاذا كان فى وقت الخريف قل الدم وذلك أن مزاج الخريف مضاد لمزاج الدم بالطبع وأما المرار فيغلب فى البدن فى الصيف وفى الخريف والدليل على ذلك أن الناس فى هذا الوقت ينفثون المرار من تلقاء أنفسهم واذا شربوا أيضا أدوية استفرغتهم الأشياء التى المرار غالب عليها وقد تبين أيضا ذلك من الحميات ومن ألوان الناس وأما البلغم فيوجد فى الصيف فى غاية الضعف وذلك أن طبيعة هذا الوقت مضادة لطبيعة البلغم لأنها حارة يابسة وأما الخريف فيقل الدم فيه فى بدن الانسان وذلك أن الخريف يابس وفيه يبتدئ بدن الانسان يبرد وأما المرة السوداء ڡتكثر فى الخريف وتقوى فى الغاية واذا دخل الشتاء بردت المرة وقلت وتزيد البلغم بسبب كثرة الأمطار وطول الليل فكل هذه توجد فى بدن الانسان فى جميع الأوقات وأما بحسب انقلاب أوقات السنة بعضها الى بعض فربما كانت أكثر وربما كانت أقل كل واحد منها بحسب الجزء وبحسب الطبيعة وكما أن السنة يشترك فيها الكل بالكل فى الحار وفى البارد وفى اليابس وفى الرطب وذلك أنه لا يمكن أن يبقى شىء من الأشياء طرفة عين من غير جميع ما فى العالم لكن ان نفد منه شىء واحد بطل الكل لأن حدوث جميع الأشياء يكون عن أمر واحد ضرورى وكل ما فى العالم يمد بعضه بعضا كذلك أيضا بدن الانسان ان نفد منه شىء من الأشياء التى حدثت مع حدوثه لم يمكن أن يبقى حيا وأما السنة فيقوى فيها فى بعض الأوقات الشتاء خاصة وفى بعضها الربيع وفى بعضها الصيف وفى بعضها الخريف وكذلك أيضا بدن الانسان يقوى فيه فى بعض الأوقات البلغم وفى بعضها المرار أما أولا فالأصفر ثم من بعده الذى يسمى الأسود والدليل على ما قلت أنك ان سقيت انسانا واحدا بعينه دواء واحد بعينه أربع مرار فى السنة وجدته يتقيأ فى الشتاء أشياء بلغمية وفى الربيع أشياء رقيقة وفى الصيف أشياء من جنس المرار وفى الخريف أشياء الغالب فيها المرة والسوداء