Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Hippocrates: De Natura Pueri (Nature of the Child)

قال أبقراط إنّ المنى المولد الذي يمكث في الرحم هو من الرجل والمرأة جميعاً يختلطان أوّل ما يقعان في الرحم لأنّ طبيعة المرأة ضعيفة فيجتمع المنى فيغلظ لأنّه يسخن في الرحم.

إنّ المنى الذي من الذكر يختلط بمنى المرأة بالحركة ولا تسكن حركتهما حتّى يتمّ الجنين فيحيا.

ولأنّ الرحم حارّة متنفّسة فإذا كثر الروح في المنى جعل اللّه له طريقاً في وسط المنى والروح وخرج في الأوردة التي تجري إلى الرحم كما تجري إلى البطن وإلى جميع أعضاء الجسد. كذلك الريح تزيد في الروح الحيّ الذي في المنى وتنبهه وقد يكون هذا في الأجساد التامّة أيضاً بالاستنشاء الذي تستنشي لأنّها إذا استنشت ازداد الروح الذي فيها قوّة.

فإذا جعل الروح الحارّ طريقاً في المنى إلى خارج جذب من ساعته برودة من الرحم وهذا فعله كلّ حين.

إنّ الروح في الرحم يسخن ولأنّه يسخن جعل له هواء بارداً يدخل إليه من استنشاء المرأة ليبرده.

إنّ كلّ شيء يسخن هو يمسك الروح.

إنّ كلّ ما يسخن هو يقني الروح وكذلك المنى أيضاً إذا سخن في الرحم اصطنع روحاً لأنّ الروح إنّما يكون من الحرارة كما أنّ جميع الأشياء الحارّة إذا اشتدّت حرارتها وغلبت تحلّلت بحرارتها وصارت هواء وذلك كما نرى من الماء الحارّ الذي يطبخ مع أشياء كثيرة أيضاً وذلك لأنّ الحرارة هي تجذب الهواء فأمّا في المنى فلم يقل إنّه يتحلّل بالحرارة ولكنّه يغلظ وإنّما يجذب إليه الحرارة الهواء والروح.

إنّ الحطب الرطب إذا استوقد خرج منه الروح يعني رطوبته ظاهره وترى من حيث تخرج من الشقوق التي تكون في الحطب ويدلّنا أنّه ليس يكون ذلك إلّا بالهواء أن من بعد ما تخرج تلك تجذب هواء آخر من الهواء فتشتعل النار من اجتذاب الهواء الذي يجتذب إلى الحطب لأنّ الحطب كلّه إذا استوقد يجذب الهواء كما وصفنا وبخاصّة ما كان فيه رطباً لأنّه نرى الهواء الذي يخرج منه في الشقوق الذي ينشقّ فيه فإذا خرج تردّد وأحاط بالشقوق.

إنّي إنّما أقول البرودة المعتدلة فليس البرودة الشديدة التي تشبه الجليد والثلج والتي تشبه الريح لأنّ كلامنا إنّما هو في الهواء.

فإذا سخنت الرطوبة التي في الحطب ولطفت كما قلنا فوق جذبت إليها برودة أخرى من خارج لتغتذي بها.

إنّ العلامة التي تخرج وتجذب من الهواء الخارج هي النفس ورطوبة الحطب إنّما هي تفعل هذا الفعل إذا استوقد الحطب لأنّ الهواء يشقّق الحطب بالحرارة ويخرج البخار من الحطب فإذا خرج البخار سمع صوته مثل ما يسمع صوت النفس إذا خرجت.

وكذلك جميع الأيشياء الرطبة إذا وضعت على النار فأصابتها حرارة يسمع صوت الهواء كيف يخرج منها مثل الحنطة والحبوب والبلوط وما يشبهها وإذا خرج منه الريح والرطوبة اتّسع الشقّ الذي تخرج منه.

إنّي قائل بموجز وتارك التطويل فقائل إنّ كلّ شيء حارّ هو يدفع الهواء الحارّ الذي فيه ويدخل بدله هواء آخر بارداً لتغتذي منه وإنّما قلت هذه القياسات كلّها لأبيّن أنّ المنى إذا سخن في الرحم يجتذب الهواء ويغتذي منه ثمّ إنّه يدفعه أيضاً ويخرجه بلا محالة. إنّي قد قلت أنّ المنى يسخن في الرحم فإذا سخن جذب إليه من الهواء ما يغتذي منه فإذا اغتذا منه دفعه عنه ومع هذا أيضاً إذا تنفّست الرحم تنفّس المنى أيضاً وإذا جذبت الرحم إليها البرودة من الهواء بردت حرارة المنى كما ينبغي.

فنقول إنّه من بعد ما اختلط مع الرطوبة فلذلك يصير منه حجاب ولأنّه أيضاً محبوس ممسيك مثل ما يكون على الخبز إذا مع نضج فإنّه يكون عليه خارجاً شيء رقيق شبيه بالحجاب وذلك لأنّه يسخن وتكثر فيه الحرارة وينتفخ منها ويرتفع وما يرتفع منه هو الحجاب.

أمّا المنى فإنّه يسخن وينتفخ حتّى يمتدّ فوقه حجاب ويحيط به جميعاً ويكون في وسط المنى للروح طريق إلى داخل وإلا خارج وهذه الريح هي تبعد رقاق الحجب عن المنى وأمّا سائر المنى فإنّه في الحجاب مستدير.