Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Hippocrates: De Natura Pueri (Nature of the Child)

أمّا المرأة إذا حضر الولاد فإنّ الجنين يتحرّك ويضرب بيديه ورجليه ضرباً شديداً حتّى يشقّ الحجاب الداخل الذي هو فيه فإذا انشقّ الحجاب الأوّل انشقّت الحجب الأخر معه لأنّها ضعيفة وإنّما ينشقّ الحجاب القريب منه أوّلاً ثمّ ينشقّ الحجب الأخر الخارجة بعد ذلك وإذا انشقّت الحجب انحلّت رباطات الجنين وخرج إلى خارج لأنّ الحجب لا تقوى على أن تمسكه ولا تقوى الرحم أيضاً على حبسه لأنّ الحجب قد انقشّت وخرجت من الرحم أيضاً مع الجنين بقوّته.

إن خرج الجنين خروجاً شديداً عسراً فإنّ الرحم تتحرّك وتتزعزع من مكانها لأنّها ليّنة.

إذا خرج الجنين فإنّما يخرج رأسه أوّلاً إن كان يخرج خروجاً طبيعيّاً.

وتميل آلات الرحم كلّها إلى أسفل وإنّما يخرج رأسه أوّلاً لأنّ الأعضاء التي فوق السرّة تثقل حتّى تتنكّس إلى أسفل وذلك لأنّ رأسه أثقل من جميع أعضائه والجنين إنّما نمسكه الحجب.

فإن عرض له وجع قبل ولاده فانقشّت الحجب سقط وخرج وهو ناقص وإن نقص الغذاء الذي يأتيه من أمّه قبل وقت ولاده سقط أيضاً ناقصاً فأمّا الوقت التامّ فهو الشهر التاسع ولكن ربّما احتبس وخرج في العاشر وقد يرى أيضاً بعض الناس رأياً آخر فيقولون إنّه ربّما خرج من بعد عشرة أشهر ولكنّهم عيروا عند هذا القول الذي أريد أن أقول.

إنّ بعض الناس إنّما يرون رأياً آخر ويقولون إنّه ربّما مكث الجنين في الرحم أحد عشر شهراً وقد كذب رأيهم وأخطأ لأنّه ليس يمكث الجنين في الرحم أحد عشر شهراً.

ولكن إنّما يظنّون ذلك لأنّه ربّما نزلت الريح من البطن إلى الرحم في وقت الجماع وتنفخها وإذا نزلت تلك الريح ظنّت المرأة أنّها حبلى وأصابها مغص وربّما منعت الطمث من النزول فيترذّد ذلك الدم ويؤذي الرحم أيّاماً كثيرة وربّما أيضاً كان مع الريح حرارة فتظنّ المرأة أنّها حبلى لأنّ رحمها تكون ساكنة ولا ينزل طمثها وربّما نزل الطمث وانفجر من قبل نفسه أو من قبل شيء ينزل من الجسد إلى الرحم والأوّل يخرج بالطمث ويكون ذلك من رداءة الجماع وتظنّ المرأة أنّها حبلى.

إنّ الذين ليس لهم حذق بهذه الأفعال يحسبون أنّ وقت الحبل الأوان الذي ينقطع فيه الطمث عن الرحم.

إذا لم يكتفي الجنين بالقوت والتربية من الرحم من بعد عشرة أشهر وربا الجنين جذب إليه من الدم الحلو ومن اللبن أيضاً قليلاً.

إنّ الغذاء الذي يأتي الرحم للجنين إنّما يأتيه من الرحم ومنه تكون تربيته وليس يكتفي بذلك في مثل هذا الوقت لأنّه قد كان كمل حتّى يجذب من اللبن أيضاً قليلاً.

فأمّا الثديان فإنّهما من حجب تمكن وتقدر على الإمساك.

فإذا كان هذا الغذاء قليلاً وقوي الجنين طلب من الغذاء أكثر ممّا كان يأتيه وارتكض وطلب اللبن فشقّ الحجب وفتح الرحم وأمّا البكر من الأولاد فإنّه يتوجّه بهذه الصفة لأنّ الغذاء ينقص فلا يكتفي به فيخرج قبل وفاء عشرة أشهر.

الأطفال إذا كلموا احتاجوا من الغذاء إلى فضل قليل ممّا كانوا يحتاجون إليه فإذا كان ذلك لم يجذبوا الدم فقط بل قد يجذبون اللبن أيضاً فإذا ارتكض للجذب هاج من ذلك وجع لامتداد الجنين ويحتمل الوجع بشبه ذلك أيضاً ويرتكض بقوّة وقلّة الاعتدال.

إنّ من النساء من لها من الطمث ما يكتفي به في التنقية ومنهنّ من لا تنقّى كذلك وكثير منهنّ ربّما صرن بلا لبن.

فأمّا النساء القليلات الطمث فإنّ أجسادهنّ تكون يابسة منقبضة وإنّ اللواتي يكنّ قليلات الطمث يبقين بلا لبن.

وأمّا كثرة المادّة واندفاق اللبن في الثديين فإنّ ذلك كما ذكرنا فوق. إنّ من كان من النساء يابسة قليلة المادّة فإنّهنّ يكنّ منقبضات المجاري يابسة اضطراراً.

وهذه الصفة تدلّ على نقصان الغذاء وخروج الجنين إلى خارج أو يكون ذلك من عرض يضطرّه إلى ذلك.

وقد نرى مثل ذلك في نوع الطيران. الأومّ إذا حضنت على البيضة سخنت وإذا وصلت السخونة إلى الذي في البيضة اقتنى روحه فاجتذبت البيضة من الهواء شيئاً بارداً لأنّها متّسعة المسامّ كان ذلك كجذب الاستنشاق فأولجته جوفها. يربى بذلك الطير الذي في البيضة ويركّب بالمفاصل وعلى هذه الحال أيضاً يركّب الجنين كما ذكرنا أوّلاً فأمّا الطير فيكون من الصفرة التي في البيضة وأمّا الغذاء والتربية فمن بياضها وقد ذكرنا ذلك آنفاً ووضح لمن يتفرّس في الأشياء برأي أصيل.

فإذا باد الغذاء من البيضة ولم يكن فيها ما يحيا به الفرخ تحرّك بقوّة من جوف البيضة لطلب غذاء يكفيه فينشقّ لذلك الحجب فإذا أحسّت أمّ الفرخ بشدّة حركته كسرت البيضة وهذا كلّه يكون في عشرين يوماً وقد أوضح أنّه على ما ذكرنا لأنّا قد نرى على قشر البيضة التي كان فيها الفرخ من بعد خروجه رطوبة يسيرة وكذلك الجنين أيضاً إذا ربا ثمّ لم تقدر أمّه على أن تغذوه بقدر ما يكفيه فإذا احتاج من الغذاء إلى أكثر ممّا يأتيه وثب وارتكض وشقّق الحجب فصار إلى خارج وهذه الأشياء تكون في عشرة أشهر وكذلك الحيوان لها وقت تلد فيه لا في غيره لأنّه لا محالة أن يكون لكلّ نوع من الحيوان وقت ينقص فيه غذاء الجنين فإذا نقص الغذاء ارتكض الجنين للخروج وما نقص غذاؤه من الأجنّة أسرع الحركة إلى الخروج وما كثر غذاؤه أبطأ ولاده.

وهذا وصف الأشياء التي قلنا من قبل الآن على الحيوان التي لا تنطق.

فإن كانت حركة الجنين قويّة إذا شقّت الحجب ومال رأسه إلى أسفل فإنّ الولاد يكون يسيراً هيناً وإن نزل على جانبه أو مالت رجلاه إلى أسفل بدل رأسه فإنّه يدعو إلى الموت وإنّما يقبل الجنين بهذه الصفة من سعة رحم أمّه ومن قلّة سكونها في أوان المخاض وإن كان الجنين بكراً ونزل بهذه الصفة فإنّ ولادها يكون عسراً جدّاً وكثيراً من الأجنّة أيضاً يخرج كبيراً ولذلك صار النساء يحسسن بشدّة وجع في مثل هذا الولاد وبخاصّة في ظهورهنّ وأوراكهنّ.

فأمّا اللواتي اعتدن الولاد مراراً فإنّهنّ لا يحسسن بالوجع كما يحسّ به الأبكار لأنّ اللواتي ولدن لن يحسسن بالوجع جدّاً فإن أتى الجنين من الرحم على رأسه فواضح أنّ الرأس يخرج أوّلاً فمن بعد ذلك تخرج الأعضاء المؤلّفة معه ثمّ يخرج من بعد ذلك السرّة التي هي معلّقة بالمشيمة ثمّ ينفرغ من بعد ذلك من الرحم ماء دميّ من رأس الجنين ومن سائر أعضائه وذلك من شدّة الوجع والاضطراب والحرارة التي تكون في الرحم وقد ينفرغ أيضاً مع هذا شيء من الطمث ومن بعد خروج المشيمة يخرج الطمث كما قلنا فوق وينفجر الثديان وجميع الأعضاء الرطبة ولا يكثر الانفجار من الأعضاء الرطبة في أولاد الأبكار وكلّما طال بها الزمان ازداد الانفجار الذي ينفجر من العروق ومن استنقاء الرحم.