Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: De Optima Corporis Nostri Constitutione (The Best Constitution of our Bodies)

فنقول إنّا وجدنا الناس عامّة متّفقين في توهّم هذا المعنی الذي سمّيناه «أفضل الهيئات» وليس يسمّونه كلّهم باسم واحد إلّا أنّهم يذهبون من تلك الأسماء المختلفة إلی معنی واحد بعينه. فكلّهم يحمد أفضل الأبدان صحّة وكلّهم يحمد أفضلها بنية والفريقان يقصدان إلی معنی واحد عليه تقع أوهامه إلّا أنّهم لا يفهمونه فهماً شافياً ولا يحسنون أن يعبّروا عنه تعبيراً صحيحاً واضحاً. إلّا أنّهم يقولون إنّه ينبغي أن تكون أفاعيل جميع أعضاء البدن قويّة ولا تقهره الأسباب الممرضة سريعاً وكون الأفاعيل علی المجری الطبيعيّ هو الصحّة وكونها بقوّة حسن البنية وامتناع البدن من سرعة قبول الأمراض مشترك لهما.

فيجب أن يكون حسن البنية هو أفضل الصحّة التي يشتاق إليها جميع الناس. ويتبعه أمران أحدهما صلاح الأفاعيل والآخر بقاؤها وامتناعها من الانتقاض. فلذلك سمّيت هذه الحال حسن البنية لأنّ في اسم «البنية» دليلاً علی الثبات وعسر الانتقاض وحسن البنية أوكد في الدلالة علی هذا المعنی لأنّ حسن البنية يدلّ علی البنية الفاضلة. فيجب من هذا أن يكون إن سمّينا غاية الصحّة «أفضل الهيئات» أو إن سمّينا «أفضل البنية» بهذا الاسم لم نخطئ ولم نحكم عليه من عسر الانتقاض صلاح الأفاعيل.

وإذ قد فرغنا من تحديد هذا فينبغي أن نبحث عن جوهر هذه البنية لنعلم ما هو والشيء الذي منه يكون ابتداء وجودها ثمّ نبحث عن الحال التي إذا كان عليها البدن فعل أفعاله بأفضل الجودة. ونحتاج في هذا المعنی إلی ذكر أشياء قد بيّنّاها في كتب أخر أوّلها أنّ أبداننا من امتزاج الحارّ والبارد والرطب واليابس وقد بيّنّا ذلك في الكتاب الذي وضعناه في الأسطقسّات علی رأي أبقراط. والثاني تحديد أمزجة أعضاء البدن وقد بيّنّا ذلك في كتاب المزاج. والثالث أنّ كلّ واحد من أعضاء البدن الآليّة فيه جزء واحد هو سبب فعله وسائر ما فيه من الأجزاء التي بها تتمّ جملة العضو الآليّ إنّما جعلت لمكان ذلك الجزء الذي هو علّة الفعل وقد بيّنّا ذلك في كتاب منافع الأعضاء.

فأفضل هيئات البدن هي إذا كان كلّ واحد من الأعضاء المتشابهة الأجزاء علی المزاج الذي يصلح له وكان تركيب الأعضاء الآليّة من الأعضاء المتشابهة الأجزاء علی أجود الاعتدال في مقادير العظم والعدد والخلقة والتأليف لبعضها عند بعض. وليس العلم بأنّ هذا البدن يفعل أفعاله كلّها بأفضل الجودة وبأنّه أبعد الأبدان من قبول الألم ممّا يعسر لأنّه لمّا كان الفعل إنّما يكون علی غاية الجودة من قبل اعتدال مزاج الأعضاء المتشابهة الأجزاء واعتدال تركيب الأعضاء الآليّة. وكان هذا البدن الذي ذكرنا بهذه الحال فهو أجود الأبدان أفعالاً ويتبيّن أيضاً أنّه أبعد الأبدان من قبول الألم ممّا أقول.