Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: De Optima Corporis Nostri Constitutione (The Best Constitution of our Bodies)

وهو أنّ الآفات تعرض للبدن إمّا من أسباب من خارج وإمّا من أسباب من داخل أعني من فضول الغذاء. والأسباب التي من خارج هي حرّ الشمس والبرد والرطوبة واليبس التي تلقی البدن بإفراط. والتعب أيضاً والسهر والحزن والغمّ وما شاكل هذه الأشياء من هذا الجنس. وأمّا فضول الغذاء فإنّ الآفة تعرض منها للبدن علی جهتين كلّيّتين لأنّ الفضول تضرّ بالبدن إمّا بكمّيّتها وإمّا بكيفيّتها وأمّا الجهات الجزئيّة التي تعرض بها الآفة من الفضول للبدن فكثيرة مختلفة الأنواع.

فيتبيّن أنّ البدن المعتدل تعسر استحالته من الأسباب التي من خارج من اعتدال مزاجه لأنّ الشيء المعتدل المزاج يعسر خروجه إلی الإفراط لكثرة بعده عن جميع الأطراف. ومن قبل أنّه أيضاً جيّد الفعل فهو بعيد من قبول الألم لأنّه لا يناله الإعياء سريعاً. والكيموس أيضاً الذي يتولّد في هذا البدن أجود منه في جميع الأبدان فلذلك هو أحمل الأبدان للحزن والغضب والسهر والهمّ ولرطوبة الهواء ويبسه وحرّه وبرده. وبالجملة فإنّه أحمل من جميع الأبدان للأسباب الممرضة لأنّ الأبدان التي يتولّد فيها كيموس رديء هي التي تسرع إليها الآفة من هذه الأسباب بظهور ما هو كامن فيها ممّا هي له في أنفسها قريبة من المرض.

فقد يتبيّن أنّ هذه الحال من حالات البدن يوجب له البعد من الاستحالة من الأسباب التي تعرض من خارج. ويتبيّن لك أيضاً أنّه بعيد من أن تناله الأسقام من فضول الغذاء إذا تفكّرت أنّه لا يجتمع في مثل هذا البدن لا امتلاء ولا كيموس رديء سريعاً وإن اجتمع لم يفسده سريعاً لأنّ اعتدال الأفعال الطبيعيّة بعضها عند بعض وفضيلة كلّ واحد منها في نفسه يمنعان من سرعة تولّد الفضول ويعينان علی سرعة نفيها عن البدن إن هي تولّدت. وإن بقيت الفضول أيضاً زماناً طويلاً في هذا البدن كانت غلبتها غلبة أقلّ منها علی سائر الأبدان لأنّ سرعة غلبة الأسباب الممرضة علی الأبدان إنّما تكون لضعفها ورداءة مزاجها وشدّة احتمال البدن لها. ومقاومته إيّاها إنّما تكون لقوّته واعتدال مزاجه والبدن الفاضل هو علی هذه الحال.

وقد بيّنت علامات اعتدال المزاج في كتاب المزاج وبيّنت اعتدال تركيب الأعضاء الآليّة في المقالة السابعة عشر من كتاب منافع الأعضاء وسأذكرها في هذا القول أيضاً فيما بعد. ولأنّا قد بيّنّا في الكلام علی الصحّة أنّ الصحّة ليست شيئاً لا عرض له ولا بسيط ولا غير منقسم ولكنّها شيء ذو عرض كثير. فأری أنّه ينبغي لمن قصد أن ينتفع بكلامه من أراد علاج صناعة الطبّ ألّا نقتصر علی ذكر البدن الذي إنّما يوجد في الندرة وكأنّه مثال يوجد في الفكر بمنزلة قانون فولوقليطس دون أن نذكر أيضاً الأبدان التي قد نقصت عن هذا في شيء ولم يظهر بعد فيها لذلك النقصان كثير مضرّة لأنّا بهذا الوجه نصير إلی أن نعرف البدن الذي هو علی أفضل الهيئات إذا نظرنا إليه وإن كان قليلاً ما يوجد وإلی أن نعرف سائر الأبدان التي هي علی غير هذا البدن إذا نحن رأيناها لأنّ البدن الذي هو علی غاية الجودة في جميع أعضائه حتّی لا يزول فيه شيء من الأعضاء المتشابهة الأجزاء ولا من الآليّة لا يكاد أن يوجد إلّا في الندرة وأمّا الأبدان التي تنقص عن هذا البدن نقصاناً يسيراً فقد يوجد كثيراً.