Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: De Optima Corporis Nostri Constitutione (The Best Constitution of our Bodies)

والبدن الذي هو معتدل المزاج علی الحقيقة هو متوسّط بين الليّن والصلب والأزبّ والأزعر والواسع العروق وضيّقها والعظيم النبض والصغير النبض. والبدن الذي هو معتدل في أعضائه الآليّة هو بالجملة كقانون بولوقليطس وأمّا الأبدان التي هي أسخن ممّا ينبغي بقدر يسير أو أبرد قليلاً أو أرطب أو أجفّ أو خلقة عضو من أعضائها غير مستوية فإنّا ربّما رأيناها قد فارقت البدن المعتدل في شيء من الأشياء. فقد نری البدن الذي هو أصلب من البدن المعتدل أبعد قبولاً للألم من جميع الأسباب العارضة من خارج والبدن الذي هو ألين من المعتدل أبعد قبولاً للألم من الأسباب التي تتولّد من داخل البدن. وكذلك أيضاً فإنّ البدن الذي هو أكثف من المعتدل هو أحمل منه لما يعرض من خارج والذي هو أسخف أحمل لما يعرض من داخل كقول أبقراط في كتاب الغذاء: «إنّ الأبدان التي يعينها التخلخل معونة كثيرة علی التحلّل هي أصحّ الأبدان والأبدان التي معونة تخلخلها على تحلّلها أقلّ فهي أسقم» إنّما قاله فيما تفعله فضول الغذاء من الصحّة والسقم لأنّه لم يكن غرضه في ذلك الكتاب أن يتكلّم علی الأصحّاء كلّهم جملة ولا علی المرضی كلّهم جملة ولكنّه إنّما كان غرضه أن يخبر بجميع المنافع والمضارّ التي تكون من الغذاء ولذلك ذكر حال الأبدان في الصحّة والسقم التي تلزمها من قبل فضول الغذاء ولأنّ البدن الذي هو أشدّ تخلخلاً فإنّه أصحّ وأقلّ مرضاً من فضول الغذاء والبدن الذي هو أشدّ تكاثفاً فهو أسرع إلی السقم من فضول الغذاء. وأمّا الأسباب العارضة من خارج فالأمر فيها علی خلاف ذلك وذلك لأنّ البدن الذي هو أشدّ تخلخلاً أسرع إلى قبول الألم منها والبدن الذي هو أشد تكاثفاً أبعد من قبول الألم منها.

فقد تبيّن أنّ الأبدان التي قد زالت عن الاعتدال إلی أحد الطرفين قد تفوق في شيء من الأشياء البدن المعتدل الذي لا يمكن أن يقال إنّه متخلخل ولا متكاثف لكن وسط فيما بين هذين الطرفين وفيما بين جميع الأطراف لأنّ البدن الذي هو أشدّ تكاثفاً أقلّ قبولاً للألم من الأسباب التي تعرض من خارج والبدن الذي هو أشدّ تخلخلاً أقلّ قبولاً للألم من الأسباب التي من داخل وليس نجد شيئاً من الأبدان بعيداً بالحقيقة من قبول الألم من الأسباب التي من داخل ومن خارج. إلّا أنّ البدن الذي هو وسط فيما بين جميع الأطراف قليل القبول للألم من الأسباب الداخلة والخارجة وهذا البدن هو الذي نقول إنّه أصحّ الأبدان. وعلی هذا المثال فإنّ البدن الذي هو أجفّ من المعتدل أبعد من القبول للألم من جميع الأسباب المرطّبة والبدن الذي هو أرطب من المعتدل أبعد قبولاً للألم من الأسباب الميبّسة. فقد تبیّن ممّا قلنا قبيل أنّ البدن الوسط بين الأطراف ليس هو لا محالة أبعد الأبدان من قبول الألم من جميع العلل لكنّه يقصر دون كلّ واحد من الأبدان في شيء واحد ويفوقها جملة.

وقد قلنا في كتاب المزاج إنّ هذا البدن ليس هو باضطرار عظيماً ولا صغيراً ولا وسطاً. وأنا معيد ذكر ذلك في هذا القول فأقول إنّ عظم البدن قد يكون من كثرة المادّة وصغر البدن قد يكون من قلّة المادّة كما أنّ الصنم العظيم يكون من نحاس كثير والصغير من نحاس قليل وليس شيء مانع من أن يكونا جميعاً معتدلين في أعضائهما. والبدن الذي ليس هو كثيفاً بيّن الكثافة ولا متخلخلاً ولا صلباً ولا ليّناً ولا أزعر ولا أزبّ فهو في غاية الاعتدال في أيّ قدر كان. وإن كانت أيضاً أعضاؤه الآليّة مؤلّفة بعضها إلى بعض علی اعتدال كان حسن المنظر تامّ الخلق.

وأمّا البدن الذي هو أعظم ممّا ينبغي أو أصغر فقد يكون كلّ واحد منهما من إحدی علّتين أمّا الأعظم فمن غلبة الرطوبة أو من غزارة المادّة وأمّا الألطف فمن غلبة اليبس أو من عوز المادّة لأنّ النشوء لا يزال متزيّداً إلى أن تشتدّ العظام وإنّما تشتدّ العظام وقدر البدن بعد صغير إمّا من قلّة المادّة وإمّا من اليبس فيتقدّم انتهاء نشوء البدن ويقف ويتأخّر أيضاً نشوء آخر ويقف من أحد هذين السببين. فلا يجب إذاً أن يكون العظم لا محالة دليل الرطوبة ولا الصغر دليل اليبس لأنّه لو كان العظم يلزمه أبداً اللين والصغر تلزمه الصلابة لكان البدن العظيم أبداً رطباً والصغير أبداً يابساً. فلأنّا نجد العظم يباين اللين والصغر يباين الصلابة فإنّ النظر في عظم البدن وصغره فضل في الاستدلال علی مزاجه لأنّ علامات أمزجة البدن الخاصّيّة بها كافية فقد أثبتناها في كتاب المزاج.

فإن كان الأمر علی هذا فيجب أن نضع أفضل الهيئات في هذين الشيئين أعني في اعتدال مزاج الأعضاء المتشابهة الأجزاء واعتدال تركيب الأعضاء الآليّة.

تمّت مقالة جالينوس في أفضل الهيئات نقل حنين بن إسحق.