Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: De Pulsibus ad Tirones (On the Pulse for Beginners)

والنبض يتغير على أنحاء كثيرة مختلفة، وليس نجد سببا من الأسباب إلا وهو فى المثل قد يغير النبض.

فرأيت أن أقسم أولاً الأسباب المغيرة للنبض إلى ثلثة أصناف أول كلية، ثم أتكلم فى كل واحد من تلك الأصناف على تلخيص شىء شىء من الأشياء المفردة.

والتغيير الأول الذى يحدث فى النبض هو التغير الطبيعى.

والتغيير الثانى: هو التغير الذى ليس بطبيعى، ولا هو أيضا خارج عن الطبيعى.

والتغيير الثالث: هو التغيير الخارج عن الطبيعى.

وهذه الأصناف من التغيير تحدث فى جميع الأصناف الطبيعية.

فإن العروق تتحرك فى الأبدان المختلفة على حالات مختلفة.

فينبغى أولا أن يعلم أصناف اختلاف الأبدان من أراد أن يعلم من أى شىء يتغير النبض، وكم مقدار تغيره.

وليس يمكنك أن تعرف النبض الخاص بكل واحد من الناس على حقيقته إلا بالتجربة فقط. ولذلك قد ينبغى لك أن تجس عرق الإنسان الواحد مرارا كثيرة، ولا سيما فى وقت صحته وسلامته من الآفات، وسكونه من كل حركة قوية ، ثم تجسه إذا خالفت حاله هذه الحال.

إلا أنه لما كان لا يمكن المتطيب أن يعرف بالتجربة نبض جميع الناس، لأن كثيرا من الناس مرارا كثيرة قد احتاجوا إلى أطباء لم يلقوهم وهم فى صحتهم، فالأجود أن يكون فى هذا الباب أيضا للعالم فضل على الجاهل.

وفضل العالم على الجاهل فى هذا الباب أن تكون عنده معرفة الأمور التى هى لأكثر الناس على حال واحدة.

فإن للرجال فى المثل طبيعة تعمهم، وللنساء طبيعة تشتمل عليهم، وللمحررين طبيعة تعمهم، ولأصحاب المزاج البارد طبيعة أخرى مشتركة. ولكل قضيف طبيعة أخرى عامية، ولكل عبل طبيعة مشتركة.

وقليلا ما يوجد فى كل واحدة من هذه الطبائع العامية بدن غير مشابه للكثير.

فيجب من هذا أن يكون من علم تلك الطبائع العامية قليلا ما يخطئ، ويخرج عن الحق، فأقول:

إن نبض الرجال على الأكثر أعظم من نبض النساء كثيرا، وأقوى منه .كثيرا، وأبطأ منه قليلا، وأشد تفاوتا منه كثيرا.

وأما اللذين مزاجهم بالطبع حار، فنبضهم أعظم من نبض من كان مزاجه باردا، وأسرع منه، وأشد تواترا منه كثيرا، وليس هو بأقوى منه كثثرا.

وأصحاب الأبدان القضيفة نبضهم أعظم نبضا من نبض أصحاب الأبدان العبلة، وأشد تفاوتا منه كثيرا، وليس هو بأقوى منه كثيرا.

فعلى هذا المثال يختلف النبض بالطبع. ثم قد يتغير أما من قبل الأسنان فعلى هذا المثال:

أما الطفل حين يولد فنبضه فى غاية التواتر، وأما الشيخ ففى غاية التفاوت.

وجميع الأسنان التى بين هاتين السنين فالنبض فى كل واحد منها على حسب قربه من الصبا، ومن الشيخوخة.

وكذلك أيضا فإن نبض الصبيان فى غاية السرعة. ونبض المشايخ فى غاية الإبطاء.

وأما نبض سائر الأسنان ففيما بين ذلك . إلا أن فضل التفاوت فى نبض الشيخ على نبض الصبى أكثر كثيرا من مقدار ما بينهما من الاختلاف فى السرعة والإبطاء.

وأما فلا صنف القوة وصنف العظم فأعظم النبض فلا الأسنان نبض الشباب الذين هم فى غاية الشباب، وأصغر النبض نبض المشايخ.

فأما نبض الصبيان فهو أعظم قليلا من النبض المتوسط.

وأقوى النبض نبض الشباب الذين هم فى غاية الشباب، وأضعف النبض نبض المشايخ. وأما نبض الصبيان فمتوسط بينهما.

فعلى هذا المثال يتغير النبض بحسب الأسنان.

وأما بحسب أوقات السنة فيتغير النبض على هذا المثال:

أما فى وسط الربيع فيكون النبض أعظم، وأقوى ما يكون بحسب أوقات السنة. ويكون فى السرعة والتواتر معتدلا.

وعلى هذا المثال يكون فى وسط الخريف.

وكل ما بعد من وسط الربيع نقص من عظم النبض، ومن قوته، وزاد فى سرعته، وتواتره. ثم بأخرة إذا جاء الصيف صار النبض ضعيفا، صغيرا، سريعا، متواترا.

وأما الخريف فكل ما بعد من وسطه فإنه ينقص من جميع هذه الأصناف، أعنى من عظم النبض، ومن قوته، ومن سرعته، وتواتره، حتى يكون إذا حل الشتاء قد حال النبض إلى الصغر، والإبطاء، والضعف، والتفاوت.

وأول الربيع يشبه آخر الخريف. وآخر الربيع يشبه أول الخريف. وأول الصيف يشبه آخر الصيف. وأول الشتاء يشبه آخر الشتاء.

فالأوقات إذا التى بعدها من وسط الصيف ووسط الشتاء بعد سواء تغير النبض على مثال واحد.

فأما وسط الصيف فهو من جهة مثل وسط الشتاء، ومن جهة مضاد له. وذلك أن النبض فى الوقتين جمعا صغير، ضعيف. إلا أنه فى الصيف سريع، متواتر، وفى الشتاء بطىء، متفاوت. وليس يبلغ من الصفر فى الصيف مثل ما يبلغه فى الشتاء. لكنه فى الصيف يكون أقل صغرا. ولا يبلغ من الضعف فى الشتاء ما يبلغه فى الصيف، لكنه يكون فى الشتاء أقل ضعفا.

فعلى على هذا المثال يتغير النبض فى أوقات السنة.

وعلى هذا المثال يتغير النبض بحسب البلدان. فيكون النبض فى البلدان التى هى فى غاية الحرارة على مثال ما يكون فى وسط الصيف. ويكون فى البلدان التى هى فى غاية البرد على مثال ما يكون فى وسط الشتاء. ويكون فى البلدان المعتدلة على مثال ما يكون فى الربيع. وكذلك الحال فى البلدان التى مزاجها بين مزاج تلك.

وسائر التغير الحادث فى الهواء ما كان منه إلى الحر أميل فقياسه قياس الأزمان الحارة من السنة، وما كان منه إلى البرد أميل فقياسه قياس الأزمان الباردة من السنة. وما كان إلى الاعتدال أميل فقياسه قياس وسط الربيع. فأما فى وقت الحمل فيكون النبض أعظم، وأشد تواترا، وأشد سرعة. وأما سائر الأشياء فتبقى فيه على حالها.

والنوم أيضا هو من الأشياء التى هى بالطبع، وليس يفوقه فى ذلك شىء غيره. وقد يغير النوم النبض على هذا المثال: أما فى أوله فيصير النبض أصغر، وأضعف، وأبطأ، وأشد تفاوتا. فإذا أمعن الإنسان فى النوم، فإن إبطاءه، وتفاوته يتزايدان، ولا سيما بعد تناول الطعام. إلا أن النبض يصير أعظم، وأقوى. فإذا طال النوم، عاد النبض إلى الضعف، والصغر، ويبقى على إبطائه، وتفاوته. وأما نبض المنتبهين من النوم ففى أول ما ينتبه يكون عظيما، قويا، سريعا، متواترا، ويكون فيه كالرعدة. ثم إنه من بعد قليل يعود إلى الاعتدال.

والحالات العارضة للبدن فى سحنته تغير النبض على مثال ما تغيره الحالات الطبيعية. فإن الذى هو فى طبعه قضيف، إذا ازداد لحمه حتى يعتدل، صار نبضه شبيها بنبض من كان فى طبيعته حسن اللحم.

ومن كان فى طبيعته حسن اللحم، فعرض له القصف، فإن نبضه يصير شبيها بنبض من كان فى طبيعته قضيفا.

وبين أنه ينبغى أن ننظر فى الاختلاف بين القضيف وبين حسن اللحم من غير تغير القوة فى سائر الأشياء على هذا المثال، حتى يكون التغير إنما حدث من ذلك الشىء الذى الكلام فيه فقط.

وما قلناه فيمن كان حسن اللحم فافهمه فى العبل السمين أكثر، وأزيد، وأقوى.

والمزاج أيضا العارض للبدن يغير النبض على مثال ما يغيره المزاج الطبيعى.