Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: De Sectis ad eos qui introducuntur (On Sects for Beginners)

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الصناعة الصغيرة

قال جالينوس:

إنّ قصد الطبّ التماس الصحّة، وغاية إحرازها.

فالطبيب مضطرّ إلی أن يعلم الأشياء التي تعيد الصحّة إذا فقدت، والأشياء التي تحفظها إذا كانت موجودة.

فأمّا الأشياء التي تعيد الصحّة إذا فقدت فهي الأشياء التي ينتفع بها في اجتلاب الصحّة، والتي تبلغ بمن فقد الصحّة إليها من العلاج باليد والأغذية والأدوية.

وأمّا الأشياء التي تحفظ الصحّة إذا كانت موجودة فهي ما يستعمل الأصحّاء من التدبير والأغذية.

ولذلك قالت القدماء: إنّ الطبّ هو معرفة الأشياء المصحّحة، والأشياء الممرّضة.

والأشياء المصحّة هي التي تحفظ الصحّة إذا كانت موجودة، والتي تردّ البدن الذي قد فقدت صحّته إلی الصحّة.

والأشياء الممرّضة هي ضدّ هذه.

وذلك أنّ الطبيب يحتاج إلی معرفة هذين الأمرين كليهما، كيما يستعمل هذا، ويتوقّی ذاك.

ولم يتّفق جميع الأطبّاء علی الطريق التي تؤخذ منها معرفة هذه الأشياء، كما اتّفقوا في نفس هذه الأشياء.

لكنّ بعضهم قال: إنّ التجربة وحدها تكفي في ذلك.

وبعضهم رأی أنّ القياس يعين التجربة علی ذلك معونة ليست باليسيرة.

ويسمّون من اقتصر علی التجربة أصحاب التجربة، وكذلك من استعمل القياس يسمّون قياسين.

وهاتان الفرقتان أوّل فرق الطبّ: إحداهما تسلك في معرفة الأشياء النافعة في التماس الصحّة طريق التجربة، والأخری تسلك في معرفة ذلك طريق الاستدلال علی الشيء الذي يحتاج إليه بالشيء الذي من أجله احتيج إليه.

وجعلوا اسم إحدی هاتين الفرقتين: فرقة التجربة، واسم الأخری فرقة القياس.

ومن عادتهم أن يسمّوا أيضاً رأي أصحاب التجربة بأسماء مشتقّة من الرصد، والتحفّظ، والتذكّر.

ويسمّوا رأي أصحاب القياس بأسماء مشتقّة من صريمة الرأي والقياس علی ما خفي بما يظهر.

ويسمّوا أهل هاتين الفرقتين بأسماء مشتقّة من الأسماء التي يسمّون بها آراءهما.

فيسمّون من اقتصر علی التجربة بأسماء مشتقّة من التجربة، والتذكّر، والرصد، والتحفّظ بما يظهر حسّاً.

ويسمّون من استعمل القياس بأسماء مشتقّة من القياس، وصريمة الرأي، والاستدلال علی ما يخفی بما يظهر.