Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: De Sectis ad eos qui introducuntur (On Sects for Beginners)

الرأس الثاني في استخراج فرقة أصحاب التجربة

وأمّا أصحاب التجربة فقالوا:

إنّ هذه الصناعة إنّما أدركت بهذا الطريق.

قالوا:

إنّهم كانوا لا يزالون يرون أشياء كثيرة تعرض للناس في حال المرض والصحّة، بعضها من تلقاء أنفسها، مثل الرعاف، أو القيء، أو العرق، أو الاختلاف، أو غير ذلك ممّا أشبهها، فتجلب لمن عرضت له مضرّة، أو منفعة، من غير أن تظهر لهم بالحسّ العلّة الجالبة لما كان يعرض لهم،

وبعضها كانت تظهر لهم علّتها، من غير أن يكون ذلك بقصد وتعمّد.

لكن كان يتّفق أن يحدث عنها شيء ما، مثل أن يسقط إنسان، أو يضرب، أو يجرح بنوع من الأنواع فيجري منه الدم.

أو أن يتبع شهوته، فيشرب في مرضه ماء بارداً، أو شراباً، أو ما أشبه ذلك من الأشياء التي تعقب منفعة، أو مضرّة.

فسمّوا النوع الأوّل من هذه الأشياء التي تنفع، أو تضرّ «طبيعيّاً»، وسمّوا النوع الآخر «عرضيّاً».

ولقّبوا أوّل وجودهم لما شاهدوا من هذين النوعين «الاتّفاق». وإنّما خصّوا هذا المعنی بهذا الاسم، لأنّه يحدث في الأشياء من غير إرادة ولا قصد.

فهذه هي صفة أحد أنواع التجربة، وهو المنسوب إلی الاتّفاق.

ولها نوع آخر يكون بالقصد، إلّا أنّه يكون بأيسر السعي وأهونه، إذا قصدوا بإرادتهم لأن يجرّبوا شيئاً ما، إمّا لأنّ حلماً حرّكهم علی ذلك، وإمّا لأنّ داعياً غير ذلك دعاهم إليه.

وللتجربة نوع آخر ثالث يكون بطريق التشبيه، إذا قصد لشيء ما ممّا قد رأی عياناً أنّه نفع، أو ضرّ بوجه ما، إمّا بالطبع، وإمّا بالعرض، وإمّا ممّا قصد إليه بأيسر السعي وأهونه، فأعيدت تجربته في تلك الأمراض بأعيانها.

وبهذا النوع خاصّة كان أكثر قوام هذه الصناعة.

وذلك أنّهم لمّا شبهوا بالشيء الذي قد رأوه قد نفع أو ضرّ، فوجدوه لا مرّة، ولا مرّتين، ولا ثلثاً، لكنّ مراراً كثيرة يفعل ذلك الفعل بعينه في تلك الأمراض بأعيانها في أكثر الحالات، حفظوا ذلك الشيء، ولزموه، وسمّوه باباً من الطبّ، وصحّ عندهم، ووثقوا به، وعدّوه جزءاً من هذه الصناعة.

فلمّا اجتمعت لهم أبواب كثيرة من أشباه هذه الأبواب، كان المجتمع عندهم منها هو الطبّ، والجامع لها هو الطبيب. وسمّوا المجتمع أيضاً «المشاهدة»، وهو حفظ ما لأشياء قد شوهدت مراراً كثيرة علی حال واحد. وسمّوه أيضاً تجربة وخبرة، وسمّوا الإخبار به خبراً.

وهذا المجتمع بعينه هو لمن رصده، وحفظه مشاهدة، ولمن تعلّم الشيء الذي رصد وحفظ من غير خبر.

ولمّا كانوا ربّما صادفتهم أمراض ما لم يروها قبل ذلك، أو قد رأوها، إلّا أنّهم في مواضع لا يمكنهم فيها وجود الأدوية التي قد حفظوها بالتجربة، جعلوا لأنفسهم النقلة من شيء إلی شيء شبيه به آلة لوجود الأدوية في تلك الأحوال.

فاستعملوا تلك النقلة في نقل الدواء الواحد من مرض إلی مرض شبيه به، ومن عضو إلی عضو شبيه به، ومن دواء قد عرف قبل إلی دواء شبيه به.

أمّا من مرض إلی مرض، فمثل أن ينقلوا الدواء الواحد من الورم المعروف بالحمرة إلی البثر المعروف بالنملة.

وأمّا من عضو إلی عضو، فمثل أن ينقلوا الدواء الواحد في العلّة الواحدة من العضد إلی الفخذ.

وأمّا من دواء إلی دواء آخر شبيه به، فمثل أن ينقلوا في المرض الواحد — مثل الذرب — من دواء إلی دواء آخر شبيه به، مثل النقلة من السفرجل إلی الزعرور.

وهذه النقلة كلّها هي طريق ومسلك إلی الإدراك، وليس هي الإدراك نفسه، دون أن تقع التجربه له.

إلّا أنّه إذا جرّب الشيء الذي قد رأی مرّة واحدة، فقد صحّ ما شهدت عليه تلك التجربة صحّة ليست بدون صحّته لو كان رصد فوجد مراراً لا يحصی عددها كثرة علی تلك الحال.

ونسبوا هذه التجربة التابعة للنقلة من شيء إلی شيء شبيه به إلی الدربة والحذق، لأنّ الذي من شأنه أن يستخرج شيئاً علی طريق النقلة يحتاج إلی أن تكون معه دربة، وحنكة، وحذق في هذه الصناعة.

وأمّا التجارب المتقدّمة للاختبار التي كانت بالصناعة حاجة إليها في قوامها، فقد يمكن أن ينالها كلّ من رامها.

فهذا هو الطريق إلی غاية هذه الصناعة بالتجربة.