Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: De Sectis ad eos qui introducuntur (On Sects for Beginners)

الرأس الثالث في اسخراج فرقة أصحاب القياس

وأمّا الطريق الذي يكون بالقياس، فإنّ أصحابه يأمرون بتعرّف طبيعة البدن الذي يقصد لعلاجه، وتعرّف قوی جميع الأسباب التي تميل أبدان الحيوان عمّا كانت عليه إلی الصحّة، أو إلی المرض.

وقالوا بعد هذا:

إنّه ينبغي للطبيب أن يكون عالماً خبيراً باختلاف حالات الهواء، والمياه، والبلدان، والأعمال، والعادات، والأطعمة، والأشربة ليصل إلی وجود أسباب جميع الأمراض، وقوی الأدوية، وما يتداوی به منها، ويقدر أن يقيس ويتفكّر، فيعلم ما فعل هذا الدواء الذي معه هذه القوّة، إذا عولج به هذا النوع من العلّة.

وذلك أنّه لا يمكنه — في قولهم — الوصول إلی معرفة ما يتداوی به دون أن يرتاض في جميع هذه الأشياء، ويتصرّف فيها.

وأنا ممثّل لك في ذلك مثالاً تستدلّ به علی جميع ما وصفت لك.

فانزل: أنّ عضواً من أعضاء البدن حدث فيه وجع، وصلابة، وانتفاخ، ومدافعة للغامز عند غمزه إيّاه، فقد ينبغي للطبيب إذا رأی ذلك أن يستخرج أوّلاً علم السبب في ذلك، ويعرفه: وهو أنّ جسماً رطباً مقداره أكثر من المقدار الطبيعيّ تحلّب إلی ذلك العضو، فانتفخ، وتمدّد، وحدث فيه وجع.

ثمّ ينظر من بعد ذلك إن كانت تلك الرطوبة تتحلّب بعد، فينبغي أن يمنعها من التحلّب. وإن كانت قد انقطعت، فينبغي أن تستفرغ من ذلك العضو الذي تحلّبت إليه.

وقد ينبغي أن تعلم كيف تمنع الرطوبة التي هي في التحلّب من أن تتحلّب، وكيف تستفرغ من العضو إذا حصلت فيه، فأقول:

إنّك إذا برّدت العضو وقبضته، منعت التحلّب وقطعته عنه.

وإذا أسخنته وسخّفته، استفرغت منه ما هو محتبس فيه.

فعلی هذا الوجه، يأخذ أصحاب القياس الاستدلال من نفس العلّة علی ما ينتفع به فيها.

ويقولون:

إنّه ليس يكتفي بهذا الاستدلال وحده.

لكنّ لهم استدلال غيره يأخذونه من قوّة المريض، واستدلال من سنّه، واستدلال من طبيعة المريض المخصوص بها.

وكذلك قد يؤخذ من كلّ واحد من الوقت الحاضر من أوقات السنة، وطبيعة البلد، والعمل، والعادة استدلال خاصّ دون ما يؤخذ من غيره علی ما ينتفع به في تلك العلّة.

وأنا ممثّل لك أيضاً في ذلك مثالاً ليزداد به عندك بياناً.

فانزل: أنّك رأيت رجلاً به حمّی حادّة، وكسل عن الحركة، وهو يحسّ في بدنه بثقل، وتراه أملأ بدناً ممّا كان، وأشدّ حمرة بدن، وعروقه أشدّ امتلاء وانتفاخاً.

فجميع من رأی هذا — في قولهم — يعلم أنّه قد كثر في بدنه الدم، وسخن، وأنّ دواءه استفراغه، لأنّ التفرّغ ضدّ الكثرة والامتلاء، ومداواة الضدّ بالضدّ.

وليس يمكن أن نعلم من هذا السبب وحده كيف نستفرغ، ولا بأيّ مقدار نستفرغ، لأنّه قد ينبغي أن ننظر مع ذلك في القوّة، والسنّ، والوقت الحاضر من أوقات السنة، والبلد، وسائر الأشياء التي ذكرناها قبيل.

وذلك أنّه إن كانت قوّة المريض قويّة، وكانت سنّه منتهی الشباب، وكان الوقت الحاضر من أوقات السنة الربيع، وكان البلد معتدلاً، فلن تخطئ إن فصدته، واستفرغته من الدم بالمقدار الذي يدلّ عليه السبب.

وإن كانت قوّة المريض ضعيفة، وكانت سنّه سنّ صبيّ صغير، أو شيخ فانٍ، وكان بلده بلداً بارداً جدّاً مثل بلاد الصقالبة، أو كان بلده حارّاً جدّاً محرقاً مثل بلد السودان، وكان الوقت الحاضر من أوقات السنة علی مثل حال البلد: إمّا مفرط البرد، وإمّا مفرط الحرّ، فليس ينبغي لأحد أن يقدم علی الفصد.

وكذلك أيضاً يأمرون بالنظر في عادات الناس، وأعمالهم، وطبائع أبدانهم، لأنّهم يذكرون أنّ لهم من كلّ واحد من جميع هذه الأشياء استدلالاً خاصّيّاً.