Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: De Sectis ad eos qui introducuntur (On Sects for Beginners)

الرأس العاشر في مناظرة أصحاب القياس لأصحاب الحيل

ثمّ إنّ صاحب القياس حضر بعد قول صاحب التجربة ما قال، فقال:

لعلّك، يا هذا، إن كنت صحيح العقل، قد اكتفيت بما قال لك صاحب التجربة، وذلك أنّه لا ينبغي لك أن تتوهّم أنّ السنّ، أو الوقت الحاضر من أوقات السنة، أو البلد، أو العلّة البادئة، أو العضو الذي فيه المرض من أعضاء البدن ممّا لا ينتفع بالنظر فيه.

فإن كان قول صاحب التجربة لم يقنعك بعد بإذكاره إيّاك الأمور الظاهرة، لكنّك تحتاج إلی قياس يبيّن لك خطأك، فإنّي أفعل بك ذلك، وأبيّن لك أنّ الأصل الذي عليه مبني فرقتك ضعيف واهٍ. فأقول:

إنّي أسمعكم تقولون إنّ طبّكم هو معرفة جمل ظاهرة. ولست أحصی كم من مرّة سألتكم في أيّ الأشياء توجد تلك الجملة، وكيف نتعرّفها، فلم أقدر إلی هذه الغاية أن أعرف ذلك.

وأنتم إلی هذه الغاية إنّما الاتّفاق بين بعضكم وبعض في الأسماء، وأنتم مختلفون في معانيها. وذلك أنّ بعضكم إنّما يقدّر الاستمساك والاسترسال بالاستفراغات الطبيعيّة. وذلك أنّها إن استمسكت واحتبست، سمّوا احتباسها استمساكاً، وإن أفرطت في الاستفراغ، سمّوا ذلك استرسالاً.

وقوم آخرون منكم، كثير عددهم، يقولون إنّ هذه الأمراض إنّما هي في حالات الأبدان. ويذمّون جدّاً من نظر إلی الشيء الذي يستفرغ.

ولعلّي أن أدلّك أنّ كلّ واحد من الفريقين علی خطأ.

وأقصد بقولي أوّلاً قصد من يحكم علی الأمراض بالاستفراغات الطبيعيّة. وإنّي لأعجب منهم إن كانوا لم يروا قطّ عرقاً، ولا بولاً، ولا قيئاً، ولا برازاً استفرغ أكثر من المقدار الطبيعيّ، قد نفع. وأشنع من هذا كلّه، إن كانوا لم يروا رعافاً قطّ كان به إفراق. فإنّ الرعاف ليس مقداره فقط خارجاً عن الأمر الطبيعيّ، لكنّ جنسه كلّه خارج عن الأمر الطبيعيّ.

فأمّا العرق، والبول، والبراز، والقيء فليس جنسها خارجاً عن الأمر الطبيعيّ، إلّا أنّه ربّما جاوز في مقداره المقدار الطبيعيّ، حتّی أنّي لأعرف مرضی عرقوا حتّی بلّوا لحفاً وقطفاً. وأعرف مرضی آخرين استطلقت بطونهم أكیر من عشرين رطلاً. وليس أحد رأی أن يقطع شيئاً من هذا الاستفراغ. لأنّ الشيء الذي استفرغ هو الشيء الذي كان يؤذي.

علی أنّ من جعل قانونه في جميع الوجوه الاستفراغات الطبيعيّة، فيجب عليه أن يمنع ويحبس أشباه هذا من الاستفراغ.

ولذلك كان قول من جعل جمل الأمراض في حالات الأبدان أشبه، وأقرب إلی الإقناع.

وإنّي لأعجب من هؤلاء أيضاً كيف أقدموا علی أن قالوا إنّ هذه الجمل ظاهرة، من قبل أنّه إن كان ليس الشيء الذي يبرز من البطن هو الاسترسال، لكنّ حال الأبدان التي ينبعث منها ما ينبعث، وليس يمكن أن تظهر تلك الحال لواحدة من الحواسّ، فكيف يقال إنّ جمل الأمراض ظاهرة؟

وذلك أنّه قد يمكن أن يكون حال الاسترسال في المعا الذي يقال له القولون، وفي الأمعاء الدقاق، وفي المعا الذي يقال له الصائم، وفي المعدة، وفي العروق التي بين المعا والكبد وتسمّی مساريقاً، وفي مواضع أخر شتّی، باطنة. وليس يمكن أن ينال واحد من هذه الأعضاء بالحسّ، لا هو، ولا مرضه. فكيف يمكن مع هذا أن يقال إنّ تلك الجمل ظاهرة؟

إلّا أن يقول قائل:

إنّ معنی قولي «ظاهرة» إنّما هو أنّه يستدلّ عليها بعلامات.

فإن كان الأمر هكذا، فلست أعلم ما الفرق بينهم وبين القدماء من الأطبّاء. وكيف يعدونا — إذا كان الأمر كذلك — أن يعلّمونا هذه الصناعة سريعاً في ستّة أشهر.

وليس الطريق الذي يحتاج إليه في تعرّف شيء ممّا يخفی عن الحسّ بصغير، ولا قريب، لكنّ الذي يريد أن يصل إلی ذلك علی ما ينبغي، قد يحتاج إلی علم التشريح حتّی يعلم به ما طبيعة كلّ واحد من الأعضاء الباطنة. ويحتاج أيضاً إلی علم طبيعيّ كثير حتّی يعلم ما فعل كلّ واحد من الأعضاء وما منفعته. لأنّه ليس يمكن أحد أن يصل إلی معرفة مرض عضو من الأعضاء الباطنة دون أن يقف علی هذه الأشياء، ويعرفها. ولست أحتاج إلی أن أقول إنّه يحتاج في هذه الأشياء إلی علم المنطق حاجة شديدة، ليعلم الناظر علماً شافياً أيّ شيء ينتج عن كلّ خبرين، ولا يعتريه في حال من الأحوال شيء من الأغاليط، لا من غيره، ولا من نفسه. فإنّ الإنسان ربّما غلط نفسه من غير إرادة منه لذلك.

وإنّي لمشتاق إلی أن أسئلهم — إن كانوا يعلمون الكلام — ما الانبعاث؟

وذلك أنّي لست أری أنّه يكتفي بهذا وحده الذي قاله قوم منهم:

إنّه حال ما خارجة عن المجری الطبيعيّ.

لأنّا إن لم نعلم: أيّ حال هي، لم يحصل بعد في أيدينا شيء.

أتری تلك الحال استرخاء، أو ليناً، أو تخلخلاً.

ولسنا نفهم عنهم شيئاً مصرّحاً، لكنّهم، كما يجيء علی ألسنتهم، مرّة يقولون شيئاً، ومرّة يقولون غيره. وربّما جمعوها كلّها، كأنّه لا فرق بينهما.

وإن رام أحد أن يعلّمهم أنّ بين هذه الأشياء فرقاً، وأنّ كلّ واحد منها يحتاج إلی علاج خاصّ، لم يصبروا للاستماع منه. لكنّهم يشتمون القدماء، ويقولون إنّ تلخيصهم هذه الأشياء كلّها إنّما كان عبثاً.

فهذه حالهم في ترك الحمل علی أنفسهم في طلب الحقّ.

ولا يحتملون أيضاً أن يسمعوا أنّ ضدّ المسترخي هو المشدّد، وضدّ الليّن هو الصلب، وضدّ المتخلخل المستحصف.

وأنّ احتباس الاسفراغات الطبيعيّة وانبعاثها شيء غير هذه الأشياء كلّها.

وأنّ أبقراط قد لخّص جميع هذه الأشياء، وفصّلها وحدّدها.

لكنّهم يقطعون علی هذه الأشياء بالإقدام والتسرّع، ويقولون: إنّ الورم المسمّی فلغموني هو مرض استمساك، من غير حجّة، ولا نظر.

وهذا الورم عندهم هو انتفاخ يدافع اليد، معه وجع، وحرارة.

ثمّ إنّهم يسمّون أوراماً أخر مرضاً مركّباً، مثل ورم العين، إذا كان معه سيلان، وورم اللوزتين، واللهاة، وأعلی الفم، واللثة.

ثمّ يقولون: إنّ بعض المجاري قد اتّسعت، وبعضها قد انضمّت، فصار فيها لذلك المرضان جميعاً.

ومنهم من لا ينكل أن يدعی أنّه يجتمع في المجری الواحد الاسترسال والاستمساك جميعاً معاً.

وذلك ما لا يسهل أن يقوم في الوهم، فضلاً أن الوجود.

فهذه حالهم في التقحّم علی كلّ شيء.

وقليل منهم قد رأوا أن يصبروا علی أن يسمعوا كلامنا في جميع هذه الأشياء علی شرح أكثر، فبكدّ ما رجعوا، ومالوا إلی الحقّ.

وقد كتبنا لهؤلاء ولجميع من يريد أن يستقصي علم الأمراض الأول الجنسيّة كتاباً مفرداً.

وأمّا الآن فينبغي أن نقول قليلاً من كثير ممّا ينتفع به المتعلّمون من مناقضة أهل هذه الفرقة.

وإنّي لأتمنّی أن ينتفع بما أقول أولائك أيضاً. وذلك يكون إن تركوا الخصومة، والمراء، ومحبّة الغلبة، وتدبّروا قولي فيما بينهم وبين أنفسهم.

وقولي هذا: هو أنّ المرض الذي يسمّونه هم أيضاً فلغموني هو انتفاخ خارج عن المجری الطبيعيّ، معه وجع، ومدافعة لليد، وصلابة، وحرارة. وليس يزيد هذا الورم — من طريق ما هو ورم — العضو الذي هو فيه علی ما كان عليه تخلخلاً، ولا تلازّزاً، ولا صلابة، لكن إنّما يجعل العضو ممتلئاً من المادّة التي عنها كان. ولذلك يجعله متمدّداً. وليس يجب ضرورة — إن كان متمدّداً — أن يكون أكثر تكاثفاً، أو أكثر صلابة ممّا كان.

وتقدر أن تفهم ذلك في الجلود المدبوغة، وفي الأشياء المضفورة، والسيور المشبّكة، إن رمت أن تمدّدها إلی كلّ جهة.

وكذلك أيضاً فإنّ علاج الأعضاء المتورّمة هذا الورم هو الاستفراغ، لأنّ الاستفراغ ضدّ الامتلاء. ومتی استفرغت الأعضاء، لزمها علی المكان أن تصير أرخی ممّا كانت. فالأعضاء الممتلئة لا بدّ أن يلحقها التمدّد. وكذلك لا بدّ للأعضاء المستفرغة من أن يلحقها الاسترخاء. فأمّا الكثافة والسخافة فليس واحد منها بواجب أن يلحقها لا الانبعاث، ولا الامتناع. وذلك أنّه لا يجب متی كان الشيء متخلخلاً أن يسيل منه شيء. لأنّه يجوز أن يكون الشيء الذي فيه غليظاً يسيراً، فلا يسيل منه شيء. ولا يجب أيضاً متی كان الشيء متكاثفاً أن يمتنع ما فيه من السيلان. لأنّه قد يجوز أن يكون ما فيه كثيراً رقيقاً، فينفذ في المجاري وإن كانت ضيّقة.

فالأجود كان لهم أن يقرأوا كتب الأوائل ليعلموا علی كم ضرب يسيل من العضو ما كان قبل ذلك محتقناً فيه.

فإنّ ذلك قد يكون إذا سخف وتخلخل العضو الحاوي له، وإذا رقّ ذلك الشيء الذي يحوی، وإذا كثر، وإذا تحرّك حركة أشدّ، وإذا اجتذبه شيء من خارج، وإذا انتقل عن العضو بسبب من داخل.

فإن ترك أحد جميع هذه الأشياء، وظنّ أنّ علّة الاستفراغ واحدة، وهي اتّساع المجاري، توهّم الناس عليه أنّه لا يعرف الأمور الظاهرة، فضلاً عمّا سواها.

فقد نری عياناً الصوف، والإسفنج، وغيرهما ممّا أشبههما في السخافة والتخلخل، إن كانت فيها رطوبة يسيرة، حصرتها ولم تجر منها. وإن كانت فيها رطوبة أكثر، سالت وانبعثت.

فما بالهم لا يتوهّمون هذا بعينه علی العينين أيضاً، والمنخرين، والفم، وسائر الأعضاء التي هي من السخافة علی مثل هذه الحال، أنّه قد يمكن أن يسيل منها شيء بسبب كثرة الرطوبات المحتبسة فيها، لا بسبب اتّساع مجاريها.

وقد رأينا أيضاً من الجرار مراراً كثيرة ما بلغ من تخلخلها أن يرشح منها الماء. فإن كان فيها عسل، لم يرشح منها شيء، لأنّ جوهر العسل أغلظ من أن ينفذ في خلل جرم الجرّة.

فما كان هذا ممّا يبعد عليهم توهّمه أنّه قد يرشح شيء مراراً كثيرة لرقّته، وإن كان الجرم الذي يحويه لم يتغيّر عن طبيعته.

وليس يعسر أيضاً علی من شاهد أعمال هذه الصناعة أن يعلم أنّ الطبيعة التي تدبّر البدن قد تستعمل مراراً كثيرة شدّة قوّتها، فتدفع عن البدن جميع ما فيه من الفضول، كأنّها تعصرها وتقذفها.

فإنّ بحرانات الأمراض في أكثر الحالات كذلك تكون.

وأنا تارك ذكر أسباب استفراغ ما يستفرغ من البدن، وكذلك أيضاً فإنّي أدع أسباب احتباس ما يحتبس فيه التي عددها مساوٍ لعدد تلك، لأنّها أضدادها، لأنّ هذا الكلام ليس ممّا يبلغه فهم القوم الذين قصدنا قصدهم.

وأنا راجع إلی شيء أظنّ أنّهم يقربون من فهمه، وهو أن أبيّن لهم أنّه قد يمكن في حال من الأحوال أن يسيل شيء من العين إمّا لكثرة الشيء الذي ينصبّ إليها، وإمّا لرقّته، وإمّا لأنّ الطبيعة دفعته، وقذفته من ذلك الموضع، ولم يتغيّر جرم العين البتّة عن طبيعته.

وينبغي عند ذلك إن كان الشيء الذي يجري رقيقاً أن يغلظ، وإن كان كثيراً أن يستفرغ، وإن كانت الطبيعة حرّكته، ثمّ كانت في وقتها تبعث ما تبعث من غير أن تحدث حدثاً بتّة في جرم العين، إذ كان ليس جرمها سبب سيلان ما يسيل.

فأمّا الظنّ أنّ ورماً ما هو مرض احتقان، وورماً آخر هو مرض انبعاث، وورماً آخر هو مرض مركّب، فلا أعلمه يكون من عاقل.

وذلك أنّي أقول إنّهم أوّلاً قد نسوا قولهم: إنّه ليس ينبغي أن نحكم علی الاسترسال بالاستفراغ، ولا علی الاستمساك بالاحتباس، لكنّه إنّما ينبغي أن ننظر إلی نفس حالات الأبدان.

فإذا كانت هذه الحالات في جميع الأمور متشابهة، وليس يظهر أنّ بين هذا الورم الذي حدث الآن وبين الورم الذي كان قبله فرقاً سوی أنّه يجري من أحدهما شيء ولا يجري من الآخر، فلا شيء أشنع من أن يسمّی هذا الورم مرضاً مركّباً، ويسمّی الآخر مرض استمساك.

ثمّ كيف لم يحضرهم الفكر في هذا — وهو من أسهل الأشياء وأقربها — أنّه لم نر قطّ هذا الصنف من الورم حدث في الكفّ، ولا في الذراع، ولا في العضد، ولا في القدم، ولا في الساق، ولا في الفخذ، ولا في شيء من سائر أعضاء البدن حتّی يجري من الورم شيء إلی خارج. وإنّما هذا خاصّة للأورام التي تكون في الفم، والعينين، والمنخرين.

أتری خالق الحيوان أمر جميع هذه الأمراض المركّبة ألّا يعرض شيء منها لواحد من سائر أعضاء البدن، وخصّ بها العينين، والمنخرين، والفم بالمجاورة؟

أو الورم قد يمكن أن يكون في جميع الأعضاء التي يمكن فيها قبول أسباب تولّده.

إلّا أنّه لمّا كان بعض الأعضاء في طبعه سخيفاً متخلخلاً، وبعضها كثيفاً متلزّزاً، صار يرشح من بعضها ما يسيل إليه، ويحتبس في بعضها.

فإنّك إن ملأت زقّاً، أو غيره ممّا هو في حاله من الكثافة، جوهراً رطباً، لم يسل منه شيء. فإن ملأت إسفنجاً، أو غيره من الأشياء التي هي في حاله من التخلخل، جوهراً رطباً، سال منه علی المكان كلّ ما هو فيه فضل عمّا يحتمل. وما كان هكذا، فما يعسر أن يتفكّروا فيه، فيعلموا كم فضل كثافة الجلد كلّه الذي علی سائر البدن علی الغشاء الذي علی العينين، وعلی المنخرين، وعلی الفم، فيقولوا إنّ السبب في سيلان ما يسيل من هذه الأعضاء، إذا تورّمت، إنّما هو طبيعتها، ويدّعوا التركيب، والهذيان الطويل.

وممّا يدلّ علی أنّ هذا كما وصفت الأورام التي تكون مع جرح في سائر الأعضاء. لأنّه قد يسيل من تلك الأورام أيضاً أرقّ ما فيها، كما يسيل من العينين، والمنخرين، والفم. فأمّا ما دام الجلد متّصلاً، لم ينهتك منه شيء، فسبب الاحتباس إنّما هو منه، لا طبيعة الورم.

وكما أنّك أيضاً إن أخذت إسفنجاً، أو صوفاً، فغمسته في عسل، أو في زفت رطب، ولم يكن مقدار العسل أو الزفت مفرطاً جدّاً، لم يسل منهما شيء لغلظ تلك الرطوبة.

وكذلك يعرض إن غمست الصوف أو الإسفنج في ماء أو في شيء ممّا حاله في الرقّة حال الماء، إلّا أنّ مقداره مقدار يسير جدّاً.

كذلك ليس في كلّ حال يسيل شيء من العين إمّا لغلظ الرطوبة التي انصبّت إليها، وإمّا لأنّه ليس فيها فضل، كما قد نری في العين إذا كانت باقية علی طبيعتها.

فقد يمكن إذن أن يكون نوع واحد من الورم المسمّی فلغموني لا فرق فيما بينه وبين غيره إلّا في غلظ الرطوبة التي سالت إلی العين يفعل رمداً ليس معه سيلان، وهو الذي يسمّيه أهل هذه الفرقة الذين هم عند أنفسهم حكماء جدّاً مرض استمساك. ويتوهّمون أنّ بينه وبين الورم الذي يسمّونه مركّباً فرقاً. وينسون قولهم الذي لا يزالون يرفعونه مرّة، ويخفضونه أخری، ويرتكضون فيه، ويقولون: إنّ حالات الأمراض إنّما هي في نفس الأبدان، لا في الرطوبات التي تحتبس فيها، وتنبعث منها.

فكيف إذا كانت الحال التي حدثت في نفس الأجسام حالاً واحدة، لا فرق فيها.

وإنّما لزم من قبل طبيعة الرطوبات بحسب رقّتها وغلظها أن يجري منها شيء مرّة، ويحتبس أخری.

ويظنّون أنّ المرضين مختلفان.

فهذا ممّا يدلّكم أيضاً علی أنّ المرض المركّب الذي تقولون ممّا لا يفهم.

وأمّا سائر خطائكم في شيء شيء من الأمراض التي تعالجونها بالتدبير، وليس في تلك فقط، لكنّ في الأمراض التي تعالجونها باليد، وفي الأمراض التي تعالجونها بالأدوية، فلعلّكم ستعرفون هذا كلّه بعد، إن لم يكن أقنعكم ما قلناه بعد في كتابنا هذا.

وأمّا الآن فما قلناه في هذا الباب قد يكتفي به المتعلّمون.

ولذلك فإنّي قاطع الكلام في هذا الموضع.