Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: De Sophisticis Elenchis (On Sophistical Refutations)

〈مراتب الصعوبة فى حل التضليلات〉

وقد ينبغى أن تعلم أن من الكلام كلاما تسهل معرفته، ومنه ما تضعف معرفته. فكثيرا ما يكون الكلام كلاما واحدا فيضل السامع له فى وجوه كثيرة. فمنه ما يكون من اللغة، ومنه ما يكون من العارض. وقد يكون الاتصال من غير هذه الجهة، أى من نقل الأحرف عن مواضعها، فلا تكون حال الكلام بما كانت عليه، ولا كالاتصال الذى يكون من اشتراك الأسماء، فإن ذلك النوع أسخف أنواع الاتصال؛ ومنه ما هو معروف عند كل من سمعه، لا سيما جميع الكلام الذى يضحك منه ما خلا يسيراً، كقولك: رجل كان يؤتى به على سلم بكرسى، وكان متوثباً على سنان الرمح؛ ومن ذلك أن يقول أى البقرتين تضع من مقدمها، وليست منهما واحدة تضع من مقدمها، بل كلتاهما تضع من خلفها. ومن ذلك قول القائل: إن 〈ربح〉 الشمال صافية وأكثر هذا الكلام بهذا النحو معروفة سخافته. ومنه ما يغبى على المهرة. وعلامة ذلك أنهم ربما ناقض بعضهم بعضا فى الأسماء. من ذلك أنهم يسألون فيقولون —

إذا قال قائل هو، وقال أيضا واحد، فهذان دلالتهما واحدة فى كل معنى، أو كل واحد له دلالة غير دلالة صاحبه، فقد ظن أقوام أنهما يدلان على شىء واحد، وظن آخرون ما قال زينون ويرمنيدس أنه بقدر ما صارت له جهات الواحد كثيرة، بقدر ذلك ينصرف الذى هو لأوجه كثيرة؛ وكذلك سائر الكلام: منه ما سهلت معرفته ما يعرض فيه وينصرف له، ومنه ما عسرت معرفته. والمعرفة فى أى جنس هى، وهل يجب أن يكون مضللا أو غير مضلل؛ وأصعب الكلام ما كان مضطراً إلى الشك فيه، لأن ذلك من الكلام وهو عويص، والشك شكان: أحدهما فيما الف من الكلام؛ فإن ذاك إذا رفع منه أحد شيئاً كان مشكوكا فيه؛ والشك الآخر يكون فى أهل الشغب عند مماحكة بعضهم بعضا: كيف ينبغى أن يقول القائل مقدمته؟ من أجل ذلك القصاص من الكلام فى المقاييس يوجب الفحص 〈جدا〉. والقصاص فى المؤلف من الكلام هو الذى يكون من الذى يظن كثيرا أن المحمود منهما يرفع —

ويوضع، لأن هذا القول، وإن كان قولاً واحداً، إذا بقيت مناقضة مقدمته، كان تأليفه واحداً، ومن أجل ذلك تجب المسئلة والحيرة فيه بالاضطرار. فهذا القول خاصة وما كان مثله مضاءً وهو الذى يجعل النتيجة مساوية للمسائل. — والقول الذى فى مرتبة ثأنية من الصعوبة هو الذى يجعل النتيجة من الكل شبيهة به؛ فإن هذا القول أيضا يلجئنا إلى أن نسأل فى أى المقدمتين يبطل. وذلك عسر صعب: لأن إبطال أحدهما واجب، فأما أيهما يبطل، فليس بمعروف. — فأما الصعب من كلام أهل الشغب ألا يكون استبان نصف أو كل ما ألف منه المقياس أو لم يؤلف؛ وإن كان تأليفا: أمن كذب تأليفه، أم من قسمته؟ ومن أجل النتيجة كان ذلك، أو من أجل المقدمات؟

وربما كان القول الذى فيه تأليف جاهلا أهلاً أن يحتقر إذا كانت مقدماته إما كاذبة وإما غير محمودة؛ وربما لم يستأهل التهاون، لأنه إذا كان ينقض شىء من المسائل التى كهذه إما عند سامع القول، وإما من قائله، فلم يستدرك ذلك ولم يؤلفه، فذلك المقياس جاهل. وإذا كان ذلك لا بضد القول، بل من الذى خارج من القول، فليس القول بأهل أن يحتقر، لأن القول مذهب لين، والسائل قد سأل ولم يجد. فكما أنه يجوز لنا مرة أن ننقض عند القول ومرة عند المسائل أو المسئلة؛ وربما لم يجز ذلك ولا عند واحد منهما، بقدر ذلك يجوز لنا أن نسأل وأن نؤلف بقدر وضع الكلام والمجيب فيه، وبقدر الزمان، إذا أمكننا النقض فيه.

〈خاتمة عامة〉

هذا ما قلنا فى أنواع المضلات، وكم من جهة يكون ذلك فى أهل الكلام، وكيف يرى القائل به كاذبا ويلجئه إلى أن يصير إلى غير محمود من القول، ومن غلب أى الأشياء يعرض الاستعجام، وكيف يجب أن يجعل السؤال، وما مراتب المسائل، ولماذا ينتفع بمثل هذا الكلام؛ وفى الجملة، كيف كل جواب، وكيف ينتقض الكلام ويعرف الاستعجام. فإذ قد فرغنا من ذلك كله وذكرنا ما كان من وعدنا فى أول الكتاب، فلنقل فى ذلك شيئا يسيرا، ثم لنختم الكتاب.

فقد كنا مشتاقين إلى أن نجد قوة مؤلفة للكلام —

من أجل الذى يضع مقدماته من الموجود كمن الظنون، لأن هذا فعل الديالقطيقيين وهم المجادلون — أى بالبلاغة — وكذلك فعل الزابرين للكلام الممتحنين له. فلما كانت المسئلة على من قال بهذا القول لمكان محاورة السوفسطائيين إياه أن استطاعته ليست فى أن يأخذ محنة الكلام بالبلاغة فقط، بل حاله فيها كحال من يعلمه. ومن أجل ذلك قلنا إن ليس القول وحده فعل الصناعة والمقدرة على أخذ القول واستيعابه، لكن فعلها، كيفما كان الجواب، أن يحفظ وضع الكلام فيجيب بما يشبه ذلك النوع من المظنون. وقد أخبرنا فيما مضى من كلامنا بعلة ذلك، وأن سقراطيس لذلك كان يسأل الجميع ولم يكن يجيب، وذلك أنه كان مقراً بأنه لا يعلم. وقد قيل أولاً من أى الأشياء يكون هذا، ومن كم، ومن أين نصير إلى حدته، وكيف السؤال، ومن أية مسئلة وجوابها، وبعض تآليف المقاييس، ومن سائر ما كان لهذه الصناعة من الكلام، وأتينا مع ذلك أيضا على جميع المضلات، فقد صرنا إلى غاية ما أردنامن كتابنا هذا.

ويجب ألا يذهب علينا ما عرض، وذلك أن كل ما وجده أحد من الكتب لا يعدو أن يكون إما موجودا من آخرين قد عنوا به فألفوا أجزاء من أجزائه فزاد عليه القابلون له منهم أخيرا. وما كان من الأصل موجودا، وما كان كذلك أقل ماعاد أن الزيادة فيه، وذلك أكثر منفعةً من التى قد زيد فيها أخيرا. والآبتداء فى كل شىء هو عظيم. ومن أجل ذلك صار عسرا مستعصبا، لأنه بقدر حاله فى القوة وشدتها بقدر ذلك صار صغيرا فى قدره فاستصعب وجوده. ومتى ما وجد أحد الابتداء، سهلت الزيادة فيه وتمام ما بقى منه. وقد يعرض هذا فى كلام الخطباء، وفى سائر الصناعات الأخر. فالذين وجدوا الأوائل فأقل ما قالوا ووضعوا؛ وأما الذين اتبعوا الآثار 〈فقد〉 سمعوا فأحسنوا، وذلك أنهم تناسخوا العلم من كثير، فزادوا فيه جزءا بعد جزء فأتموه بذلك. فطسيس أخذ من فعل هذا الفعل بعد من تقدمه؛ وبعد طسيس، تراسوماخوس؛ وبعد تراسوماخوس، ثيادروس، وكثر القول أجزاءا كثيرة. ومن أجل ذلك ليس بعجب أن تكون للصناعة كمية كبيرة.

فأما صناعتنا هذه فلم يكن منها شىء موجوداً مستعملاً، ومنها شىء موجوداً لا مستعمل، بل لم يكن منها شىء موجوداً ألبتة. فالذين يتأدبون بأن يضعوا أنفسهم للمراء والمحك فأدبهم شبيه بصناعة جرجيس.

لأن صناعة جرجيس الأدب، من كلام الخطباء، وصناعة الآخرين كلام المراء أو المحك. والذى كان يدعوهم إلى المراء أن أكثر ما كانوا يظنون أنهم يستعملون من الكلام هذين الضربين. لذلك كان يكون التعليم سريعا، إلا أنه لا منفعة فيه؛ وذلك أنهم لم يكونوا يعلمون صناعة، لكن كانوا يؤذنون بإفادة شىء للصناعة، كمن زعم أنه يفيد علما لئلا تحفى الأقدام ثم لم يعلم كيف صناعة الحذاء ولا من أين مكتسبها؛ ولكنه أضرب عن ذلك وأفاد علم قوالب الحذاء وكثرة أنواعها. فالذى فعل هذا الفعل قد أفاد شيئا معينا على الحاجة، ولم يفد صناعةً.

وقد قيل قديما فى كلام الخطب كثيراً. فأما فى السلجسموس وتأليف المقدمات فلم يكن لنا قديماً شىء، بل قد أقمنا زمنا مجتهدين فى طلب ذلك، بل قد ظهر لكم فيما تبحر ثم أن ما وجدت له أولية من الصناعات كان أفضل من سائر الصناعات التى تمت وزادت بالتناسخ.

فواجب على جميع من حضر من السامعين أن يعذروا على ما لم يوجد من الصناعة، وأن يشكرونا شكرا عظيما على الموجود منها.

][ تم كتاب أرسطوطالس المسمى «سوفسطيقا» فى التبصير بمغالطة السوفسطائية — نقل الناعمى. ولله على ذلك الحمد والمنة.

قوبل به وصح ][

〈مراتب الصعوبة فى حل التضليلات〉

وينبغى أن نتأمل جميع الأقاويل: فإن منها ما يسهل الوقوف عليه، ومنها ما يعسر ذلك فيه جداً. وقولنا: «نحو شىء»، و«فى شىء» شديدة التضليل للسامع إذا قيلت فى أشياء واحدة بأعيانها. وذلك أنا ينبغى أن نسمى الكلمة الواحدة بعينها بما إليه تنسب. وقد تكون الكلمة الواحدة بعينها: أما عند بعض الأمور فمن الصوت، وفى بعضها من العرض، ويظن ببعضها أنها من معنى آخر، من قبل أن كل واحد من هذه إذا أتى به مختلفا لم يكن ما يفهم منه على مثال واحد، بمنزلة ما فى هذه التى تكون من الاشتراك فى الاسم النحو المظنون من الضلالات أشد خطأ. فأما هذه فتكون معلومة فى جميع التى من العرض. وذلك أنا قد نجد جميع الأقاويل المضحكة — إلا الشاذ منها — إنما يكون من الصوت: مثال ذلك أن رجلا كان يصعد على سلم الكرسى،: إلى أين؟ — إلى السارية، و: أى الثورين رأيت قدام؟ ولا واحد منهما، بل جميعا من خلف،: و: هل 〈ريح〉 الشمال خالصة؟ — كلا، وذلك أنه مما يقتل المسكين والذى كان يبيع، و: هل هو أو ورخوس؟ كلا، بل هو أفولونيدس. وعلى هذا النحو بعينه يكون فى أكثر الأشياء الأخر إلا اليسير منها. وقد يضل بهذه الأشياء القوم الذين يظن بهم أن لهم دربة. ويدل على هؤلاء أنهم كثيرا ما يختصمون فى الأسماء، أعنى نقل الموجود والواحد يدلان على جميع الأشياء دلالة واحدة بعينها، أو مختلفة. وذلك أن هؤلاء الذين يظنون أن الموجود والواحد يدلان على شىء واحد بعينه هم الذين ينقضون قول زينن وبرمانيدس لأن هذين يقولان إن الواحد والموجود يقالان على معان كثيرة. وعلى هذا المثال يجرى الأمر فى التى من العرض ومن كل واحد من تلك الأخر. فأما بعض هذه فالنظر فيها يكون من أوائل سهلة، وبعضها من التى هى عسرة جداً، إذ أخذت فى جنس ما؛ وليس أن ينظر فى أن هل هذا تبكيت أو ليس بتبكيت مما يسهل. والنظر فى جميعها يكون على هذا المثال.

والكلام الحاد السديد هو الذى يجعلنا كثيرى التشكك، وذلك أن هذا هو خاصة الذى يمس. والتشكيك يكون إما مثنى وإما مضاعفا: أما ذاك فبأن يرفع من التى قد ألفت شيئا من السؤالات؛ وأما هذا ففى هذه الأشياء الأخر. وكيف يقول القائل الأقاويل التى قد امتدت؟ ولهذه العلة تكون الأقاويل الحادة فى القياسات خاصةً هى التى تبعثنا على البحث. وأما القول القياسى الحاد جذا فهو الذى إنما يكون على —

الأكثر من الأمور المظنونة، لأنه إنما يرفع على الأكثر الرأى المشهور؛ وذلك أن القول الواحد إذا تغير وضع المقدمة فيه كانت جميع التأليفات الكائنة عنه على مثال واحد، لأن من الواجب أن يكون رفعنا الأقاويل المشهورة بأقاويل مثلها مشهورة. ولهذه العلة نضطر إلى التشكك. فأما الأقاويل الحادة جداً فهى التى تنتج بالسؤال عن الأمور المتساوية. — والثانى هو الذى ينتج من جميع الأشياء المتشابهة؛ وذلك أن هذه تجعل تشككنا على مثال واحد فى أمر السؤالين، وأيهما نرفع؛ وذلك أن هذا صعب، لأنه ليس — يعلم أيما منهما إذا رفعناه نكون قد نقضنا من الكذب أو من القسمة. والثانى من تلك الأخر فهو الذى قد علم أنه يكون من القسمة أو من الرفع، إلا أنه ليس يظهر من أى السؤالات يكون النقض: أبالرفع يكون، أم بالقسمة؟ بل النظر فى أن من أى هذين يكون هذا: هل هو من الجمع، أو من بعض المسائل؟

وربما كان القول الذى لم يؤلف ركيكا إن كانت المأخوذة فيه إما بعيدة من الشهرة جدا، أو كاذبة؛ وربما كان لا يستحق أن يستهأن به. فإذا كان القول عادما لشىء من أمثال هذه المسائل نحو أى شىء كان القول، ولأن المتكلم لم يأخذه على ما أخذ ولا ألف، فإن القياس يكون ركيكا. وإذا كان من الأشياء التى من خارج، فليس يسهل أن يستهان به، بل يكون القول رقيقا، فإن الذى سأل لم يسأل حسنا.

وهذا مثل أن يجعل النقض: أما أحياناً فمصروف إلى القول، وأحياناً مصروف إلى السائل وإلى السؤال. وليس يكون فى وقت من الأوقات مصروفاً إلى غير هذه، وكذلك إذا سألنا، فإذ أن يسأل وأن يؤلف يكون بحسب الموضوع وبحسب المجيب وبحسب الزمان إذا كان الزمان الذى يتكلم فيه فى النقض زمانا طويلا.

〈خاتمة عامة〉

فأما كم وأى الأشياء هى التى تكون منها ضلالات المتكلمين، وكيف يعمل فى إظهار كذب الكاذب الذى يأتى فى قوله بالعجائب، ومماذا يعرض السولوقسموس، وكيف يسأل، وكيف ترتيب المسائل، ونحو ماذا ينتفع أيضا بهذه الأقاويل كلها التى تجرى هذا المجرى، وفى كل جواب على الإطلاق، وكيف ينقض الأقاويل والسولوقسموس: فقد تكلمنا فى جميع هذه الأشياء. فلنتكلم الآن بإيجاز فى الغرض الذى إياه قصدنا من أول الأمر على جهة الإذكار. ونختم بعد ذلك ما تكلمنا فيه.

وقد كنا نود أن تحصل لنا قوة قياسية —

بسبب ما تقدم وصفنا له من الأشياء المشهورة جدا. وهذا هو من فعل الرجل الجدلى خاصة والامتحانية. ولأنه قد ينضاف إلى ما يستعد مما يتجابه نحو هذه بسبب التقارب بينهما، الصناعة السوفسطائية من قبل أن الممكن عندها ليس إنما هو الامتحان الجدلى فقط، بل كما يفعل العالم. فلذلك لم يقتصر على أن يجعل فعل الصناعة هو ما ذكرناه فقط، وهو ما لها من إمكان أخذ القول، بل وعلى أنا إذا تخيرناه حفظنا الموضوع باشتراك الاسم، كما يفعل فى الأشياء المشهورة جداً. وقد قلنا ما العلة فى ذلك. ولهذا السبب كان سقراط يسأل كل أحد، إلا أنه كان لا يجيب؛ وذلك لأنه كان يعترف بأنه لا يحسن. وقد علم مما ذكرناه فيما تقدم ما غايات هذه الصناعة، وكم شىء تكون، وأرشدنا إلى المواضع التى تحصل لنا بها الغزارة فى هذه الأشياء. وذكرنا مع ذلك أيضا كيف نسأل، وكيف نرتب سائر المسائل، وكذلك تكلمنا فى الجواب وفى وجوه نقض هذه القياسات. وقد يعلم مما ذكرناه سائر الأشياء الأخر الموجودة للصناعة الكلامية نفسها، وما عملناه على ذلك فى سوء القياس كما قلنا فيما مضى.

فقد ظهر أنا بلغنا فيما قصدنا من أول الأمر إلى غاية يكتفى بها. وقد ينبغى ألا يغفل عما عرض لهذه الصناعة دون سائر الصنائع الموجودة. وذلك أن تلك لما كانت فيما سلف مأخوذة عن آخرين، وكان التعب فيها قد تقدم أولا أولا، اتسعت بنظر قوم آخرين من المتأخرين فيها. فأما الصنائع التى هى فى ابتداء وجودها فمن شأنها أولا أن تكون حرجة. وهدا الابتداء أنفع كثيراً من التزيد الذى يحصل لها بأخرة من هؤلاء. ولعل الأمر كما يقال من أن الابتداء بكل شىء عظيم جدا، إنما هو من أجل هذا. وذلك أن بحسب ما يوجد له من فضل القوة فبذلك النحو يكون مقداره أصغر ليكون الوقوف عليه فيما يظن عسيرا جدا. فإذا وجد هذا فإن التزيدات الباقية وإنماء الصناعة يكون بعد ذلك سهلا. ومثل هذا أيضا عرض للأقاويل الخطبية ولجميع الصنائع الأخر على أكثر الأمر. وذلك أن تلك لما وجدت مبادؤها إنما احتاجوا أن يأتوا لتكميلها بشىء يسير. وهذه التى قد ظهر فيها فى هذا الوقت النجاح فإنما حصل ذلك لها عمن يتداولها أولا فأولا، بأنه أتوا أولاً فيها باليسير، ثم زيدوها: أما بعد القدماء فطيسياس، وبعد طيسياس تراسوماخوس، وبعد هذا ثؤدوروس. وانضاف إليها أجزاء كثيرة مما جمعه قوم كثيرون. ولهذه العلة ليس من العجب أن يكون ما فى هذه الصناعة بهذه الكثرة. فأما هذه الصناعة فليس إنما كان بعضها موجودا وبعضها غير موجود، وإنما أضيف إليها الآن، لكن لم يكن منها شىء موجوداً ألبتة. فإن ممن أنصرفت عنايته إلى الأقاويل المرائية من حصل له شىء من التأدب شبيه بالصناعة التى عملها جورجيس.

وذلك أن الأقاويل الخطبية إنما أفادتنا العلم بالأمور المحبوبة. وكانوا يظنون على أكثر الأمر أنهم قد أدركوا هذه الأقاويل، ولأنهم كانوا يعجلون فى التعليم لم يكن من يتعلم منهم يستفيد صناعة، وذلك أنهم لم يكونوا أخذوا عنهم صناعة؛ لكنهم لما أفادوا أشياء صناعية توهموا أنهم قد أكسبوا تأديبا ما. وكما أن قائلا لو قال: إننى أفيدكم صناعة لا ينال أرجلكم معها ألم إن أنتم قطعتم الجلود، لما كان قد أفادهم ولا أوجدهم السبيل التى يمكن بها تحصيل أمثال هذه الأشياء، بل كان قد أعطانا أجناساً كثيرة للخفاف مختلطة غير مفصلة. وذلك أن هذا: أما على الوصول إلى المنفعة فقد أعان، إلا أنه لم يفد صناعة. — ولأن أشياء خطبية كثيرة قد كانت موجودة فى سالف الدهر؛ فأما فى عمل القياس فلم يكن عندنا قديما فيه شىء؛ إلا أنا بعد أن كددنا فى الطلب زمانا طويلا فإن كان قد يظهر لنا عند الفحص أن لهذه الصناعة من الأمور التى تجرى هذا المجرى فى ابتداء أمرها ما يكتفى به وهو زائد على على ما للصنائع الأخر التى إنما تزيدت بتعاقب الناظرين فيها عليها.

فليتشاغل جميع من سمع قولى إلى الصفح عما وقع فيه تقصير من هذه الصناعة، ويفيد ما قيل فيها من النعم السابقة.

][ تم كتاب «سوفسطيقا»، أى: التظاهر بالحكمة، لأرسطوطالس الفيلسوف، نقل عيسى بن اسحق بن زرعة — من السريانى بنقل أثانس.

وكتبت هذه النسخة من نسخة الحسن بن سوار؛ وهى منقولة من دستور الناقل ][