Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: De Sophisticis Elenchis (On Sophistical Refutations)

وأنحاء التبكيت هما نحوان: أحدهما من القول، والآخر خارجا عن القول. وأقسام النحو الكائن عن القول التى عنها تكون الشبهة عددها ستة، وهى هذه: أحدها الاتفاق فى الاسم، والمراء، والتركيب، والقسمة، والتعجيم، وشكل القول. وتحقيق ذلك يكون بالاستقراء والقياس. وهذا يكون إذا أخذ شيئا ما أخذا مختلفا وواحداً بعينه فى الأسماء والكلم فلم تكن دلالته واحدة بعينها. — والمثال على الألفاظ التى هى أسماء متفقة هو كقولنا: «هؤلاء يتعلمون»، «هؤلاء يعلمون». وذلك أن التى يلفظ بها هى التى يتعلمها النحويون، فإن لفظة «يتعلمون» اسم مشترك يدل على أنا نفهم ونعرف عند استعمال العلم ويدل على اقتباس العلم. وأيضا أن الشرور خيرات، والأمور الواجبة خيرات. والشرور تكون واجبة. وذلك أن الواجب يقال على جهتين: أحدهما الضرورى الذى يعرض على أكثر الأمر وعلى الشرور، لأن بعض الشرور ضرورى. وقد نقول فى الخيرات إنها واجبة. وأيضا الشىء الواحد بعينه معا: قاعدا وقائما، ومريضا وصحيحا. وذلك أن الذى كان قائما يقوم والذى كان صحيحا هو صحيح، والقائم هو الذى كان قاعدا، والصحيح هو الذى كان مريضا، وذلك أن قولنا: «مريض»: فاعلا كان أو منفعلا، ليس يدل على شىء واحد، لكنه يدل أحيانا على الذى هو مريض، وأحيانا على الذى كان فيما مضى مريضا، لكن المريض والذى كان مريضا هو الآن صحيح، والصحيح ليس هو المريض، بل الذى كان مريضا، لا فى هذا الوقت، لكن فيما سلف.

فأما التى من المراء فتكون على هذا النحو: «يريدون للمقاوم لى يأخذون». و: «أترى الذى يعلمه الإنسان فذاك يعلم» — وذلك أن هذا القول يمكن أن يكون دالا على العالم وعلى المعلوم كأنه عالم. و: «أترى الذى يبصره الإنسان فذاك يبصر؟» و«هو يبصر العمود»؛ «فالعمود إذن يبصر». و: «أترى الذى قلت إنه موجود أنت هو الموجود؛ وأنت قلت إن الحجر موجود؛ فأنت إذن قلت إنك حجر». وأيضا القول بأن «الساكت يتكلم»، يفهم منه معنيان: أحدهما أن الساكت يتكلم، والآخر أن المتكلم يسكت. وهذه هى الأشياء التى يتكلم بها.

فالأنحاء التى تكون من اتفاق الاسم والمراء ثلاثة: أحدها إذا كانت الكلمة والاسم على الحقيقة تدل على معان كثيرة — مثال ذلك: النسر والكلب. والآخر إذا جرينا على العادة فيما نقوله على هذه الجهة. والثالث عندما يكون القول إذا ركب دل على كثير، وإذا فصل دل على واحد، مثال ذلك قولنا: معرفة الكتابة. وذلك أن كل واحدة من لفظتى الكتابة والمعرفة قد عرض أنها تدل على واحد. فأما المجتمع منهما فيدل على أكثر من واحد، لأنه يدل إما على أن الكتابة معرفة، أو على أن الكتابة معروفة عند آخر.

والمراء واشتراك الاسم يكونان من أمثال هذه الأنحاء. — وأما المواضع التى من التركيب فتكون على هذا النحو: مثال ذلك: قد يمكن الجالس أن يمشى، والذى لا يكتب أن يكتب، وذلك أنه ليس دلالة القول إذا قيل بغير تركيب وإذا ركب فقيل: الجالس يمكن أن يمشى، والذى لا يكتب أن يكتب — واحدة بعينها. وكذلك يجرى الأمر إذا ركبت، مع أن الذى ليس يكتب يكتب. وذلك أن هذه تدل على أن له قوة إذا كان ليس يكتب على أن يكتب وإن لم يركب أن له قوة وهو لا يكتب على أن يكتب، مع أنه يتعلم الكتابة الآن أن يكون يتعلم ما يعلم. وأيضاً الذى يمكنه أن يأتى بشىء واحد فقط يمكنه أن يأتى بأشياء كثيرة.

وأما من القسمة فإن الخمسة اثنان وثلاثة، وأزواج وأفراد، وأن الأكبر مساو، وما يجرى هذا المجرى. وأيضا فإن القول إذا قصد به شىء فليس يظن به دائما إذا فصل وركب أنه يدل على معنى واحد بعينه، مثال ذلك أنا جاعل لك عبداً وأنت حر.

وأما من الخمسين الرجل فقتل المحمود أخيلوس مائةً.

وأما الموضع الذى من التعجيم فليس يسهل على المتكلم أن يأتى فيه بقول من دون الكتابة. بل هو فيما يكتب وفى الشعر خاصة، مثال ذلك أن قوما يسددون أوميروس عند اللائمين له كأنه قد قال منكرا عند قوله: «ليس يعفن بالمطر»، ويحلون ذلك بالتعجيم بأن يجعلوا لفظة «ليس» مثقلة جدا. وكذلك ما فى رؤيا أغا ممنن من أن ليس زاوس هو الذى قال إنا نمنحه الحمد ليحصل له، إلا أنه أوعز إلى الرؤيا بإعطائه ذلك.

فأمثال هذه الأشياء هى التى تكون عن التعجيم. والأشياء التى تعرض من شكل القول هى التى الواحد بعينه منها ليس يعبر عنه على جهة واحدة، مثال ذلك تأنيث المذكر أو تذكير المؤنث، أو بالذى ليس بمذكر ولا مؤنث، وبأن يوصف أيضا ما من الكيفية بالكمية أو من الكمية بالكيفية أو الفاعل بأنه منفعل أو الموضوع بأنه فاعل. وتلك الأشياء الأخر بحسب قسمتها بدءا. وذلك أن ما يجرى هذا المجرى يكون عندما يوجد شىء ليس من الأشياء التى تفعل فيجعل القول الدال عليه كالدال على شىء من الأشياء الفاعلة بمنزلة القول القائل الصحيح فأنه سببه فى شكل القول بالقول القائل القاطع الناقض الدانى، وإن كان ذلك إنما يدل على كيف ما وكيف يضع الذى يفعل شيئا ما. وعلى هذا النحو يجرى الأمر فى الأشياء الأخر.

فهذه هى التبكيتات التى فى القول؛ ووجودها يكون من أمثال هذه المواضع. — وأنواع التضليلات الخارجة عن القول سبعة: فالأول المأخوذ من الأعراض؛ والثانى من حمل شىء على شىء على الإطلاق، أو ليس على الإطلاق، بل فى شىء أو بحيث أو فى زمان أو بالإضافة. والثالث يكون من عدم العلم بالتبكيت. والرابع الذى يكون من اللوازم. والخامس من الأمور المأخوذة بدءاً. والسادس من وضع ما ليس بعلة على أنه علة. والسابع أن يجعل السؤالات الكثيرة سؤالاً واحداً.

〈التبكيت فى القول وخارج القول: التبكيت فى القول〉

وأنواع التبكيت على جهتين: منها ما يكون بالكلمة، ومنها ما يكون خارجا من الكلمة. فاللاتى

مداخل الشبهة على الفهم بسبب الكلمة الملفوظ بها ستة عدداً: أولها اشتراك الأسماء؛ والثانى الشك فى الكلام؛ والثالث تركيبه؛ والرابع تجزئته وقسمته؛ والخامس إعرابه بالعلامات والنقط؛ والسادس صورة الكلام وشكله. وتحقيق ذلك أنا نكرر الكلام والأسماء مرارا بأعيانها فلا ندل بها على شىء واحد. فالكلام الذى من اشتراك الأسماء مثل قولك إنما العلماء بالنحو يعلمون وإن الذى أطلقت ألسنتهم منذ قريب يعلمون. فالتعليم اسم مشترك يقع على الذى يتفهم هو ونفسه ويستنبط، وعلى الذى يستفيد ويتعلم من غيره. فأما فهمه والمعرفة به فذاك استعمال العلم واتخاذه. وكقولك إن الضرر خير، والخير قد ينبغى أن يكون، فالضرر إذاً ينبغى أن يكون. وقولك «ينبغى» على جهتين: إحداهما الواجب الذى يعرض كثيرا من فنون الضرر والشرور، فقد يكون شر باضطرار. والجهة الأخرى أن الخير ينبغى أن يكون غير مدافع. ونقول أيضا فى الشىء الذى بعينه إنه كان قاعدا وقائما، وصحيحا ومريضا، والذى كان قائما «قام»، والذى كان صحيحا «صح»؛ ولم يقم إلا القاعد، ولم يصح إلا المريض. فأى شىء فعل المريض أو فعل به فليس يدل على شىء واحد إلا أن يلحق بذلك شىء كان فعله إذا كان مريضا أو إذا كان صحيحا أو إذا كان قائما أو إذا كان قاعدا. فالفعل من المريض يدل أحيانا على فعل المريض اليوم، وأحيانا على فعل مريض كان مريضا قبل اليوم؛ ويسمى صحيحا متى نقه من مرضه، ويسمى صحيحا من ليس له عهد بمرض. فهذا ومثله من اشتراك الأسماء.

والشك فى الكلام كقولك: الشىء الذى يعرف الإنسان هو يعرف، والإنسان يعرف الحجر، والحجر إذاً يعرف. فإن قولك: «يعرف» قد يقع على العارف وعلى المعروف. وأيضا الشىء الذى يراه الإنسان هو يرى، والإنسان قد يرى الأسطوانة، فالأسطوانة إذن ترى. وأيضا ما قال الإنسان إنه كذلك فهو كذلك؛ والإنسان قال حجر؛ فهو إذن حجر. وأيضا ما قلت فيه إنه قد تقول فى نفسك إنك بمثل ما قلت فيه فقد تقول فى الحجر إنه، فأنت حجر لا محالة. وأيضا كقولك: هل يجوز أن يتكلم إلا متكلم؟ — كان ذلك على جهتين: أحدهما على صمت المتكلم؛ والآخر على أنقطاع الكلام.

وقد يكون أيضا من اشتراك الأسماء والتشكيك ثلاثة أنحاء: منها إذا كان الاسم والكلمة يدلان بالكثير على الحقيقة كقولك: عقاب، كلب. ومنها إذا قلنا ما جرت عليه عادتنا. ومنها ما إذا كان مركبا مؤلفا دل على الكثير، وإذا كان مفترقا على غير تأليف دل على مبسوط من الأمر مرسل كقولك: علم الكتابة. فكل واحد من هذين الحرفين إذا أنفرد دل على شىء واحد إن قلت: «علم»، وإن قلت: «كتابة». فإذا اجتمعا دلا على الكثير، إما أن يثبت للكتابة علم، وإما أن الكتابة للكاتب. — فالتشكيل والاشتراك فى الاسم إنما يكون من هذه الأنحاء. وقد يكون من التركيب والتأليف أنحاء غيرها كقولك: قد يستطيع الجالس أن يمشى، ومن لا يكتب أن يكتب، فلا تكون دلالة هذين القولين بحال واحدة إذا كان القول مؤلفا أو مفترقا. وذلك أنك إذا قلت بالتأليف إن من لا يكتب يكتب دللت على أن له قوة على الكتابة فى الوقت الذى لا يكتب، وعلى تعليم الكتابة واستفادتها فى الوقت الذى لا يعلم. ومما يشبه ذلك أن نقول إن الذى يستطيع أن يأتى بشىء واحد قد يستطيع أن يأتى بالكثير. فهذه الأنحاء التى تكون من تأليف الكلام وتركيبه.

ونقول بالتجزئة والقسمة كقولك إن الخمسة اثنان وثلاثة، أزواج وأفراد؛ ويقال الأكثر مساو لمثل هذا العدد ولأكثر منه قليلا، وليس ما فضل من الكلام ثم ألف كانت دلالته واحدة وإن ظن به ذلك. وتقول: أنا صيرت الأحرار عبيدا.

ونقول إن الماجد أشلوس قتل من خمسين رجلا مائة.

فأما النوع الذى يكون من جهة الإعراب وتعجيم النقط والعلامات فليس يسهل علينا الكلام فيه دون أن ننطس بكتاب مقدمات أهل المجادلة. ولكنا سنبين منه شيئا بما قد كتب وقيل من الأشعار مثل قول من [أ]عاب أوميروس وخطأه فى قوله إن كذا وكذا ليس شانيا للمطر، فأجاب عنه أقوام فقالوا بوضع علامة فى التعجيم على لفظة «ليس» فينقلها فتصير على جهة الاستفهام فيصح معناها. ويقولون فى منام أغا ممنن: ليس زوس القائل يعطيه الفخر، لكنه أمر لصاحب الرؤيا أن يعطيه الفخر. فهذا من القول — ومثله يدخل التشبيه بسبب التعجيم والإعراب وهو منصرف غير ثابت.

فأما الأنحاء التى تكون من شكل الكلام فإنها أنحاء ثلاثة، لا مثل الكلمة إذ كانت بحال واحدة ولم تتقسمها تلك الحال. فأصل الكلمة التى تصير المذكر مؤنثا والمؤنث مذكرا أو تكون ما بين هذين فيوضع مكان واحد منهما، أو توضع الكمية مكان الكيفية، أو الكيفية مكان الكمية، أو الفاعل مكان المفعول، أو المفعول مكان الفاعل، وسائر ذلك مع مثل ما قسمنا وجزأنا أولا. فكثيراً ما تكون الكلمة دليلا على مفعول، ومخرجها يدل على فاعل — من ذلك أن القوى تدل على كيفيته ووصفه. وقولك: «يقطع»، «يبنى» قد يدل على كيفية فعله ذلك. وكذلك يجرى هذا القول فى سائر الأشياء المشاكلة له.

والمباكتات التى تكون من الكلام فبهذه الجهات تكون. فأما أنواع المضلات التى تكون خارجة من الكلام فهى سبعة عدداً: الأول منها يكون بالعرض: والثانى — مرسلا كان أو غير مرسل —، يكون إما فى شىء، وإما فى مكان، وإما فى زمان، وإما مضافا إلى شىء. والثالث يكون من قلة العلم بالتبكيت. والرابع يكون من لواحق الكلام ومن وضع المقدمات. والخامس يكون من أول المسئلة. والسادس يكون بإثبات علة لا كعلة. والسابع أن يجعل المسائل الكثيرة مسئلة واحدة.