Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: Historia Animalium (History of Animals)

〈الأجزاء الباطنة. المخ〉

فهذا وضع أعضاء الجسد فيما يلى الناحية الظاهرة منه، بقدر ما رتبها الطباع، وأسماؤها كما سمينا فيما سلف. وهى معروفة بينة لحال العادة التى جرت. وأما الأعضاء التى فى باطن الجسد، فعلى خلاف ذلك، لأنها ليست معروفة لكثير من الناس، فنحن نذكرها ونقيسها إلى سائر أعضاء الحيوان الذى طبيعته قريبة من طبيعة الإنسان — لما هو يجب من وضع كتابنا.

فالدماغ موضوع فى مقدم رأس الإنسان، وهو موضوع على مثل هذه الحال [٢١] فى سائر رءوس الحيوان. ولجميع الحيوان الذى له دم: دماغ أيضاً. وللحيوان البحرى الذى يسمى باليونانية مالاقيا: دماغ. وحوله شغافان. فأما الإنسان فدماغه كبير جداً بقدر عظم رأسه. وهو رطب جداً، وحوله شغافان يحيطان به من كل ناحية. والصفاق الذى يلى العظم أقوى من الآخر جداً. فأما الصفاق الذى يلى الدماغ فهو فى القوة دون الصفاق الذى سميناه الآخر. والدماغ مجزأ بجزئين فى جميع الحيوان. وخلف الدماغ دماغ آخر فى بطن من بطون الرأس مخالف لهذا الدماغ الذى فى مقدم الرأس، بالنظر واللمس.

فأما مؤخر الرأس فهو مجوف خال بقدر عظم كل رأس. ورءوس بعض الحيوان عظيمة، ووجوهها أصغر من رءوسها، وذلك فى بعض الحيوان المستدير الوجه. ولبعض الحيوان رأس صغير، ولحيان كبيران طويلان، مثل جنس جميع الحيوان الذى ذنبه كثير الشعر.

وليس فى الدماغ دم ألبتة، ولا فيه عرق من العروق؛ وهو بارد تحت اللمس. وفى وسطه موضع عميق مستطيل. فالدماغ فى جميع الحيوان على ما ذكرنا. فأما الصفاق الذى يليه ففيه عروق. وإنما الصفاق شبيه بجلد رقيق حابس للدماغ. وفوق الدماغ عظم رقيق ضعيف جداً أكبر من عظام سائر الرأس، وهو فى المكان الذى يسمى اليافوخ.

وفى كل عين ثلاثه سبل آخذة إلى جوف الرأس. فأما الأعظم والأوسط منها فإنهما آخذان إلى مؤخر الرأس. فأما الصغير فهو آخذ إلى الدماغ بعينه. وأما السبيل الأصغر فهو الذى يلى الأنف خاصةً. والسبيلان العظيمان أحدهما قريب من الآخر، ومذهبهما واحد. وأحدهما يلقى الآخر قبل أن ينتهى إلى مكانهما. وذلك بين فى السمك خاصة، لأن هذين السبيلين فى السمك يقربان من الدماغ. فأما السبيلان الصغيران فإن أحدهما يبعد من الآخر جداً وليس يلتقيان ألبتة.

〈الرقبة والرئة〉

وفى داخل العنق يوجد المرىء، وهو ضيق مستطيل. والوريد موضوع فى مقدم العنق، وخلفه المرىء فى الناحية [٢٢] التى تلى القفا. فهذا وضعهما فى جميع الحيوان الذى له مرىء ووريد، أعنى قصبة الرئة. وإنما يكون هذا الوريد فى جميع الحيوان الذى له رئة. وخلقة الوريد من غضروف. وهو قليل الدم، تحيط به عروق دقاق جداً. ووضعه من الناحية العليا بعد الفم قبالة ثقب المنخر، وهو الثقب الآخذ إلى الفم. ولذلك ربما شرب الإنسان فخرج بعض تلك الرطوبة من المنخر، لحال الفتح الذى فيما بين الأنف والفم. وفيما بين الثقبين العضو الذى على أصل اللسان، وهو شبيه بغطاء يغطى قصبة الرئة لكيلا يقع فيها شىء من الطعام أو الشراب. وأما الناحية السفلى من القصبة فإنها تفترق بفرقين شبيهين بأنبوبتين، ويأخذان إلى جوانب الرئة، فإن الرئة تنشق أيضاً بجزئين. وهى على مثل هذه الحال فى جميع الحيوان الذى له رئة. ولكن ليس ذلك الافتراق بيناً جداً فى الحيوان الذى يلد حيواناً مثله، وخاصة فى الناس، فإن رئة الإنسان ليست كثيرة الافتراق، مثل افتراق رئات بعض الحيوان الذى يلد حيواناً مثله، ولا هى ملساء، بل فيها اختلاف. فأما فى الحيوان الذى يبيض بيضاً، مثل جنس جميع الطائر وما كان من الحيوان ذا أربعة أرجل يبيض بيضاً، فإن الرئة توجد فيه كثيرة الافتراق. ولذلك يظن كل من يعاينها من الجهال خلقتها أنهما رئتان. فأجزاء قصبة الرئة تفترق، وتنتهى إلى العرقين اللذين ذكرنا أنهما فى الرئة: كل واحد من الجزئين إلى عرق واحد.

وتلك القصبة لاصقة بالعرق العظيم والعرق الكبير الآخر الذى يسمى باليونانية أورطى، فإن نفخ أحد فى قصبة الرئة، دخلت الريح إلى المواضع العميقة المجوفة التى فى الرئة، ولذلك ينتفخ وتنتفخ جميع الرئة، فإن فى الرئة ثقباً وأماكن مجوفة، خلقتها من غضروف. وأواخر تلك الثقب ضيقة حادة، فأما أصولها فواسعة. وتلك القصبة لاصقة بالقلب أيضاً، كأنها مربوطة برباط خلقته من غضروف وعصب دقيق شبيه بالشعر. ويعلو ذلك كله شحم. والمكان الذى يكون [٢٣] فيه التزاق القصبة والرئة عضو متحكك. ومن الحيوان ما إذا نفخ فى رئة الحيوان العظيم الجثة فهو يستبين، لأن الريح تصل إلى الرئة.

فهذه حال قصبة الرئة. فهى معبر ومسيل ريح الشفتين إذا دخلت وإذا خرجت. وليس تقبل القصبة شيئاً من الطعام ولا الشراب: لا يابساً، ولا رطباً، إن لم يقع فيها شىء بغتةً. فإن عرض ذلك، سعل صاحبه سعالاً متتابعاً حتى يلقيه. فإن بقى منه شىء، كان علة خنق، أو موت، أو أمراض مزمنة ومهلكة.

〈المرىء〉

وأما المرىء — وهو الذى يسمى فم المعدة — فإنه موضوع خلف القصبة، لاصق بها. وابتداؤه من ناحية الفم العليا التى تلى أصل اللسان. وهو لاصق بالقصبة، كما وصفنا. وبينهما رباط من صفاق رقيق يضمهما. وهو آخذ إلى الحجاب الذى فى الجوف ومنه يأخذ إلى البطن. وخلقته من لحم يمكن أن يمتد ويتسع بالطول والعرض.

〈البطن〉

فأما بطن الإنسان فإنه شبيه ببطن الكلب، وإن كان أوسع منه. ومن البطن يخرج معىً مبسوط ملتف التفافاً يسيراً، وهو عريض. وأما البطن الأسفل فهو شبيه ببطن خنزير، لأنه عريض. وجزؤه الآخذ إلى المقعدة قصير ثخين. فأما الثرب فهو لاصق بوسط البطن. وخلقته من صفاق يعلوه شحم، كما يكون فى سائر الحيوان الذى ليس له إلا بطن واحد وله أسنان فى اللحيين جميعاً، أعنى فوق وأسفل.

وفوق المعى يكون المعى الأوسط، وهو شبيه بصفاق، وهو أيضاً عريض سمين، وهو لاصق بالعرق العظيم وبالعرق الذى يسمى أورطى، وفيه عروق كثيرة ضعيفة تمتد وتنتهى إلى وضع المعى وهى تبتدئ من فوق، وتنتهى إلى أسفل.

فهذه خلقة وحال المرىء والقصبة والبطن والمعى.

〈الأجزاء الباطنة. المخ〉

فهذا وضع أعضاء الجسد فيما يلى الناحية الظاهرة منه، بقدر ما رتبها الطباع، وأسماؤها كما سمينا فيما سلف. وهى معروفة بينة لحال العادة التى جرت. وأما الأعضاء التى فى باطن الجسد، فعلى خلاف ذلك، لأنها ليست معروفة لكثير من الناس، فنحن نذكرها ونقيسها إلى سائر أعضاء الحيوان الذى طبيعته قريبة من طبيعة الإنسان — لما هو يجب من وضع كتابنا.

فالدماغ موضوع فى مقدم رأس الإنسان، وهو موضوع على مثل هذه الحال [٢١] فى سائر رءوس الحيوان. ولجميع الحيوان الذى له دم: دماغ أيضاً. وللحيوان البحرى الذى يسمى باليونانية مالاقيا: دماغ. وحوله شغافان. فأما الإنسان فدماغه كبير جداً بقدر عظم رأسه. وهو رطب جداً، وحوله شغافان يحيطان به من كل ناحية. والصفاق الذى يلى العظم أقوى من الآخر جداً. فأما الصفاق الذى يلى الدماغ فهو فى القوة دون الصفاق الذى سميناه الآخر. والدماغ مجزأ بجزئين فى جميع الحيوان. وخلف الدماغ دماغ آخر فى بطن من بطون الرأس مخالف لهذا الدماغ الذى فى مقدم الرأس، بالنظر واللمس.

فأما مؤخر الرأس فهو مجوف خال بقدر عظم كل رأس. ورءوس بعض الحيوان عظيمة، ووجوهها أصغر من رءوسها، وذلك فى بعض الحيوان المستدير الوجه. ولبعض الحيوان رأس صغير، ولحيان كبيران طويلان، مثل جنس جميع الحيوان الذى ذنبه كثير الشعر.

وليس فى الدماغ دم ألبتة، ولا فيه عرق من العروق؛ وهو بارد تحت اللمس. وفى وسطه موضع عميق مستطيل. فالدماغ فى جميع الحيوان على ما ذكرنا. فأما الصفاق الذى يليه ففيه عروق. وإنما الصفاق شبيه بجلد رقيق حابس للدماغ. وفوق الدماغ عظم رقيق ضعيف جداً أكبر من عظام سائر الرأس، وهو فى المكان الذى يسمى اليافوخ.

وفى كل عين ثلاثه سبل آخذة إلى جوف الرأس. فأما الأعظم والأوسط منها فإنهما آخذان إلى مؤخر الرأس. فأما الصغير فهو آخذ إلى الدماغ بعينه. وأما السبيل الأصغر فهو الذى يلى الأنف خاصةً. والسبيلان العظيمان أحدهما قريب من الآخر، ومذهبهما واحد. وأحدهما يلقى الآخر قبل أن ينتهى إلى مكانهما. وذلك بين فى السمك خاصة، لأن هذين السبيلين فى السمك يقربان من الدماغ. فأما السبيلان الصغيران فإن أحدهما يبعد من الآخر جداً وليس يلتقيان ألبتة.

〈الرقبة والرئة〉

وفى داخل العنق يوجد المرىء، وهو ضيق مستطيل. والوريد موضوع فى مقدم العنق، وخلفه المرىء فى الناحية [٢٢] التى تلى القفا. فهذا وضعهما فى جميع الحيوان الذى له مرىء ووريد، أعنى قصبة الرئة. وإنما يكون هذا الوريد فى جميع الحيوان الذى له رئة. وخلقة الوريد من غضروف. وهو قليل الدم، تحيط به عروق دقاق جداً. ووضعه من الناحية العليا بعد الفم قبالة ثقب المنخر، وهو الثقب الآخذ إلى الفم. ولذلك ربما شرب الإنسان فخرج بعض تلك الرطوبة من المنخر، لحال الفتح الذى فيما بين الأنف والفم. وفيما بين الثقبين العضو الذى على أصل اللسان، وهو شبيه بغطاء يغطى قصبة الرئة لكيلا يقع فيها شىء من الطعام أو الشراب. وأما الناحية السفلى من القصبة فإنها تفترق بفرقين شبيهين بأنبوبتين، ويأخذان إلى جوانب الرئة، فإن الرئة تنشق أيضاً بجزئين. وهى على مثل هذه الحال فى جميع الحيوان الذى له رئة. ولكن ليس ذلك الافتراق بيناً جداً فى الحيوان الذى يلد حيواناً مثله، وخاصة فى الناس، فإن رئة الإنسان ليست كثيرة الافتراق، مثل افتراق رئات بعض الحيوان الذى يلد حيواناً مثله، ولا هى ملساء، بل فيها اختلاف. فأما فى الحيوان الذى يبيض بيضاً، مثل جنس جميع الطائر وما كان من الحيوان ذا أربعة أرجل يبيض بيضاً، فإن الرئة توجد فيه كثيرة الافتراق. ولذلك يظن كل من يعاينها من الجهال خلقتها أنهما رئتان. فأجزاء قصبة الرئة تفترق، وتنتهى إلى العرقين اللذين ذكرنا أنهما فى الرئة: كل واحد من الجزئين إلى عرق واحد.

وتلك القصبة لاصقة بالعرق العظيم والعرق الكبير الآخر الذى يسمى باليونانية أورطى، فإن نفخ أحد فى قصبة الرئة، دخلت الريح إلى المواضع العميقة المجوفة التى فى الرئة، ولذلك ينتفخ وتنتفخ جميع الرئة، فإن فى الرئة ثقباً وأماكن مجوفة، خلقتها من غضروف. وأواخر تلك الثقب ضيقة حادة، فأما أصولها فواسعة. وتلك القصبة لاصقة بالقلب أيضاً، كأنها مربوطة برباط خلقته من غضروف وعصب دقيق شبيه بالشعر. ويعلو ذلك كله شحم. والمكان الذى يكون [٢٣] فيه التزاق القصبة والرئة عضو متحكك. ومن الحيوان ما إذا نفخ فى رئة الحيوان العظيم الجثة فهو يستبين، لأن الريح تصل إلى الرئة.

فهذه حال قصبة الرئة. فهى معبر ومسيل ريح الشفتين إذا دخلت وإذا خرجت. وليس تقبل القصبة شيئاً من الطعام ولا الشراب: لا يابساً، ولا رطباً، إن لم يقع فيها شىء بغتةً. فإن عرض ذلك، سعل صاحبه سعالاً متتابعاً حتى يلقيه. فإن بقى منه شىء، كان علة خنق، أو موت، أو أمراض مزمنة ومهلكة.

〈المرىء〉

وأما المرىء — وهو الذى يسمى فم المعدة — فإنه موضوع خلف القصبة، لاصق بها. وابتداؤه من ناحية الفم العليا التى تلى أصل اللسان. وهو لاصق بالقصبة، كما وصفنا. وبينهما رباط من صفاق رقيق يضمهما. وهو آخذ إلى الحجاب الذى فى الجوف ومنه يأخذ إلى البطن. وخلقته من لحم يمكن أن يمتد ويتسع بالطول والعرض.

〈البطن〉

فأما بطن الإنسان فإنه شبيه ببطن الكلب، وإن كان أوسع منه. ومن البطن يخرج معىً مبسوط ملتف التفافاً يسيراً، وهو عريض. وأما البطن الأسفل فهو شبيه ببطن خنزير، لأنه عريض. وجزؤه الآخذ إلى المقعدة قصير ثخين. فأما الثرب فهو لاصق بوسط البطن. وخلقته من صفاق يعلوه شحم، كما يكون فى سائر الحيوان الذى ليس له إلا بطن واحد وله أسنان فى اللحيين جميعاً، أعنى فوق وأسفل.

وفوق المعى يكون المعى الأوسط، وهو شبيه بصفاق، وهو أيضاً عريض سمين، وهو لاصق بالعرق العظيم وبالعرق الذى يسمى أورطى، وفيه عروق كثيرة ضعيفة تمتد وتنتهى إلى وضع المعى وهى تبتدئ من فوق، وتنتهى إلى أسفل.

فهذه خلقة وحال المرىء والقصبة والبطن والمعى.