Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: Historia Animalium (History of Animals)

〈المقالة الأولى〉

ابتداء القول الأول

إن بعض أجزاء أجساد الحيوان تسمى غير مركبة، وهى الأجزاء التى تجزأ فى أجزاء يشبه بعضها بعضاً (مثل ما يجرى بصفة لحم فى بضاع شتى)؛ وبعض أجزائها تسمى مركبةً، وهى التى تجزأ فى أجزاء لا يشبه بعضها بعضاً (مثل اليد، فإن اليد لا تجزأ فى أيد كثيرة، ولا الوجه فى أوجه كثيرة). وبعض ما كان على مثل هذه الحال لا يقال له جزء فقط، بل يسمى عضواً أيضاً، وذلك مثل الأعضاء اللواتى هى كليات وفيها أجزاء أخر مثل الرأس والساق واليد وجميع العضد والصدر. فإن جميع هذه الأعضاء يقال لها كليات، ولها أجزاء أخر. وجميع الأجزاء التى لا يشبه أجزاؤها بعضها بعضاً مركبة من التى أجزاؤها يشبه بعضها بعضاً، مثل اليد: فإنها مركبة من جسم وعصب وعظام. 〈الفوارق بين الأجزاء〉 وجميع الأعضاء اللائى فى بعض أجناس الحيوان 〈إما أن〉 يشبه بعضها بعضاً 〈أو〉 قد تختلف فى بعضها. فالأعضاء التى يشبه بعضها بعضاً بالصورة مثل ما نقول إن أنف فلان يشبه أنف فلان، وعين فلان تشبه عين فلان، واللحم شبيه بلحم، والعظم يشبه بعظم: وبمثل هذا الفن يقال إن الفرس يشبه [٢] الفرس، وما كان من سائر أصناف الحيوان الذى يتفق بصورته. وذلك من أجل أنه كمثل ملاءمة الكل إلى الكل، كذلك ملاءمة كل واحد من الأجزاء إلى كل واحد من الأجزاء. وبعضها فى الاتفاق على مثل هذه الحال، ولكن اختلافها يكون من قبل الزيادة والنقص، وذلك يعرض لأصناف الحيوان المنسوبة إلى جنس واحد. وإنما أقول: جنس واحد، مثل الطائر والسمكة، فإن كل واحد من هذين يختلف بالجنس، وفى الطائر أصناف كثيرة، وفى السمك كمثل. وكثرة أعضائها تختلف من قبل ضديات خواصها، مثل اللون والشكل: فإن ذلك يعرض لبعضها أكثر، ولبعضها أقل. وتختلف أيضاً بالكثرة والقلة، والعظم والصغر، وبقول كلى: بالزيادة والنقص، لأن بعضها لينة اللحم؛ وبعضها جاسية اللحم؛ ولبعضها منقار طويل، ولبعضها منقار قصير؛ وبعضها كثير الريش، وبعضها قليل الريش. وأيضاً لبعضها أعضاء [أخر]، ولبعضها أخر. وذلك بين، من قبل أن لبعضها قنزعة على رؤسها، وليس لبعضها؛ ولبعضها ناصية، وليس لبعضها؛ ولبعضها عرف، وليس لبعضها. وبقول عام: أكثر الأعضاء التى منها ركبت أعظام الأجساد إما أن تكون هى فهى، وإما 〈أن〉 تختلف بالضديات والزيادة والنقص، فإن الأكثر والأقل يقال 〈عليه〉: زيادة ونقص. وليس لبعض الحيوان أجزاء هى فهى بالصورة، لا بالزيادة والنقص، بل بالملائمة التى تكون للعظم إلى الشوكة، وللظفر إلى الحافر ولليد إلى الزناقة، والريش إلى القشر فإنه بقدر ما يكون الريش فى الطير كذلك يكون القشر فى السمك. فبهذا النوع يقال إن أعضاء جميع الحيوان تختلف. وأيضاً يختلف بعض أعضائها من قبل الوضع، فإن لبعض الحيوان أعضاءً متفقة هى فهى؛ ولكن وصفها مختلف، وذلك مثل ما أقول إن ثدى بعض الحيوان فى الصدر وثدى بعضها فى البطن قريباً من الفخذين.

وأيضاً بعض الأعضاء التى يشبه أجزاؤها بعضها بعضاً لينة ورطبة، وبعضها يابسة صلبة. فأما الرطبة منها فإنها 〈إما أن〉 تكون رطبةً على كل حال، أو تكون رطبة ما كانت فى الطباع التى هى فيه [٣]، مثل الدم، ومائية الدم، والشحم، والثرب، والمخ، والمنى، والمرة، واللبن فى كل ما كان له لبن، واللحم، وما كان ملائماً لهذه الأشياء التى سميناها. وبنوع آخر: الفضول، مثل البلغم، وما يجتمع من فضلة الطعام فى البطن والمثانة. وأما اليابسة الصلبة فمثل العصب، والجلد، والعرق، والشعر، والعظم، والغضروف، والظفر، والقرن — وجميع ما يلائم هذه الأشياء التى سميناها.

〈مختلف أصناف الحيوان〉

وأيضاً أصناف الحيوان تختلف من قبل تدبير معاشها، وأفعالها، وغذائها، وأجزائها التى ذكرنا بقول مقتصد. وسصنف فيما يستقبل جنساً جنساً، وكل ما يعرض له من الأعراض، وأصناف اختلافها من قبل تدابير أعمارها وأشكالها وأفعالها، فتقول: إن بعضها مائية، وبعضها برية. والمائية تقال بنوعين: إما لأن مأواها وغذاءها فى الماء، وتقبل الماء فى باطنها ثم تدفعه، فإذا عدمته لا تقوى على الحياة فى البر، مثلما يعرض لكثير من السمك؛ وإما أن يكون غذاؤها ومأواها فى الماء، ولا تقبل الماء فى بطنها، بل تقبل الهواء، وتلد خارجاً من الماء، 〈وبعضها له أرجل〉 مثل الحيوان الذى يسمى باليونانية انودريس، ولاطقس، والتمساح، 〈وبعضها له أجنحة مثل زمج الماء αιΘυια la mouette〉 والطائر الذى يسمى باليونانية كولمبيس؛ والتى لا أرجل لها مثل الذى يسمى ادروس. وإما أن يكون غذاؤها فى الماء ولا تستطيع أن تعيش خارجاً منه ولكن 〈لا〉 تقبل فى باطنها الماء ولا الهواء مثل ما يسمى باليونانية اقليفى، وأصناف الحلزون. وبعض الحيوان الذى يأوى فى الماء بحرى، وبعضه نهرى، وبعضه نقاعى مثل الضفدع، والحيوان الذى يسمى باليونانية قردولوس.

〈مختلف أنواع حياة الحيوان〉

ومن الحيوان البرى ما يقبل الهواء ويخرجه، أعنى يتنفس، مثل الإنسان وجميع الحيوان البرى الذى له رئة. ومنه ما لا يقبل الهواء، وحياته وغذاؤه مما فوق الأرض، مثل الدبر والنحل وسائر الحيوان المحزز وإنما سمى محززاً كل ما كان له تحزيز فى مقدم جسده أو فى مؤخره. وكما قلنا: كثير من الحيوان البرى يكسب طعمه وغذاءه من الماء. فأما ما كان من الحيوان الذى يأوى فى الماء ويقبل ماء البحر فى باطنه فليس يطعم من البر شيئاً. وبعض الحيوان يعيش فى الماء، ثم يتغير إلى صورة [٤] أخرى ويعيش خارجاً من الماء، مثل الذى يسمى باليونانية اسكرس، فإنه يأوى فى الأنهار أولاً ثم تتغير صورته فيكون منه الحيوان الذى يسمى أسطرس، ويعيش خارجاً.

وأيضاً بعض الحيوان ثابت على صورة واحدة، وبعضه متغير. فأما الحيوان الثابت على صورته فمأواه الماء. وأما الحيوان البرى فليس بثابت، بل يتغير. وبعض الحيوان يعيش فى الماء لأنه لاصق بصخرة مثل أجناس الحلزون. وفيما يظن للسفنج — وهو العام — شىء من الحس؛ والدليل على ذلك أنه لا ينجذب ولا يفارق الصخرة التى هو بها لاصق إن لم يحركه ويجذبه أحد بغتةً، كما يزعم أهل الخبرة. وبعض الحيوان لاصق بصخرة وهو مرسل إذا طلب الطعام، مثل الجنس الذى يسمى باليونانية أقاليفى: فإن منه ما يبرز عن موضعه ليلاً، ويرعى، ثم يرجع إليه. وكثير من الحيوان مرسل وليس بمتحرك عن مكانه مثل الحلزون، والتى تسمى باليونانية هلوثوريا. وبعضه يغوص برأسه مثل السمك والذى يسمى مالاقيا وكل ما كان جرمه ليناً مثل الذى يسمى قاربو. وبعض الحيوان سيار مثل جنس السراطين، فإن طباعه طباع مائى، وهو سيار، وبعضه مشاء.

ومن المشاء ما هو طيار، وما يمشى على بطنه مثل مشى الدود وحركته. فأما جميع الطير فإنه يمشى. وكل ما كان جناحه من جلد يمشى أيضاً، مثل الوطواط، لأن له رجلين. وبعض الطير ردىء الرجلين، ولذلك يقال إنه ليس له أرجل، مثل الخطاف، وهو طائر جيد الجناح. وكل ما يشبهه من الطير جيد الجناح ردىء الرجلين. وصورها جميعاً متشابهة. فأما صنف منها — وهو الذى يقال له دريفانيس فإنه لا يظهر إلا بعد المطرة التى تكون فى أجزاء الصيف. وفى ذلك الأوان يظهر ويبدو. وجنس هذا الطائر قليل جداً، ولذلك لا يظهر إلا فى الحين مرةً. 〈ومعظم الحيوان قادر على السباحة والمشى〉.

〈العيش جماعة أو أفراداً〉

وأيضاً أصناف الطير تختلف من قبل أفعالها وتدابير معايشها، لأن منها ما يكون مع كثير من أصحابه؛ مثل الرف الذى يطير، ومنها ما يفارق سائر الطير الذى يناسبه ويشبهه وينفرد [٥] بنفسه، وذلك يعرض فى الطير والحيوان المشاء، وما يعوم منه. ومن الحيوان ما يفعل الفعلين: فيكون مرة متوحداً منفرداً، ومرة مجتمعاً مع ما كان مثله. ومن الحيوان المنفرد ما هو مدينى، ومنه ما يأوى القرى والمزارع. فأما الطير الذى يأوى مع أصحابه ويشاركهم بالجنس فمثل الحمامة والغرنوق والطير الذى يقال له ققنس (فأما ما كان من الطير الذى له أظفار معقفة، أعنى منحنية فليس يمكن أن يكون معه شىء من أمثاله)؛ وكذلك يعرض لكثير من أجناس السمك، مثل الذى يسمى باليونانية دروماذاس وثونو وبيلاموداس وأميا. فأما الإنسان فإنه يفعل الفعلين جميعاً، لأنه ربما توحد وانفرد بنفسه، وربما كان مع الجماعة. فأما الحيوان المدينى فهو الذى يفعل كل ما ينسب إلى جنسه فعلاً واحداً ويعمل عملاً واحداً. وليس يفعل مثل هذا الفعل كل حيوان يأوى مع أمثاله. ومثل ما وصفنا: الانسان، والنحلة، والدبر، والنملة، والغرنوق. ومن هذا الحيوان ما يرأسه رأس ويكون له مطيعاً، مثل جنس الغرانيق والنحل: فإن لهما رئيساً ومدبراً. ومنه ما ليس له رئيس ولا مدبر، مثل النمل وكثير من أشباهه. ومن الحيوان المنفرد و〈ذلك〉 الذى يكون مع أصحابه ما يكون فى مكانه مقيماً فى كل زمان، ومنها ما يغيب فى بعض الأزمنة ثم يرجع إلى مكانه.

〈طرق المعيشة〉

ومن الطير ما يأكل الحبوب (ومنه ما يأكل الحبوب)؛ ومنه ما يأكل كلا، ومنه ما يأكل طعاماً خاصاً مثل جنس النحل وجنس العنكبوت: فإن طعم النحل العسل وأشياء أخر كثيرة من الحلو، فأما العنكبوت فإن معاشه من صيد الذباب. ومنها ما يعيش من أكل السمك. وبعضها صيادة، وبعضها مدخرة لطعمها، وبعضها على خلاف ذلك. ولبعض الحيوان مسكن ومأوى، وبعضه لا مسكن له. فأما الذى له مسكن منها فمثل الخلد والفأر والنحل والنمل. فأما ما ليس له مسكن، فمثل كثير من الحيوان المحزز الجسد وما كان منه ذا أربعة أرجل. وأيضاً بعض الحيوان يأوى فى شقوق الصخر والحيطان والأماكن الضيقة مثل السام أبرص، والحيات. وبعضها يكون فوق الأرض مثل الفرس والكلب. ولبعضه أحجار موافقة لمأواها، وبعضها على خلاف ذلك. وأيضاً بعضها يتحرى ويكسب مصلحة معاشه ليلاً مثل البومة والوطواط؛ وبعضها يتحرك ويعيش فى النهار.

وبعضها أنيسة فى كل حين، وبعضها وحشية فى كل حين. وأما الأنيسة فى كل حين فمثل الإنسان والبغل. وأما الوحشية فى كل حين فمثل الفهد والذئب؛ وربما صار الفهد أنيساً. ومن الوحشية ما يستأنس عاجلاً، مثل الفيل. وينبغى أن يعلم أن جميع أجناس الحيوان الأنيسة توجد أيضاً وحشيةً، مثل الإنسان والفرس والخنزير والشاة والعنز والكلب.

وأيضاً بعض الحيوان يصوت، وبعضها لا يصوت، ولبعضها دوى. وبعض الحيوان ناطق 〈وبعضها〉 صامت، وبعضها لحنة حسنة الصوت، وبعضها ليست بلحنة. ويعرض لجميع الحيوان الذى يصوت شىء آخر مشترك أعنى كثرة الكلام والضوضاء عند أوان سفادها، ما خلا الإنسان.

وبعض الطير وحشى مثل الفاختة، وبعضها جبلى مثل الهدهد، 〈وبعضها يعيش مع بنى الإنسان، مثل الحمام العادى〉.

ومنها ما يكثر النكاح، مثل جنس الحجل والديكة. ومنها تقية زكية، مثل جنس الطائر الذى يسمى باليونانية قراقويدون، فإن جميع ما كان من هذا الجنس لا يسفد إلا فى الحين مرة.

وأيضاً بعض الحيوان البحرى لجى وبعضه شاطئى، وبعضه صخرى.

وأيضاً بعض الحيوان مهارشة مقاتلة، وبعضها حافظة. وإنما أعنى 〈بقولى〉: مهارشةً مقاتلة: ما يحمل منها ويشد على ما يمر به ويدفع عن نفسه بجهده كل ما يريد أن يضربه. فأما الحافظة، فعلى خلاف ذلك.

〈اختلافات الطباع〉

فالحيوان يختلف بجميع الأصناف التى وصفنا. ويختلف أيضاً بأنواع أخلاقها، لأن بعضها وديع قليل الغضب ليس بجاهل، مثل البقرة. وبعضها غضوب جاهل لا يقبل شيئاً من الأدب، مثل الخنزير البرى. وبعض الحيوان جزوع، مثل الأيل 〈والأرنب البرى〉. وبعضها عادم الحرية مغتال، مثل الحية. وبعضها جرىء جلد كريم شريف، مثل الأسد. وبعضها مغتال قوى شديد وحشى، مثل الذئب. وأيضاً بعض الحيوان منكر، ردىء الفعل، مثل الثعلب. وبعضها غضوب متحبب ملاق، مثل [٧] الكلب. وبعضها وديع يكيس ويستأنس سريعاً، مثل الفيل. وبعضها حيى حفوظ، مثل الإوز. وبعضها حسود محب للجمال، مثل الطاووس. فأما الحيوان الذى له رأى ومشورة فهو الإنسان فقط. وكثير من الحيوان يحفظ ذكر عابرى، ويتعلم. فاما إطالة الفكرة فليست تكون إلا فى الإنسان. وسنصف، فيما نستأنف، جميع أخلاق كل واحد من أجناس الحيوان وأصناف تدبير معاشه، ونلطف النظر فى ذلك أكثر مما فعلنا فيما سلف.