Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: Historia Animalium (History of Animals)

〈ذكاء الطيور: السنونو〉

وبقول عام إن تفقد أحد أنواع تدبير أصناف الحيوان، يعاين أشياء كثيرة من سائر أصناف الحيوان تفعل بمثل كأنه تدبير حياة الإنسان، وذلك يستبين خاصةً فى أصناف الحيوان الصغير أكثر من الحيوان الذى له جثة عظيمة: فعقلها يشبه أن يكون بحلم وتدبير ورأى لطيف. وذلك يظهر أولاً فيما يصغر من الطير، فإن فعل الخطاف وبناء عشه عجيب جداً: كيف يهيئ الطين، وكيف يخلط معه أعواداً صغاراً تشبه خلط التبن مع الطين. وإن لم يجد طيناً مهيأ صبغ ذنبه بالماء ثم تمرغ على التراب حتى يمتلئ جناحه منه ويصير شبيهاً بالطين. وإذا هيأ عشه وضع الطين الحاسى أولاً كما يفعل الناس. ويصير عظم العش مقتدراً بقدر ما يسعه ويسع فراخه. ثم يتعاهد الفراخ الذكر والأنثى، ويطعم فرخاً بعد فرخ بعادة قد جرت، لكى يعدل بينها. وإذا كانت الفراخ صغاراً، تنقل الزبل بأفواهها وتلقيه؛ وإذا كبرت (الفراخ) تعلمها أن تتحول وتلقى الزبل إلى خارج.

〈الحمام〉

والحمام أيضاً يفعل أفعالاً مثل هذه أيضاً، لأن الإناث تكره أن تسفد من كثرة ذكورة ولا تدع الأنثى ذكرها، ولا الذكر أنثاه إن لم يهلك أحدهما أو يؤخذ وييأس منه. وإذا باضت الأنثى وعجزت عن الدخول إلى عشها والجلوس على بيضها لحال ضعفها، يضربها الذكر ويضطرها إلى الدخول. وإذا خرجت الفراخ من البيض بمضغ الذكر تراباً مالحاً ويفتح أفواه الفراخ ويؤجرها من ذلك التراب ليسهل به سبيل الطعم. وإذا أراد الذكر أن يخرج فراخه، يسفدها.

فبقدر هذا النوع يحب الحمام بعضها بعضاً. وربما سفدت إناث الحمام التى لها ذكورة من ذكورة أخر. والحمام حيوان مهارش محب للقتال. وربما دخل فى عش غيره، وذلك فى الفرط. وإن قربت الأعشة يقاتل بعضها بعضاً قتالاً شديداً. ويعرض للحمام والفواخت والاطرغلات [٢٣٠] شىء خاص، أعنى: لا ترفع رءوسها وتميل بها إلى خلف إذا شربت، إن لم تشرب شرباً كثيراً.

وللأطرغلات والفاختة زوج واحد وذكر واحد يسفدها لا يعدوه إلى غيره ولا يمكن من سفادها لغيره. وإذا باضت الإناث تجلس هى والذكورة على البيض. ليس معرفة فصل ما بين الذكورة 〈والإناث〉 بيسير، إلا من شق أجوافها. والفواخت تعيش وتبقى سنين كثيرة؛ وقد ظهر منها ما عاش خمساً وعشرين سنة، ومنها ما عاش ثلاثين عاماً، ومنها ما بقى أربعين عاماً. وإذا كبرت جداً، تعظم مخالبها ويضر بهما ذلك ولكن الذين يربونها يقطعون فضل مخاليبها. وليس تصيبها ضرورة أخرى بينة.

والاطرغلات والحمام البرى فى أماكن هى هى. وذكورة أصناف الطير أكثر عمراً من الإناث، ما خلا هذين الصنفين، فإن بعض الناس يزعم أن هذين الصنفين الذكورة 〈منها〉 تهلك قبل الإناث؛ يزكنون ذلك مما يربون فى المنازل. وقد زعم بعض الناس أن ذكورة العصافير تبقى سنة فقط؛ والعلامة الدليلة على ذلك من قبل أن الأطواق السوداء التى فى أعناق الذكورة لا تظهر فى أول الربيع، بل بعد ذلك بأيام. وإنما يعرض هذا العرض لأنه لا يبقى شىء من الذكورة التى كانت فى العام الماضى. فأما إناث العصافير فهى أطول أعماراً، والدليل على ذلك من قبل أنها تصاد مع الفراخ، ويستبين من الجساوة التى تكون فيما يلى مناقيرها.

والاطرغلات تأوى فى الصيف فى الأماكن الرخية؛ فأما التى تسمى باليونانية سپزى σπιξαι فهى تأوى فى الصيف فى الأماكن الدفيئة، وفى الشتاء فى الأماكن الباردة.