Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: Historia Animalium (History of Animals)

〈العروق ونظامها وفقاً لسونيسيس وذيوجانس الافولونيائى〉

فأما أمر أجزاء الحيوان التى أجزاؤها يشبه بعضها بعضاً، فإن المشترك العام منها وهو الذى فى جميع الحيوان الدمى 〈هو: الدم〉 والعضو الذى يكون فيه، أعنى الذى يسمى عرقاً. 〈ثم ملائماتها النسبية، اللمفا والألياف〉 ثم اللحم الذى هو جسد الحيوان وما يلائم هذه الأشياء؛ وأيضاً العظم وما يلائمه، مثل الشوكة والغضروف؛ ثم الجلد والصفاق والعصب والأظفار والشعر وما يشبه هذه الأشياء؛ وأيضاً الشحم والثرب والفضول، 〈مثل مادة البراز، والبلغم〉 والمرة السوداء، والصفراء.

ولأن طبيعة الدم والعروق ابتداء خلقة الأجساد، فينبغى لنا أن نذكر حالها أولاً، ولا سيما لأن الذين وصفوها من القدماء الذين كانوا قبلنا لم يحمكوا صفتها وتلخيصها. وعلة جهلهم بذلك عسر معاينتها، فإن طبيعة العروق العظيمة المستولية على الأجساد ليست بظاهرة فى أجساد الموتى لأنها تنضمر من ساعتها إذا خرج الدم، وهو يخرج منها بغتةً كما يخرج الشىء يكون فى إناء، وجميع الدم يكون فى العروق. وليس فى شىء من أعضاء الجسد دم بذاته، ما خلا القلب، فإن فيه دماً يسيراً. وليس مما يستطاع أن يعاين أحد خلقة هذه العروق فى أجساد الأحياء، لأن أكثرها يكون فى البطن. فلم يكن القدماء يعاينون أوائل العروق العظيمة فى أجساد الموتى. وبعض القدماء فصلوا أوائل العروق من قبل ما يظهر منها فى خارج الجسد، إذا كان ذلك الجسد منهوكاً مهزولاً جداً.

فأما سونيسيس القبرسى فإنه يصف خلقة العروق بمثل هذه الصفة فيقول: «خلقة العروق الثخينة العظيمة على ما نصف: يخرج عرقان من ناحية العينين والحاجبين ويأخذان إلى نواحى العنق. ومن هناك يأخذ إلى الظهر، ويعطف إلى ناحية الرئة تحت الثديين. ثم يأخذ العرق الواحد من الناحية اليمنى إلى [٥٦] الناحية اليسرى، والعرق الآخر يأخذ من الناحية اليسرى إلى الناحية اليمنى. ويأخذ العرق الذى يمر بالكبد إلى الكلية والخصية اليمنى. فأما العرق الذى يمر بالطحال فإنه يأخذ إلى الكلية اليسرى والخصية اليسرى. 〈ومن ثم يتوجهان صوب الذكر〉».

فأما ذيوجانس الاپلونى فإنه يصف العروق على مثل هذه الحال فيقول: «إن العرقين العظيمين اللذين فى جسد الإنسان يمتدان من ناحية البطن، ويأخذان إلى شوكة الظهر. وأحدهما يأخذ إلى الناحية اليمنى، والآخر يأخذ إلى الناحية اليسرى. ثم يأخذ العرقان إلى ناحية الرأس، وينتهيان إلى الترقونين ومكان الذبحة. ومن هناك يتجزآن بأجزاء كبيرة، ويفترقان فى جميع الجسد. وما كان منها فى الناحية اليمنى يأخذ إلى الناحية اليسرى. وما كان منها فى الناحية اليسرى يأخذ إلى الناحية اليمنى. وعرقان عظيمان يخرجان من ناحية خرز الظهر ويذهبان إلى ناحية القلب. وعرقان آخران يخرجان من فوق ذلك المكان قليلاً، ويأخذان إلى نواحى الصدر والإبطين والثديين حتى ينتهيا إلى الكفين: وأحدهما يسمى عرق الطحال، والآخر يسمى عرق الكبد. وكل واحد من هذه العروق يتجزأ بجزئين: فيأخذ الجزء الواحد إلى الإبهام، والآخر إلى أصل الكف؛ وتتجزأ هذه الأجزاء أيضاً فى أجزاء كثيرة، وتتفرق فى سائر اليد والأصابع. ومن العروق الأولى تخرج أيضاً عروق أدق منها. ويأخذ العرق الواحد من الناحية اليمنى إلى الكبد، والعرق الآخر يأخذ من الناحية اليسرى إلى الطحال والكليتين. فأما العروق التى تمتد وتأخذ إلى الفخذين والساقين فإنها تفترق فى أصول الفخذين وتمر بجميع الفخذين. والعرق العظيم منها يمتد ويأخذ خلف الفخذ ويظهر غليظاً. وعرق آخر أيضاً يأخذ إلى خلف الفخذ، وهو أقل غلظاً من العرق الذى وصفنا أولاً قليلاً. ثم تمتد هذه العروق وتأخذ إلى ناحية الساقين والرجلين، كما تأخذ العروق التى فى اليدين إلى الكفين وأصول الأصابع. وأيضاً تفترق عروق كثيرة من العروق الكبار وتأخذ إلى ناحية البطن والجنبين. وهى دقاق جداً.

«[٥٧] فأما العروق التى تمتد وتأخذ إلى الرأس من ناحية مكان الذبحة، فإنها تظهر فى العنق عظيمة. وهذان العرقان الآخذان إلى الرأس يتجزآن بأجزاء كثيرة ويفترقان فى الرأس، ويأخذ بعضها من الناحية اليسرى، ومنتهاها قريب من الأذنين. وفى العنق عرق آخر يتجزأ بجزئين ويأخذ كل جزء منهما إلى قريب من العرق العظيم، غير أنه أصغر منه قليلاً. وكثير من العروق التى تنزل من الرأس تنتهى إليها وتشتبك وتأخذ إلى ناحية الذبحة. ومن هناك تغيب إلى داخل ثم تأخذ إلى تحت مراجع الأكتاف، ومن هناك تأخذ إلى اليدين قريباً من عرق الطحال، غير أنها أصغر منها. وإذا أصاب الإنسان حزن يرض ويبزغ؛ فأما العروق التى تكون حول البطن قريباً من عرق الكبد وعرق الطحال فإنها تمتد وتأخذ إلى ناحية الثديين. وبعض تلك العروق يمتد ويأخذ إلى ناحية مخ الفقار 〈حتى الخصيتين، وهى دقيقة جداً. وثم زوج من العروق يمر تحت الجلد وخلال اللحم، ويمتد〉 إلى ناحية الكليتين وينتهى فى أجساد الرجال — إذا بلغت — إلى الخصى، فأما فى أجساد النساء، فإنها تنتهى — إذا بلغت — إلى الأرحام. وأما العروق الأولى التى تخرج من البطن فإنها تكون أولاً واسعة، ثم تكون دقيقةً حتى تتغير وتأخذ من الناحية اليمنى إلى الناحية اليسرى، ومن الناحية اليسرى إلى الناحية اليمنى: وهذه العروق تسمى عروق الزرع.

«فأما الدم الغليظ الثخين فإن اللحم ينشقه ويشربه. فأما غير ذلك، أعنى الذى يكون فى العروق والأماكن التى وصفنا — فدقيق، حار، يخالطه زبد».