Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: Historia Animalium (History of Animals)

〈نظام العروق تبعاً لفولوبوس وتبعا لأرسطو〉

فهذا قول سونيسيس وذيوجانس فى صفة العروق. فأما فولوبوس فإنه يصف العروق على مثل هذه الحال فيقول: «إن جميع العروق التى تفترق فى الجسد تخرج من أربعة أزواج عظيمة: فأما الزوج الأول فإنه يخرج من خلف الرأس ويأخذ إلى ناحية العنق من خارج، ويمر بنواحى الفقار حتى ينتهى إلى الوركين والساقين، ويأخذ إلى نواحى الكعبين الداخلة، ومن هناك يأخذ إلى خارج ويفترق فى القدمين، ولذلك يفصد المتطببون من خلف الركبتين ومن ناحية الكعبين خارجاً إذا عرضت أوجاع [٥٨] فى الظهر والوركين.

وأما الزوج الآخر فإنه يخرج من ناحية الرأس ويمر بالأذنين، ومن هناك يأخذ إلى العنق، ولذلك سمى هذا الزوج «عرقى الذبح». ومن هناك يأخذان إلى الفقار والظهر والخصى والفخذين، ويمران بالركبتين والساقين، وينتهيان إلى ناحية الكعبين التى 〈فى〉 داخل، ثم يفترقان فى القدمين، ولذلك يفصدها الأطباء إذا عرضت أوجاع فى الظهر والخصى، وإنما يفصدونها من الناحية التى داخل الركبتين ومن ناحية الكعبين.

فأما الزوج الثالث فإنه يأخذ من العنق إلى مراجع الأكتاف، ومن هناك إلى الرئة: والعرق الواحد منها يأخذ من الناحية اليمنى إلى الناحية اليسرى، ويجوز تحت الثدى وينتهى إلى الطحال وإلى الكلية؛ وأما العرق الذى يأخذ من الناحية اليسرى إلى الناحية اليمنى فإنه يمر بالرئة، ومن هناك يمر بالثدى وينتهى إلى الكبد. ثم يأخذ العرقان جميعاً إلى السرة.

فأما الزوج الرابع فإنه يأخذ من مقدم الرأس والعينين إلى تحت العنق والترقوتين. ومن هناك يمتد فوق العضدين، ويمر بانثناء المرفقين، ثم يجوز من هناك إلى الذراعين وأصول الكفين، ثم يعطف من الذراعين إلى الإبطين والجنبين من الناحية العليا، حتى ينتهى العرق الواحد إلى الطحال، والآخر إلى الكبد؛ ومن هناك يأخذ العرقان فوق البطن حتى ينتهى كلاهما إلى المحاشى».

فهذا قول القدماء فى صفة العروق. وبعض أصحاب العلم الطباعى وصفوا العروق أيضاً ولم يلطفوا النظر فيها، وجميعهم يزعم أن ابتداء العروق من ناحية الرأس والدماغ. ولم يصيبوا فى قولهم. والنظر إلى خلقة العروق وتجزيئها ومأخذها ومنتهاها عسير كما قلنا أولاً؛ وإنما يمكن معاينتها فى الحيوان المخنوق الذى هزل قبل ذلك جداً. فمن أراد معرفتها يقيناً فليهتم ويعبأ بالنظر إلى مثل هذا الحيوان الذى وصفنا.

وخلقة وطبيعة العروق — بقدر مبلغ علمنا — على مثل هذه الحال:

فى الصدر عرقان موضوعان داخلان فى ناحية الفقار. وأحدهما أعظم من الآخر. وذلك العرق الأعظم [٥٩] يأخذ إلى مقدم الجسد، والآخر — أعنى الأصغر — يأخذ خلفه. ثم يعدل الأعظم إلى الناحية اليمنى، والأصغر إلى الناحية اليسرى، وهو العرق الذى سماه بعض الناس باليونانية: أورطى، لأنهم عاينوا الجزء الذى فيه من عصب فى الأجساد الميتة. وابتداء هذين العرقين من القلب. وهما يأخذان إلى سائر الجوف كله. فأما القلب فهو مثل جرم أجزائها 〈خصوصاً جزء العرق الأمامى الذى هو أكبر〉، لأن العرق الأعظم موضوع فوق القلب والأصغر موضوع تحت القلب، وفيما بينهما القلب موضوع.

ولجميع القلوب بطون فى داخلها. ولكن ما صغر من أجساد الحيوان جداً تكون بطون قلوبها ليست بظاهرة، وخاصة البطن العظيم. فأما ما كان من الحيوان وسط الجثة، فالبطن الأوسط فى قلوبها بين والآخر أيضاً. فأما ما عظم من الحيوان ففيه الثلاثة البطون بادية ظاهرة. والجزء الحاد الثانى من القلب مائل إلى مقدم الجسد كما وصفنا أولاً، والبطن العظيم يكون فى الناحية اليسرى، والبطن الأوسط يكون فى الناحية العليا واليمنى من القلب، والبطن الأصغر يكون فيما بين هذين البطنين، وهما أصغر من البطن الأوسط جداً. وهذه البطون جميعاً مثقوبة إلى ناحية الرئة، ولكن ليس ثقبها بيناً لحال صغر السبل، ما خلا ثقب البطن الواحد.

والعرق العظيم يخرج من بطن القلب الأعظم من الناحية العليا واليمنى، ويمر بالعمق الأوسط، ويكون عرقان يتحولان فى ذلك البطن جزءاً من أجزاء العرق وفيه يستنقع الدم. فأما العرق الذى يسمى أورطى فإنه يخرج من البطن الأوسط، وليس يشارك القلب مثل هذا العرق الذى وصفنا، بل جوفه أضيق كثيراً.

وخلقة العرق العظيم من صفاق وجلد. والعرق الآخر أضيق منه، وخلقته من عصب محض. وإذا امتد ونفذ إلى ناحية الرأس والأعضاء التى تحت يكون ضيقاً.

ومن العرق العظيم يمتد جزء من ناحية القلب أولاً وينتهى إلى الرئة وينضم إلى العرق الذى يسمى أورطى. ومن ذلك العرق يخرج عرقان آخران: فيأخذ أحدهما [٦٠] إلى الرئة ، والآخر إلى الفقار والخرزة الأخيرة من خرز العنق. والعرق الذى يمتد إلى الرئة يتجزأ أولاً بجزئين، لأن الرئة مجزأة أيضاً بجزئين، ثم يتجزأ هذان الجزآن فى أجزاء كثيرة، ويأخذ كل جزء منها إلى أنبوب من أنابيب الرئة، أعنى إلى كل ثقب من ثقبها. والجزء الأعظم يأخذ إلى الثقب الأعظم والأصغر إلى الأصغر، بقدر ما لا يكون جزء من أجزاء الرئة ليس فيه ثقب ولا عرق. فأما أواخرها فليست بينة لحال صغرها. وجميع الرئة يظهر مملوءاً دماً. وسبيل العرق العظيم فوق سبيل العرق الذى يسمى أورطى، أعنى السبل الآخذة إلى أنابيب وثقب الرئة. فأما العرق الذى يمتد ويأخذ إلى ناحية خرزة العنق والفقار فيمتد أيضاً ويمر بالفقار، وهو العرق الذى ذكره اوميرس الشاعر فى بعض أبيات شعره فقال:

«إن الذى ضرب صاحبه بالسيف فى الحرب قطع ذلك العرق كله»

وهو العرق الذى يمر بالظهر، وينتهى إلى العنق. فهذا قول أميروس الشاعر فى هذا العرق.

ومنه أيضاً تخرج أجزاء عروق تأخذ إلى كل ضلع وإلى كل خرزة من الخرز، وهو يتجزأ جزئين فوق الخرزة التى تعلو الكليتين. — فالعرق العظيم يتجزأ بقدر ما وصفنا.

والعرق الذى فوق هذا العرق العظيم، أعنى الذى يخرج من القلب أيضاً، يتجزأ بأجزاء كثيرة. وبعض تلك الأجزاء تأخذ إلى الترقوتين والجنبين. ومن ناحية الإبطين يأخذ إلى العضدين فى أجساد الناس؛ فأما فى أجساد ذوات الأربع قوائم، فإنها تمتد إلى خلف الساقين؛ وفى أجساد الطير تأخذ إلى الجناحين؛ وفى أجساد السمك تأخذ إلى الأجنحة التى فى مقاديم أجسادها. والعروق التى تفترق من هذا العرق أولاً تسمى عروق الذبحة وما يفترق من عروق العرق العظيم فى ناحية العنق فإنه يمتد ويأخذ إلى العرق الخشن، أعنى قصبة الرئة. وإن أمسك أحد هذه العروق بيده حيناً، عرض لصاحبها خنق حتى يقع مثل الميت بغير حس ويغمض عينيه. فهى تمتد كما وصفنا 〈وتضم القصبة〉 فيما بينها حتى [٦١] تنتهى إلى ناحية الأذن، حيث يلتئم عظم اللحى بالرأس، ومن هناك أيضاً تفترق العروق وتتجزأ بأربعة أجزاء. فالعرق الواحد من الأربعة يعطف إلى ناحية العنق والكتف، ويأخذ إلى العرق الذى ينشق من العرق العظيم الذى فى انثناء العضد. فأما الجزء الآخر فإنه يأخذ إلى اليد والأصابع وينتهى هناك. وعرق آخر يمتد من الناحية التى تلى الأذنين، وتأخذ إلى الدماغ، ثم تتجزأ بعروق دقيقة كثيرة تفترق فى الصفاق الذى يحيط بالدماغ. فأما الدماغ بعينه فليس فيه عرق صغير ولا كبير. فأما سائر العروق التى تفترق من هذا العرق الذى وصفنا: فبعضها يحيط بالرأس، وبعضها ينتهى إلى آلة الحواس والأسنان بعروق لطيفة جداً.