Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: Historia Animalium (History of Animals)

〈ولاد الحيوان الذى يلد حيوانا: الجمل، الفيل، الفرس، الثور، الخنزير〉

فقد وصفنا سائر الحيوان، أعنى الطائر والمشاء والذى يعوم فى الماء، وجميع ما يبيض منه. ووصفنا أزمان سفادها وحملها. ولخصنا جميع الأصناف التى [١٦٥] تشبه هذه الأصناف التى فرغنا من ذكرها. فأما حيننا هذا، فإنه ينبغى لنا أن نذكر الإنسان وجميع الحيوان المشاء الذى يلد حيواناً، والأعراض التى تعرض كما قلنا فيما سلف من قولنا.

وقد قلنا قولاً عاماً وخاصاً فى الجماع والسفاد. وقد يعرض شىء مشترك عام لجميع الحيوان، أعنى الشوق والشهوة التى تكون فى أوان الجماع والسفاد. وجميع الإناث أشد شوقاً إلى الجماع عند أول الولاد، والذكورة أيضاً فى ذلك الزمان أشد شوقاً — منها بعد عبور الشباب. وينبغى أن نعلم أن ذكورة الخيل تعض الإناث وتلقيها على الأرض وتطرد ما كان فى قربها من الذكورة. — والرجال والخنازير البرية صعبة خبيثة الأخلاق فى زمان نزوها، وهى تقاتل بعضها بعضاً قتالاً شديداً، وتتهيأ لذلك القتال وتتشمر وتدنو من الشجر وتدلك جلودها، ثم تذهب إلى مواضع الطين والحمأة وتلطخ أجسادها. فإذا جف ذلك الطين تواقع لطخته بغيره. وذكر الخنازير يطرد الذكر الآخر الذى يكون فى الحظيرة حتى يخرجه عن الأنثى؛ وربما تقاتل الذكران حتى يهلكا جميعاً. — وكذلك يفعل أيضاً الثيران والكباش والتيوس، فإنها قبل زمان النزو والسفاد تأوى وترعى معاً. فإذا هاجت وبلغ زمان نزوها وسفادها، يقاتل بعضها بعضاً. — والجمل الذكر صعب الخلق إذا كان أوان السفاد، ولا يدع إنساناً ولا جملاً يدنو منه إلا عقره. والجمل الذكر خاصةً يكره قرب الفرس، ويقاتله أبداً. ومثل هذا العرض يعرض للحيوان البرى وما كان من الدببة والذئاب والأسود: 〈فجميعها〉 صعب الخلق خبيث عند أوان السفاد والنزو: وليس يقاتل بعضها بعضاً قتالاً شديداً، لأنه لا يأوى بعضها مع بعض، بل ينفرد كل ذكر مع الأنثى. وإذا كان للدب الأنثى جراء صعب خلقها جداً، وإناث الكلاب كمثل.

والفيلة أيضاً تخبث وتكون سيئة الأخلاق فى زمان سفادها. ولذلك يزعمون أن الذين يربون الفيلة بأرض الهند لا يدعون الذكورة تنزو على الإناث، لأنهم إن تركوها تجن وتحمل عليهم [١٦٦] وتهدم منازلهم — لرداءة وسخافة بنائهم أيضاً —، وتفعل شروراً أخر كثيرة أيضاً. وفيما زعم بعض الناس من أهل بلاد الهند الذين يربون الفيلة إذا كيسوا بعضها أحسنوا إليها بالعلف حتى تخصب وتنمو، ثم يرسلونها على غيرها من الفيلة التى لم تكيس، فيضربها الكيس حتى تكيس وتستأنس تلك أيضاً.

فأما أصناف الحيوان الذى ينزو على الحيوان مراراً شتى، وليس مرة واحدة من السنة فليس تجهل ولا تصعب أخلاقها لكثرة نزوها، مثل الخنازير والكلاب. وإن جهل شىء منها فهو يجهل جهلاً يسيراً، لحال استئناسه بالناس ولكثرة نزوها.

فأما من إناث الحيوان فإن الرمك تشتاق إلى النزو جداً؛ وإناث البقر أيضاً؛ ولذلك يزعمون أنه يوجد من الرمك شىء يقال له جنون الخيل؛ ولذلك يستعملون هذا الاسم على أصناف الحيوان الذى لا يضبط 〈نفسه〉 فى أوان السفاد، ويزعم بعض الناس أن الإناث تمتلىء ريحاً فى زمان النزو. فلذلك 〈فإنهم فى جزيرة كريت〉 لا يبعدون الذكورة عن الإناث. وإذا أصابت الإناث هذه الآفة تركض ركضاً شديداً، مثلما يقال إنه يصيب إناث الخنازير أيضاً. وإذا ركضت ركضاً شديداً، لا تأخذ إلى الغرب ولا إلى الشرق، بل إلى الشمال والجنوب. وإذا أصاب الإناث هذا الداء لا تدع أحداً يدنو منها، حتى تكل من التعب أو تدنو من البحر فتقف. فحينئذ يخرج من أرحامها شىء كما يخرج منها عند وضعها أولادها. وهو شبيه بالذى يخرج من الخنازير البرية. وذلك الذى يخرج منها يطلب خاصة فيما يحتاج إليه من آلة السحر. وإذا كان زمان نزوها تطأطىء رءوسها بعضها إلى بعض أكثر مما كانت تفعل ذلك أولاً، وتحرك أذنابها تحريكاً متتابعاً، وتتغير أصواتها. ويسيل من قبلها شىء شبيه بالزرع، غير أنه أرق من زرع الذكورة جداً. ومن الناس من يسمى هذا الذى يسيل: «جنون الخيل»، وليس هو الذى يكون على ظهور الأفلاء مثل الزهر. وأخذه، فيما يزعم بعض الناس، عسر جداً، لأنه يسيل قليلاً قليلاً. — وإذا اشتاقت الإناث إلى النزو تولد بولاً [١٦٧] متتابعاً ويلعب بعضها مع بعض. فهذه حال الخيل والرمك فى زمان النزو والسفاد.

فأما إناث البقر فإنها إذا اشتاقت إلى النزو تصعب وتنفر جداً حتى لا يقدر الرعاة على إمساكها وضبطها. وإناث الخيل والبقر يستبين أنها تشتاق إلى النزو من رفعها أذنابها ومن ورم أقبالها وكثرة بولها. فأما إناث البقر فإنها تركب الذكورة وتتبعها أبداً وتقف بين أيديها. وما كان من شباب إناث الرمك والبقر يشتاق إلى النزو أولاً، وخاصة إذا كانت أجسادها سماناً مخصبة. وإذا جز شعر أعراف الرمك تكف وتسكن من الشوق إلى النزو وتكون كيسة. وذكورة الخيل تعرف الإناث التى ترعى معها من رائحتها؛ وإن لبثت معها أياماً يسيرةً قبل زمان السفاد تعرفها من رائحتها، وتعضها وتخرجها من القطيع، وتكون معها على حدة؛ ويكون الذكر مع ثلاثين أنثى وأكثر من ذلك؛ وإن دنا منها ذكر آخر يتحول إليه ويقابله ويجرى خلفه ويطرده. وإن تحرك بعض الإناث، يعضها ويمنعها ويردها إلى مواضعها.

فأما الثور فإنه إذا كان أوان النزو يرعى مع البقر ويقابل الذكورة. فأما إذا لم يكن زمان السفاد، فإن بعضها يرعى مع بعض؛ ومراراً شتى يرعى فى البر معاً، ولا يظهر لتمام ثلاثة أشهر. وبقول عام: أكثر الحيوان البرى يكون مفترقاً، ولا تجتمع الإناث والذكورة ولا ترعى معاً حتى تبلغ أوان النزو والسفاد؛ بل إذا شبت وقويت الذكورة تبرز وتفترق من الإناث وترعى على حدتها.

فأما إناث الخنازير فإنها إذا اشتاقت إلى النزو، تتبع الذكورة وتدنو من الناس.

وإناث الكلاب أيضاً تلقى مثل ما ذكرنا. وإذا اشتاقت إلى النزو تتورم أقبالها ويكون فيما يلى تلك الأماكن رطوبة. فأما إناث الخيل فإنها فى زمان نزوها تنضح رطوبة بيضاء.

والطمث يعرض لإناث الخيل؛ وليس مثل طمث النساء، بل أقل منه؛ ويعرض أيضاً لكثير من إناث سائر الحيوان، ويكون دون ما يعرض للنساء. وهو [١٦٨] يعرض للمعز ولإناث الشاء إذا كان زمان نزوها قبل أن ينزو وبعد أن ينزو، ثم يحل ذلك الطمث حتى يحمل ويضع. ومن هذه العلامة يعلم الرعاة أنها حوامل، فإذا وضعت خرجت منها رطوبة كثيرة. وأول ما يخرج منها ليس بدمى، ثم يكون دماً. فأما إناث البقر والحمير والخيل، فإن الفضلة التى تخرج منها فى أوان الطمث أكثر من الفضلة التى ذكرنا، لحال عظم جثتها. وإناث الحمير والبقر تخرج فضلةً كثيرة، قدر نصف قسط، إذا كان أوان نزوها. وإذا ألقت تلك الفضلة اشتاقت إلى النزو شوقاً شديداً.

وإناث الخيل يسيرة الوضع والولاد أكثر من جميع أصناف الحيوان الذى له أربع أرجل وليس ينزل منها بعد الوضع إلا دم قليل بقدر عظم جثتها. والطمث يعرض خاصةً لإناث الخيل والبقر، ويخل شهرين وأربعة أشهر، وربما أخل ستة أشهر؛ ولكن ليس يعلم ذلك إلا من يتفقده ويتتبع الإناث وكان معاوداً لها. ولذلك يظن بعض الناس أن الطمث لا يعرض لها ألبتة.

فأما إناث البغال فليس يعرض لها شىء من الطمث، ولكن يكون بولها أخثر وأغلظ. وبقول عام: فضلة مثانة الحيوان الذى له أربع أرجل، أعنى البول، أغلظ وأخثر من بول الناس. فأما بول المعز وإناث الشاء فهو أخثر وأغلظ من بول الذكورة. فأما بول إناث الحمير فهو أرق؛ وبول إناث البقر فهو أشد حرافةً من بول الذكورة. وبول جميع إناث الحيوان الذى له أربع أرجل بعد الوضع يكون أخثر وأغلظ، وخاصةً بول الحيوان الذى يستنقى بالطمث.

وإذا بدأت الإناث تسفد، يكون لبنها رقيقاً شبيهاً بالقيح. وهو يطيب ويجود بعض وضعها. وإذا حملت المعز أو إناث الشاء تكون أخصب وأسمن، وتعتلف علفاً أكثر. وإناث البقر وسائر الحيوان الذى له أربع أرجل كمثل.

وإذا كان أوان الربيع، يشتاق كثير من الحيوان إلى النزو. وليس يشتاق جميع أصناف الحيوان إلى النزو فى زمان واحد، وإنما يعرض أكثر ذلك بقدر خصب [١٦٩] أجسادها وأوقات نزوها.

وإناث الخنازير تحمل أربعة أشهر، وأكثر ما تضع عشرون جرواً؛ وإن وضعت جراءً كثيرة لا تقوى على رضاعها وتربيتها. وإذا عجزت إناث الخنازير لا تضع جراء مثل كثرة جراء الشباب. وهى تنزو بعد نزو الشباب بزمان. وإناث الخنازير تحمل من نزوة واحدة، وربما كان ذلك مراراً شتى، كحال الفضلة التى تلقى. وهذا العرض يعرض لكل ما يلقى الزرع مع تلك الفضلة، وربما أصاب بعض ما تحمل الخنزيرة الأنثى ضرر وفساد. وتلك تكون فى جميع نواحى وأماكن الرحم. وإذا وضعت الخنزيرة الجرو الأول تمكنه من الضرع الأول.

وإذا اشتاقت إناث الخنزير إلى النزو 〈فينبغى أن〉 لا يحمل أحد عليها الذكورة قبل أن تضع وترخى أذنيها. فإن أنزيت قبل ذلك، هاجت أيضاً واشتاقت إلى السفاد. فأما إن أنزيت فى الأوان الذى ذكرنا فهى تكتفى بنزوة واحدة. وينبغى أن يعلف الخنزير الذكر شعيراً فى أوان النزو؛ وإذا حملت الأنثى فينبغى أن تعلف شعيراً مطبوخاً. وبعض الخنازير يضع جراءً مخصبة من أول ولادها، وبعضها تضع على خلاف ذلك، لأنها لا تضع جراءً مخصبة حتى تشب. وقد زعم بعض الناس أنه إن قلعت العين الواحدة من عيون الخنازير تهلك عاجلاً أكثر ذلك. وكثير من الخنازير يعيش ويبقى خمسة عشر عاماً، ومنها ما يبقى قريباً من عشرين عاماً.