Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: Historia Animalium (History of Animals)

〈القلب وسائر الأحشاء〉

وأما القلب فإن فيه ثلاثة بطون. وهو موضوع فوق الرئة، حيث تفترق قصبة الرئة بأنبوبتين. وفى القلب صفاق سمين غليظ فى المكان الذى يلصق به العرق الغليظ والعرق الذى يسمى أورطى، وذلك فى الناحية الضيقة الحادة منه. والناحية الحادة من القلب موضوعة [٢٤] على الصدر فى جميع الحيوان الذى له رئة، والذى ليس له رئة، أعنى أن الجزء الحاد منه موضوع فى مقدم الجسد، وذلك يخفى مراراً شتى على الذى يشق الجسد لمعاينة خلقة الجوف، لأنه ربما انقلب. فأما المنحدب من القلب فهو موضوع فوق الجزء الحاد منه، وهو من لحم صفيق صلب وفى بطون القلب عروق. ووضعه فيما كان من سائر الحيوان فى وسط الصدر. فأما فى الناس فإنه مائل الوضع إلى الناحية اليسرى ميلاً يسيراً، وذلك لأنه نزوع عن المفرق الذى بين الثديين قليلاً ويميل إلى ما يلى الثدى الأيسر، وهو فى الناحية العليا من نواحى الصدر.

وليس هو بكبير، ولا منظر خلقته مستطيل، بل إلى الاستدارة ما هو. وطرفه الواحد ضيق حاد. وله ثلاثة بطون، كما قلنا فيما سلف. والبطن الذى فى الناحية اليسرى عظيم. والذى فى الوسط معتدل العظم. والذى فى الناحية اليمنى صغير. وذلك البطن الأوسط والصغير مثقبان بثقب آخذة إلى ناحية الرئة، وذلك بين فى أسفل البطون. والبطن الأعظم لاصق بالعرق العظيم، وهو الذى به يلتصق المعى الأوسط أيضاً؛ فأما البطن الأوسط فهو لاصق بالعرق الذى يسمى أورطى.

وفى القلب سبيل آخذة إلى الرئة، تفترق بقدر افتراق أنابيب القصبة فى جميع الرئة، وهى تتبع الافتراق الذى يفترق من القصبة فى كل ناحية. وافتراق القصبة فوق افتراق السبل الآخذة من القلب إلى الرئة. ولحال التزاق بعضها ببعض تقبل ريح الهواء الذى يدخل فى القصبة وتؤديه إلى القلب، لأن العرق الواحد يأخذ إلى عمق السبيل الأيسر. وأما العرق العظيم، والعرق الذى يسمى أورطى — فإنا سنذكر حالهما معاً فيما نستأنف.

وفى الرئة دم كثير أكثر من الدم الذى يكون فى سائر أعضاء الحيوان الذى له رئة ويلد حيواناً فى بطنه وخارجاً. وكل رئة رخوة اللحم منتفخة مجوفة فى كل حجب من الحجاب التى فيها سبيل يأتى من العرق العظيم. وقد يظن بعض الناس أن الرئة خالية من الدم لما يعاينون من أجساد الحيوان التى تشق؛ ولم يعلموا أن الدم الذى فيها [٢٥] يخرج منها بغتةً من ساعته.

وليس فى سائر أعضاء الجوف شىء آخر فيه دم كثير، ما خلا القلب. فأما الدم الذى فى الرئة فليس بثابت. وأما القلب فالدم فيه ثابت، لأنه يكون فى جميع بطونه. والدم الذى فى البطن الأوسط لطيف دقيق صاف جداً.

وتحت الرئة حجاب الصدر، وهو لاصق بالأضلاع والجنبين والفقار. وفى أوسطه أجزاء دقيقة خلقتها من صفاق. وفيه أيضاً عروق ممتدة. والحجاب الذى فى جسد الإنسان غليظ بقدر قياسه إلى جميع جثته.

وتحت الحجاب من الجانب الأيمن: الكبد. وتحته من الجانب الأيسر: الطحال. ووضع هذه الأعضاء على حال واحدة فى جميع الحيوان الذى له هذه الأعضاء، من قبل خلقة الطبيعة. وربما تبدل وضع هذه الأعضاء فى بعض الحيوان، وإنما ذلك صنف من أصناف العجائب.

وطحال الإنسان ضيق مستطيل شبيه بطحال الخنزير. وأما كبد الإنسان فهو مستدير شبيه بكبد الثور. وفيه إناء المرة الصفراء. وفى بعض البلدان يوجد إناء المرة الصفراء فيما يذبح من الضأن أيضاً.

والكبد لاصق بالعرق العظيم وليس يسارى شيئاً من أجزاء العرق الذى يسمى أورطى. فأما العرق العظيم فهو لاصق بالكبد، حيث المكان الذى يسمى بواب الكبد. والطحال لاصق بالعرق العظيم فقط، لأن جزءاً منه يمتد وينتهى إلى الطحال.

وبعد هذه الأعضاء الكليتان وهما موضوعتان على الفقار وخلقتهما شبيهة بخلقة كلى البقر. والكلية اليمنى أرفع وضعاً من الكلية اليسرى؛ وذلك بين فى أجناس جميع الحيوان التى لها كلى. وشحم الكلية اليمنى أقل من شحم الكلية اليسرى، وهى أيضاً أجف جفافاً. 〈والأمر هكذا لدى سائر الحيوان〉.

ومن العرق العظيم والعرق الذى يسمى أورطى يخرج عرقان ينتهيان إلى أجساد الكليتين، وليسا يدخلان فى أعماقهما، فإن فى وسط كل كلية عمقاً شبيهاً ببطن، وربما كان أكبر وربما كان أصغر. وذلك يوجد فى جميع كلى الحيوان، ما خلا كلى الحيوان البحرى الذى يسمى فوقى، فإن كليتيه يشبهان كلى البقر؛ وهى صلبة جداً أكثر من جميع الكلى. [٢٦] فاما العرقان الآخذان إلى الكلى فإنهما يتبددان ويفترقان فى أجسادها وليس ينتهيان إلى بطونها. وعلامة ذلك من قبل أنه ليس فى بطونها دم، ولا يجمد فى بطونها من الدم شىء. وفى الكلى بطون صغار، كما قلنا فيما سلف. ومن أعماق الكليتين يخرج سبيلان صلبان قويان. ومن العرق الذى يسمى أورطى يخرج سبيلان آخران. ومن وسط كل كلية يخرج عرق مجوف خلقته من عصب وينتهى إلى فقار الظهر. ومن هناك يأخذ إلى الوركين، ويفترق هناك ثم يظهر أيضاً ممتداً على الورك. فأما السبيل التى تخرج من العروق التى تسمى فلبيون فهى تنتهى إلى المثانة، لأن المثانة آخر الأعضاء التى فى الجوف، وهى متعلقة بالسبيل الآخذ من الكليتين إلى أصل الذكر. وحول المثانة من كل ناحية أصفاق دقيقة شبيهة بالشعر، ومنظرها قريب من منظر حجاب الصدر. ومثانة الإنسان عظيمة بقدر قياسها إلى جثته.

والذكر لاصق بعنق المثانة والسبيل التى تخرج من العروق وتنتهى إلى المثانة ثم تأخذ إلى الأنثيين 〈والذكر خلقته غضروفية. ويلتصق بالذكر الانثيان عند الذكور〉. وسنذكر حال خلقة الانثيين وخلقة الأرحام فيما يستأنف.

وينبغى أن تعلم أن جميع أعضاء الجوف فى الذكورة والإناث متفقة متشابهة، ما خلا الأرحام؛ ومنظرها يعرف من الرسم الموضوع فى «علم الشق». فأما وضع الرحم فعلى المعى، وبعد الرحم المثانة. وليست خلقة جميع أرحام الحيوان واحدة، ولا يشبه بعضها بعضاً، لا بالوضع ولا بغير ذلك.

فهذه حال خلقة أعضاء الإنسان فى باطن جسده والتى خارجه ووصفها على ما وصفنا.

تم تفسير القول الأول من كتاب أرسطاطاليس الفيلسوف فى الحيوان وطبائعها وألوانها. ويتلوه: