Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: Historia Animalium (History of Animals)

القول العاشر من تفسير كتاب «طبائع الحيوان» لأرسطاطاليس الفيلسوف

〈أسباب العقم. الأسباب القائمة فى الرحم وفى الحيض〉

وإذا طعن الرجل وزوجته فى السن ربما انقطع عنهم الولاد، وربما كانت علة ذلك من كليهما، وربما كانت من أحدهما. فينبغى أن تتفقد حال المرأة أولاً، وكيف حال رحمها، لكى إن كانت العلة من قبل الرحم، عولج بالعلاج الذى ينبغى؛ وإن كانت من عضو آخر من أعضاء الجسد، عولج أيضاً. ويستبين إن كان العضو صحيحاً إذا فعل فعله تاماً كاملاً بغير أذى ومكروه، وبعد العمل لا يلزمه تعب ولا ضعف، كقولى إذا لم تكن العين مؤذية وتبصر بصراً جيداً، وبعد البصر لا تقلق ولا تضعف، بل تقوى على البصر أيضاً. وإذا لم تكن الرحم مؤذيةً ولم يعرض للجسد من ناحيتها وجع، وعملت عملها الطباعى بنوع الكفاية، وبعد العمل لا تضعف ولا تتعب: فهى صحيحة وحالها سليمة.ويقال إن الرحم ربما كانت سيئة الحال و〈لكنها〉 على 〈رغم〉 ذلك تعمل عملها الطباعى بغير أذى ولا مكروه 〈بشرط أن يكون سوء حالها لا يتعلق بالجزء الضرورى لقيامه بوظيفته — 〈مثلما أنه〉 قد يمكن أن تكون 〈العين〉 رديئة الحال وهى بعد تبصر بصراً حاداً، إن لم يعرض لها وجع يمنعها من ذلك. والرحم أيضاً إن أصابها آفة فى موضع حمل الجنين لا تعمل عملها الطباعى. — وينبغى أن يعلم حسن حال الرحم: وبأن كانت فى مكانها وأن لم تزل عنه وتصر فى مكان آخر، غير أنها ربما استبعدت عن موضعه بغير آفة مكروهة وربما كان حس رديئاً: ومعرفة ذلك يسيرة ليست بعسرة. [لأنها تعرف من البين] ويستبين أنه ينبغى أن تكون الرحم على ما ذكرنا — من الصفات التى نصف حيننا هذا: فإنه إن لم تكن الرحم فى مكانها قريبة من الموضع الذى يصل إليه ذكر [٢٨٦] الإنسان، لا تجذب الزرع إلى ذاتها، لحال بعدها من المكان الطباعى. وإن كانت الرحم متسافلة أيضاً أكثر مما ينبغى لا تفتح ولا تسف الزرع. ولذلك ينبغى أن تتفقد حال الرحم وتعالج حتى تبرأ من السقم 〈الذى〉 لزمها.

وينبغى أن يكون سيل (= حيض) النساء مستقيم الحال، وفى الأوقات المتساوية المعروفة، ولا يكون فى أزمان مختلفة. فإنه إن كان على مثل هذه الحال، دل على صحة البدن وسلامته، وعلى أن الرحم يتفتح ويقبل الرطوبة التى تخرج من جسد الرجل. فأما إن كان الطمث مراراً كثيرة، أو مراراً قليلة، أو فى غير أوقاته، ولم يكن سائر الجسد سقيماً بل صحيحاً، فهو بين أن العلة من قبل الرحم.

〈فإما أن الرحم لا تنفتح فى الأوقات المناسبة بسبب قلة حساستها، بحيث تتلقى كمية ضئيلة جداً من السائل، وإما أنها تتلقى من السائل مقداراً زائداً جداً، بسبب التهاب فيها، وهذه علامة على أن حالتها تحتاج إلى علاج، تماماً كما فى حال العين والمثانة والقناة الهضمية، وسائر أجزاء الجسم: إذ أن كل هذه المواضع حين تحدث فيها التهابات، فإنها تجتذب نوعاً من السائل الذى يذهب إلى كل موضع من هذه المواضع، لكن ليس بالقدر أو الطبيعة الذى ينبغى. والأمر كذلك بالنسبة إلى الرحم: فإنها إن أفرزت كمية كبيرة جداً من السائل فهذه علامة على أنها مصابة بنوع من الالتهاب، إن أفرزت سائلاً شبيهاً بسائل الأرحام السليمة، ولكن بكمية زائدة جداً. أما إذا كان هذا السائل ليس من نفس طبيعة السائل الذى تفرزه الأرحام السليمة، وكان فاسداً، فمن الواضح إذن أننا بإزاء مرض حقيقى. ولا بد أن هذه علامة على اضطرابات أليمة فى الرحم على أن حالتها ليست طبيعية. وفى الأرحام السليمة تسيل السوائل البيضاء والمتعفنة: البعض منها فى بداية الحيض، والبعض الآخر — وتلك هى الحالة الأكثر حدوثاً — عند نهاية الحيض. وهكذا كلما كانت الأرحام قابلة لإسالة أكثر عفونةً مما فى حالة الأرحام السليمة، إما مضطربة أو زائدة المقدار جداً، أو نادرة جداً: فمعنى هذا أنها فى حاجة إلى مزيد من العلاج، لأن هذه عوائق عن الولاد. لكن بالنسبة إلى الأرحام التى تكون مددها غير منتظمة فقط وتحدث على فترات غير متساوية، فإن الإصابة تكون عائقاً أقل ضرراً، ولكنها مع ذلك علامة على عدم استقرار حال الرحم، إذ لا يظل على حاله دائماً. وهذه الإصابة تجر، بالنسبة إلى الأرحام الحسنة التكوين، نوعاً من المضايقة التى تعوق الولاد. ولكنها مع ذلك ليست مرضاً: إنما هى إصابة من نوع يمكن الشفاء منه بدون علاج، إذا لم ينضف إليها سبب آخر من أسباب الاضطراب. لكن إن حدث تغير فى انتظام العادة الشهرية أو كميتها، ولم يبق الجسم نفسه فى نفس الحالة، لكن يكون أحياناً مفرط الرطوبة وأحياناً مفرط الجفاف، فإن الرحم تكون غير مسئولة، لأنها تتبع بالضرورة مزاج البدن، ولا يتلقى ولا يقذف السائل إلا بحسب هذا الأخير. فلو حدث للبدن السليم تغير من هذا النوع، وجر ذلك إلى حدوث اضطرابات فى الرحم مما ذكرناه، فإن الرحم لا تكون فى حاجة إلى أى علاج. ولو حدث على العكس من ذلك أنه فى جسم مريض أفرزت الرحم كمية قليلة جداً من السائل، نظراً إلى أن كل الإفراز يتم عن طريق آخر، أعنى فى موضع الداء من الجسم، أو لو أفرز السائل بكميات زائدة جداً، نظراً إلى كون الجسم يفرز إفرازاته فى هذا الموضع، — فإنه فى كلتا الحالتين هذا يعنى أنه ليست الرحم نفسها هى المحتاج: إلى العلاج، بل الجسم. وكون كل تغيير فى الحالة العامة للجسم تصحب بتغيرات فى حالة الطمث — هذا يدل على أن السبب لا يقوم فى الرحم، بل أن الرحم بقيت سليمة. والرحم نفسها تكون فى أوقات مختلفة مرةً فى حالة نقص نسبى، ومرةً فى حالة قوة أشد نسبياً؛ ومرة رطبةً، ورمة جافةً. وفيما يتعلق بمجىء الطمث بانتظام، فإنه حين يكون الجسم غنياً بالسائل؛ فإن دم الطمث يكون وفيراً؛ وإن كان الجسم أقل غنى بالسائل، كان دم الطمث أقل؛ وإذا كان الجسم رطباً، كان الطمث أكثر رطوبة، وإن كان أشد جفافاً، كان الطمث أكثر احتواءً على الدم. وفى البداية يتألف الطمث من سائل ذى لون أبيض شبيه باللبن وليست له رائحة. والسيل الأبيض ليس له رائحة التعفن، بل له رائحة حادة وثقيلة؛ وليست أيضاً كرائحة القيح. ودون حدوث تحلل، فإنه مع ذلك يصحب بحرارة، إذا كان الطمث على النحو الذى ذكرناه. —وهكذا فإن كل النساء اللواتى يتخذ الطمث عندهن هذه الخصائص، لهن أعضاء رحمية مناسبة للإنجاب.