Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: In Hippocratis Epidemiarum librum I (On Hippocrates' Epidemics I)

قال أبقراط: وينبغي أن تلزم نفسك شيئين: أحدهما أن تنفع المريض، والآخر ألّا تضرّه.

قال جالينوس: قد كنت مرّة أرى أنّ هذا أمر يسير لم يبلغ من قدره أن يذكره أبقراط، وذلك أنّي كنت أظنّ أنّه ليس أحد من الناس يشكّ في أنّه ينبغي للطبيب أن يكون أعظم قصده «لنفع» المرضى، فإنّ من لم يبلغ إلى ذلك، فلا أقلّ من «ألّا يضرّهم». وكان ذلك في أوّل ابتداء تعلّم الطبّ قبل أن أعالج منه شيئاً أو أحضر غيري يعالجه.

فلمّا حضرت ذلك فرأيت كثيراً من المشهورين بالطبّ قد يذمّون في موضع الذمّ بإضرارهم بكثير من المرضى بفعل شيء يفعلونه بهم، إمّا من فصد عرق، وإمّا من إدخال حمّام، وإمّا من إسقاء دواء، وإمّا من الإذن للمريض في شرب الخمر أو شرب الماء البارد، توهّمت بأن يكون أبقراط خليقاً أن يكون عرض له بعض هذا، ولم أشكّ أنّ ذلك لا محالة قد عرض لكثير ممّن كان في دهره.

فأخذت نفسي منذ أوّل ذلك بالعناية والاجتهاد، متى أردت أن أعالج المريض بضرب من ضروب العلاج القويّ، أن أتفكّر فيما بيني وبين نفسي أوّلاً في عاقبة ذلك العلاج. ولا أقتصر على أن أنظر كم مبلغ نفعي للمريض إن بلغت غرضي الذي قصدت إليه بذلك العلاج، دون أن أنظر مع ذلك كم مبلغ إضراري به إن أخطأت غرضي. فلم أفعل شيئاً قطّ في حال من الأحوال إلّا بعد أن يصحّ عندي أنّي، إن لم أبلغ غرضي، لم أضرّ المريض مضرّة يُعتدّ بها.

وأرى مذهب كثير من الأطبّاء في كثير ممّا يعالجون به لمرضى مذهب ألعاب بالنرد في التقاء الفصّين: فربّما عالجوا المريض بأصناف من العلاج، إن لم ينالوا بها الغرض الذي قصدوا إليه، جنوا بها على المريض جناية عظيمة جدّاً.

وقد أعلم علماً يقيناً أنّ المتعلّم بهذه الصناعة يظنّ، كما كنت ظننت، أنّ القول بأنّ الطبيب ينبغي أن يقصد لنفع المريض، وإن لم ينفعه، ألّا يضرّه، قول لم يبلغ من قدره أن يذكر أبقراط في كتابه. فأمّا من عالج الطبّ فأعلم علماً يقيناً أنّه تبيّن له منفعة هذا القول. فإن كان مع ذلك ممّن قد عرض له أن استعمل العجلة على التقدّم في علاج قويّ عالج به مريضاً، فعرض لذلك المريض منه أن مات، فهو خاصّة يفهم مبلغ نفع موعظة أبقراط هذه.

قال أبقراط: قوام الصناعة بثلاثة أشياء: المرض والمريض والطبيب. والطبيب خادم الطبيعة، وينبغي للمريض أن يقاوم المرض مع الطبيب.

قال جالينوس: يعني أنّ الأشياء التي فيها وبها يكون علاج الطبّ حتّى يتمّ بها البرء ثلاثة أشياء، منها أوّلاً اثنان متضادّان متقاومان كالمحاربين، أعني الطبيب والمرض، وذلك أنّ قصد الطبيب بعفاء المرض، وشأن المرض ألّا يقهر ويغلب.

والثالث هو المريض، فإن قبل المريض من الطبيب وفعل ما يأمره به،‌