In Hippocratis Epidemiarum librum I (On Hippocrates' Epidemics I)
وأنّ الورم الصلب الذي يحدث في الكبد ورم قتّال طويل. فإذا عرفتَ ذلك وما أشبهه من أمر الأمراض، قدرتَ أن تستدلّ به على ما سيكون من حالها، فتكون قد استفدتَ من ذلك تقدمة المعرفة.
وأمّا تقدمة المعرفة التي تكون من نفس «المريض» بما تؤول إليه حاله فيكون على ضربين، أحدهما يكون على هذا المثال: «إنّ الجواب الذي فيه بعض التقدّم من الحليم الدمث دليل رديء». وبخلاف ذلك أيضاً إن كان المريض صاحب تهوّر فهو، وإن تكلّم بكلام تخليط فضلاً عن أن يكون في جوابه تسرّع وإقدام، لم يدلّ ذلك على خطر بعد أن تكون به حمّى حارّة محرقة.
والضرب الآخر الذي يستدلّ به من نفس المريض على ما تؤول إليه حاله يكون على هذا المثال: إن فعل المريض جميع ما ينبغي أن يفعله وقبل من الطبيب كلّ ما يأمره به فلم ينتفع بشيء، فمرضه مرض صعب. وبخلاف ذلك أيضاً متى رأيتَ المريض لا يفعل شيئاً ممّا ينبغي، ثمّ رأيتَ مرضه باقياً على حاله، علمتَ أنّ مرضه مرض خفيف.
وكذلك تكون تقدمة المعرفة من الأشياء التي «يعالج بها المريض»، وذلك أنّها متى كانت رديئة على غير ما ينبغي فلم يتزيّد المرض زيادة، فالمرض سليم خفيف. ومتى كان جميع «ما يعالج به المريض» على ما ينبغي فلم ينتفع المريض بشيء منه بل ازداد شدّة وصعوبة، دلّ ذلك على أنّ المرض مرض صعب رديء.
وأمّا أنا فقد رأيتموني مراراً كثيرة وأنا مقتصر على تعرّف حال الأمراض في سلامتها وخطرها «بما يعالج به المرضى»، حتّى أتعرّف به مع ذلك كثيراً أنواع الأمراض وطبائعها، لكن قد شرحت هذا كلّه، كما قلت في غير هذا الكتاب، شرحاً تامّاً.
وأمّا قوله «إنّه يُستدلّ ممّن يعالج المريض هل أمر المريض أسهل أو أصعب» فينبغي أن نفهمه على هذا الوجه: إنّا قد نرى كثيراً أمراضاً قد تطاولت مدّتها من حمّيات أو غيرها، فنجعل بعض ما نستدلّ به على أمرها وتزداد به خبرة وتبصرة بالحال الماضية فيها وما تؤول إليه فيها بعد أن نتعرّف من كان الطبيب المعالج لذلك المريض. فإنّه إن كان ممّن عنده فضل معرفة، فالرجاء لبرء ذلك المريض يسير. وذلك أنّه إذا كان جميع ما يعالج به قد جرى على الصواب ولم ينتفع المريض بشيء، قد دلّ ذلك على خبث ورداءة من المرض. وإن كان ذلك الطبيب خسيس المعرفة، رجونا أنّا إن عالجنا ذلك المريض بكلّ ما ينبغي أن يعالج به، سلم من مرضه.
وتكون تقدمة المعرفة أيضاً والاستدلال على ما تؤول إليه حال المريض من «حال الأمور السمائيّة»، يعني من طبيعة مزاج الهواء. وأمّا قوله «بالجملة وجزءً جزءً» فيتبيّن لك معناه إن تذكّرتَ ما وصفه في «حالات الهواء» الثلاثة التي تقدّم ذكرها التي وصف فيها أبقراط شيئاً شيئاً ممّا حدث في الهواء من الحرّ والبرد واليبس والرطوبة وهبوب الرياح وسكونها، ثمّ حكم