Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: In Hippocratis Epidemiarum librum I (On Hippocrates' Epidemics I)

‌الخلط الرطب البارد، أعني البلغم؛ وإذا كان الصيف باقياً على طبيعته تولّد فيه في البدن الخلط اليابس الحارّ، أعني المرّة الصفراء؛ كذلك إذا كانت حال الهواء حالاً غيوميّة، غلب من الأخلاط في الطبائع والأسنان البلغميّة البلغم الذي هو في حال يستحقّ أن ينسب فيها إلى أنّه ضبابيّ غيوميّ، وفي الطبائع والأسنان التي يغلب عليها المرار المرّ ⟨المرار⟩ الذي يستحقّ أن ينسب إلى أنّه ضبابيّ غيوميّ. وذلك أنّه قد يتحلّل من أبداننا دائماً شيء بخاريّ، إلّا أنّ ما يتحلّل منه متى كانت حال الهواء حال يبس أكثر ما يكون ومتى كانت حاله حال رطوبة أقلّ ما يكون. فإذا اجتمع ذلك من داخل، جعل الروح الغريزيّ الذي فينا بمنزلة الضبابيّ، وذلك أنّ حال البخار عند الروح الذي في أبدان الحيوان بمنزلة حال الضباب عند الهواء المحيط بها، فيجوز للناظر في هذا أن يجسر أيضاً فيقول إنّ الروح الذي في أبداننا يصير في تلك الحالات كالضبابيّ.

والضباب إذا اتّفق له في وقت واحد أمران، أحدهما أن يرتفع والآخر أن يجتمع ويتلزّز، فإنّه يصير غيماً أبيض، وذلك أنّ الهواء، متى لم تكن فيه رطوبة وكان نقيّاً صافياً في غاية الصفاء، لم يمكن أن يكون فيه غيم، ولا يمكن أن يتولّد فيه الغيم إلّا مع رطوبة. وإذا تولّد الغيم فيه، فإنّما يكون صفاؤه وسواده بحسب سخافته أو تكاثفه، وذلك أنّه إذا كان سخيفاً، نفذ فيه إلينا ضوء الشمس، ومن قبل ذلك يرى الغيم صافياً نيّراً، لأنّ نور الشمس يُضيء فيه كما يُضيء في الأجسام التي لها مستشفّ. وإذا تلزّز الغيم وتكاثف، لم ينفذ ضوء الشمس، وبالواجب يرى أسود في تلك الحال، كما قد يرى الهواء بالليل إذا فارقه ضوء الشمس. وقد يرى الضباب رؤية بيّنة ربّما انحدر إلى الأرض، فيقال له عند ذلك «الطلّ»، وربّما ارتفع إلى العلوّ فيصير عياناً غيماً، إمّا أبيض وإمّا أسود؛ أمّا الأبيض منه فإذا قبل، كما قلنا، في بدنه كلّه نور الشمس، وأمّا الأسود فإذا لم يقبل منه شيابته، وأمّا الألوان التي فيما بين هذين اللونين فإنّما تصير للغيوم بحسب مقدار ما يخالطها من الضوء.

ولعلّك تظنّ أنّ هذا القول الذي قلته يتناقض، وهو ما قلت إنّ الرطوبة يرتفع بأسرها إلى العلوّ ويتلزّز، وذلك أنّ ارتفاعها من قبل الحرارة وتلزّزها من قبل البرد، وليس يمكن أن يكون شيء واحد بعينه في حال واحدة حارّاً وبارداً؛ إلّا أنّك إن توهّمتَ أنّ البخار نفسه الذي يرتفع هو حارّ ولذلك يسمو ويعلو، والهواء الذي يقبله بارد، لم يعتصّ ويغمض عليك كيف يمكن أن يرتفع ويتلزّز في حال واحدة، وذلك أنّ ارتفاعه‌

‌الخلط الرطب البارد، أعني البلغم؛ وإذا كان الصيف باقياً على طبيعته تولّد فيه في البدن الخلط اليابس الحارّ، أعني المرّة الصفراء؛ كذلك إذا كانت حال الهواء حالاً غيوميّة، غلب من الأخلاط في الطبائع والأسنان البلغميّة البلغم الذي هو في حال يستحقّ أن ينسب فيها إلى أنّه ضبابيّ غيوميّ، وفي الطبائع والأسنان التي يغلب عليها المرار المرّ ⟨المرار⟩ الذي يستحقّ أن ينسب إلى أنّه ضبابيّ غيوميّ. وذلك أنّه قد يتحلّل من أبداننا دائماً شيء بخاريّ، إلّا أنّ ما يتحلّل منه متى كانت حال الهواء حال يبس أكثر ما يكون ومتى كانت حاله حال رطوبة أقلّ ما يكون. فإذا اجتمع ذلك من داخل، جعل الروح الغريزيّ الذي فينا بمنزلة الضبابيّ، وذلك أنّ حال البخار عند الروح الذي في أبدان الحيوان بمنزلة حال الضباب عند الهواء المحيط بها، فيجوز للناظر في هذا أن يجسر أيضاً فيقول إنّ الروح الذي في أبداننا يصير في تلك الحالات كالضبابيّ.

والضباب إذا اتّفق له في وقت واحد أمران، أحدهما أن يرتفع والآخر أن يجتمع ويتلزّز، فإنّه يصير غيماً أبيض، وذلك أنّ الهواء، متى لم تكن فيه رطوبة وكان نقيّاً صافياً في غاية الصفاء، لم يمكن أن يكون فيه غيم، ولا يمكن أن يتولّد فيه الغيم إلّا مع رطوبة. وإذا تولّد الغيم فيه، فإنّما يكون صفاؤه وسواده بحسب سخافته أو تكاثفه، وذلك أنّه إذا كان سخيفاً، نفذ فيه إلينا ضوء الشمس، ومن قبل ذلك يرى الغيم صافياً نيّراً، لأنّ نور الشمس يُضيء فيه كما يُضيء في الأجسام التي لها مستشفّ. وإذا تلزّز الغيم وتكاثف، لم ينفذ ضوء الشمس، وبالواجب يرى أسود في تلك الحال، كما قد يرى الهواء بالليل إذا فارقه ضوء الشمس. وقد يرى الضباب رؤية بيّنة ربّما انحدر إلى الأرض، فيقال له عند ذلك «الطلّ»، وربّما ارتفع إلى العلوّ فيصير عياناً غيماً، إمّا أبيض وإمّا أسود؛ أمّا الأبيض منه فإذا قبل، كما قلنا، في بدنه كلّه نور الشمس، وأمّا الأسود فإذا لم يقبل منه شيابته، وأمّا الألوان التي فيما بين هذين اللونين فإنّما تصير للغيوم بحسب مقدار ما يخالطها من الضوء.

ولعلّك تظنّ أنّ هذا القول الذي قلته يتناقض، وهو ما قلت إنّ الرطوبة يرتفع بأسرها إلى العلوّ ويتلزّز، وذلك أنّ ارتفاعها من قبل الحرارة وتلزّزها من قبل البرد، وليس يمكن أن يكون شيء واحد بعينه في حال واحدة حارّاً وبارداً؛ إلّا أنّك إن توهّمتَ أنّ البخار نفسه الذي يرتفع هو حارّ ولذلك يسمو ويعلو، والهواء الذي يقبله بارد، لم يعتصّ ويغمض عليك كيف يمكن أن يرتفع ويتلزّز في حال واحدة، وذلك أنّ ارتفاعه‌