Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: In Hippocratis Epidemiarum librum I (On Hippocrates' Epidemics I)

‌البلغم إذ كان البلغم أبرد الأخلاط وكان الشتاء أبرد أوقات السنة. وتكثر في الصيف المرّة الصفراء إذ كانت المرّة الصفراء أسخن الأخلاط وكان الصيف أسخن أوقات السنة. وتكثر في الخريف المرّة السوداء لبقايا ما يبقى فيه ممّا يحترق في الصيف من الخلطين الحارّين من أخلاط البدن، أعني الدم والمرّة الصفراء. وعلى هذا القياس تكون الأمراض أيضاً التي تحدث في كلّ وقت من هذه الأوقات أمراضاً تخصّه دون سائر الأوقات مشاكلةً للخلط الغالب فيه.

ولو كانت أوقات السنة إنّما تولّد هذه الأخلاط التي ذكرنا بسبب أسمائها، لَما كانت، إذا حالت وتغيّرت عن مزاجها الخاصّ، تولّد غير تلك الأخلاط. ولمّا كان كلّ واحد منها إنّما كان يزيد فيه كلّ واحد من الأخلاط التي ذكرت بسبب مزاجه الخاصّ، لا بسبب اسمه، وجب ضرورة متى تغيّر مزاج الهواء المحيط بنا أن تتحوّل باستحالته الأخلاط.

وقد قال أبقراط في كتاب الفصول: «إنّه متى حدث في وقت من أوقات السنة في اليوم الواحد حرّ مرّة وبرد مرّة أخرى، فينبغي أن تتوقّع أمراضاً خريفيّة». وذلك يجب من قبل أنّه كما أنّ كلّ واحد من أوقات السنة، إذا بقي على مزاجه المخصوص به، إنّما يُحدث من الأمراض ما يشاكل طبيعته، كذلك إذا حال حتّى يخرج من طبيعته إنّما يُحدث من الأمراض ما يشاكل الحال الحادثة له. فإن قلتَ: «مال بأنّ جميع الأبدان لا يكون مرضها مرضاً واحداً بعينه في كلّ واحد من أوقات السنة؟» قلت: «إنّ السبب في ذلك أنّ الأبدان تختلف اختلافاً ليس باليسير في طبائعها الأُوَل وفي أسنانها وفيما يتصرّف فيه ويتدبّر به أصحابها».

فلهذه الأسباب كلّها صار بعض الأبدان تسرع إليه الاستحالة من مزاج الوقت الحاضر، وبعضها يثبت ويقاوم ذلك المزاج مدّة طويلة، وبعضها لا يناله منه ضرر بتّة، وبعضها يعرض له المرض من الخطاء في التدبير قبل أن يناله الضرر من مزاج ذلك الوقت. فكما كانت الأبدان، إذا نالها الضرر من الهواء، إنّما يصيبها من الأمراض ما يشاكل مزاجه، كذلك إذا عرض لها المرض من التدبير يكون المرض الذي يعرض لها مشاكلاً للخطاء فيه.

فالذي‌