Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: In Hippocratis Epidemiarum librum I (On Hippocrates' Epidemics I)

‌من الخلق الذي كان عليه ذلك الإنسان فيما تقدّم. وذلك أنّك إن رأيتَه يتكلّم على عادته التي لم تزل، لم تتوقّع له صعوبة من الحال في مرضه، وإن رأيتَ كلامه مخالفاً لخلقه كان فيما تقدّم، علمتَ أنّ تلك علامة رديئة، وذلك أنّه يدلّك أنّ المريض قد يشارف أن تحدث في ذهنه آفة.

ثمّ قال بعد هذا «والضروب»، وينبغي أن ننظر على ماذا يدلّ هذا الاسم. فإنّ من عادة القدماء أن يستعملوا هذا الاسم على معنيين: وربّما وصفوا به حال النفس التي تسمّى «الخلق»، «السجيّة»، وربّما سمّوا به «أصناف» الشيء الذي يكون كلامهم فيه. ومثال ذلك أنّه إن كان كلام المتكلّم في التدبير فقال «ضروب التدبير»، فهو يعني «بضروب» أصنافه. وكذلك إن كان كلامه في الحمّيات فقال: «إنّ ضروب الحمّيات كثيرة»، فإنّما يعني أنواعها وأصنافها وفصولها. فهو في هذا الموضع يعني «بالضروب» إمّا أخلاق النفس وإمّا أصناف الكلام، وذلك أنّه ذكر «الكلام» قبل ذكره للضروب، حتّى يكون كأنّه قال: «والكلام وأصنافه». لا فرق في هذا الموضع بين أن أقول «أصناف» أو «أنواع» أو «فصول»، إذ كانت هذه الأشياء كلّها تكون من تفسير الشيء الذي يتوهّم عامّاً جنسيّاً.

ثمّ ذكر بعد هذا «السكوت». وكما أنّ «الكلام» من المريض يدلّ على حاله، كذلك سكوته. فقد يدلّ على ذلك بعد أن يعلم هل السكوت من طبع ذلك المريض أو ليس هو من طبعه. وذلك أنّه إن كان الإنسان سكّيتاً، فالسكوت له طبيعيّ، وإن كان كثير الكلام، فالسكوت له خارج من الطبيعة. فالسكوت يدلّ بمن كان كثير الكلام على كسل حدث له من طريق السبات دعاه إلى السكوت على خلاف طبيعته أو على ابتداء الوسواس السوداويّ. وأمّا السكّيت، إذا هو لم يستعمل الصمت فكثر كلامه أو زاد على المقدار الذي كان من عادته أن يتكلّم به، فذلك يدلّ على اختلاط في ذهنه.

وذكر بعد هذا «الخواطر»، وليس ذلك من الأمور المحسوسة الظاهرة، لكنّه أمر يتعرّف بدلائل. والدلائل التي تعرف بها هي ما يتكلّم به المريض وما يفعله: من ذلك أنّه أتاني رجل يوماً باكراً قد كان من عادته أن يمشاني لطلب العلاج، فشكا إليّ أنّه بات ليلة كلّها آرقاً ساهراً، يتفكّر وينظر ما الذي يعرض إن بُرى الملك الذي قد يزعم الشعراء أنّه يحمل السماء ويسمّونه «أطلس» عن كلال يصيبه في حملها. فحين سمعت هذا منه، علمت أنّه قد ابتدأ به الوسواس السوداويّ. وقد تدلّ أيضاً الأفعال التي يفعلها المريض على الخواطر التي تخطر بباله.

ثمّ قال بعد هذا أبقراط «والنوم وخلافه». ولست أحتاج أن أقول في هذا الموضع فيها شيئاً، إذ كنت قد تقدّمت فشرحت أمر النوم والأرق في تفسيري لكتاب الفصول ولكتاب تقدمة المعرفة.‌‌