Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: In Hippocratis Epidemiarum librum I (On Hippocrates' Epidemics I)

‌في آخر اقتصاصه ما اقتصّ من حالها أيّ مزاج كان الغالب على الهواء في كلّ واحد من تلك الأحوال، مثل ما قال في آخر اقتصاصه للحال الأولى من الهواء: «إنّه لمّا كانت حال الهواء في تلك السنة كلّها جنوبيّة مع يبس وعدم المطر»، على أنّه لم يكن هبوب الجنوب دائماً متّصلاً في تلك السنة كلّها ولا اليبس وعدم المطر. وقال أيضاً في اقتصاصه للحال الثانية من الهواء: «فلمّا كانت السنة كلّها رطبة باردة شماليّة». وإنّما حكم عليها بذلك من المزاج الغالب كان على الهواء فيها، وذلك أنّه من المحال ألّا يكون كان في تلك السنة كلّها يوم من الأيّام حارّ، ويوم من الأيّام يابس، ويوم من الأيّام جنوبيّ.

وكذلك أيضاً الحال في أصناف الأمراض التي ذكر أنّها حدثت في كلّ واحدة من تلك الحالات من شبه صنف من أصناف الأمراض، ولم يكن يمكن ألّا يخالط تلك الأمراض غيرها من أصناف أخر. وممّا يدلّ على ذلك أنّه، لمّا فرغ من اقتصاص تلك الحال الأولى من الهواء كلّها، قال بهذا اللفظ: «فالأمراض القاتلة إنّما عرضت من جميع من ذكر في هذه الحال من حالات الهواء لأصحاب السلّ فقط. فأمّا سائر جميع من مرض فيها فكان مرضه خفيفاً، ولم يعرض لأصحاب تلك الحمّيات موت».

فليس جميع الأمراض التي تحدث في كلّ واحدة من أحوال الهواء من صنف واحد، ولا تلك الحال أيضاً في جميع الأيّام من السنة تكون حالاً واحدة. وإنّما نقول في حال من الهواء إنّها باردة أو رطبة أو غير ذلك من أصناف المزاج بالغالب على الهواء من المزاج فيها. وذلك أنّ أبقراط وصف في كلّ واحدة من تلك الأحوال من الهواء أنّه كان في الربيع أمراض وفي الصيف غيرها وفي الخريف أيضاً غير ذلك وفي الشتاء غير الجميع، إلّا أنّ الغالب كان على حال في جملة السنة في هذه الحال هذا الصنف من الأمراض وفي حال أخرى صنف آخر. فهذا هو معنى أبقراط في قوله «حال الأمور السمائيّة بالجملة وجزءً جزءً».

وإنّما أضاف إلى قوله «الحال» قوله «الأمور السمائيّة»، لأنّ اسم «الحال»، إذا أطلق فلم يضف إليه شيء، قد يجوز أن يدلّ على طبيعة البلد وغيره من جميع الأشياء. ممّا يدلّ على ذلك أنّه، لمّا قال «وحال الأمور السمائيّة بالجملة وجزءً جزءً»، أتبع ذلك بأن قال: «وحال بلد بلد».

وقد بيّنت مراراً كثيرة أنّ طبيعة «البلد» أيضاً تعين معونة قويّة على تقدمة المعرفة بالأمراض التي هي مزمعة أن تحدث. وأنا مقتصر بك في هذا الموضع على أن أرشدك إلى كتاب أبقراط في الهواء والمواضع والماء، فإنّه يخبرك ⟨فيها⟩ في أيّ الأمراض يكثر في «بلد بلد». فإنّ تولّد تلك‌