Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: In Hippocratis Epidemiarum librum I (On Hippocrates' Epidemics I)

ثمّ ذكر بعد ذلك «المنامات». وقد شرحت أيضاً أمر المنامات كلّها، وخاصّة ما كان منها يدلّ على علّة من علل البدن، كما وُصف من أمرها في كتاب تدبير الأصحّاء المنسوب إلى أبقراط. وذلك أنّه متى رأى الإنسان في منامه حريقاً، دلّ ذلك على غلبة المرّة الصفراء في بدنه، ومتى رأى أمطاراً، دلّ على غلبة الرطوبة الباردة في بدنه. وكذلك من رأى ثلجاً وجمداً وبرداً، دلّ ذلك على غلبة البلغم البارد، وإذا رأى في منامه أنّه في موضع قذر منتن، دلّ ذلك على أنّ في بدنه خلطاً عفناً. وعلى هذا القياس يجري الأمر في سائر الحالات.

ولذلك أردف قوله «المنامات» بأن قال: «أيّ المنامات هي ومتى تكون». فدلّ بقوله «أيّ المنامات هي» على أصنافها، وذلك قد كان يفهم عنه ولو لم يلحقه. وأمّا قوله «ومتى تكون» فدلّ به على أنّه ينبغي أن يتفقّد الوقت الذي فيه تكون المنامات، أعني أنّه متى ما رأى المريض مناماً، فينبغي أن ينظر هل رؤيته كانت لذلك المنام في وقت أوّل نوبة حمّاه أو في منتهاها أو في وقت غيرهما. ومتى رأى أيضاً مناماً، فينبغي أن ينظر هل رآه صاحبه بقرب عهد منه بتناول الطعام، وبعد تناول أيّ طعام رآه، أو كانت رؤيته له من غير تناول طعام، فإنّ هذه الأشياء أيضاً ممّا قد نستدلّ بها: من ذلك أنّه متى رأى إنسان في منامه أنّه في الثلج، ثمّ كان ذلك في ابتداء حمّى معها نافض أو قشعريرة أو برد، فأكثر الأمر إنّما ينبغي أن يضاف في تلك الحال إلى الوقت، لا إلى حال البدن. فإن كان إنّما رأى ذلك المنام في وقت انحطاط في نوبة الحمّى، دلّ ذلك دلالة أصحّ وآكَد على برد الأخلاط الغالبة في البدن، وسيّما إن كان صاحب ذلك المنام لم يتناول شيئاً من الأطعمة البلغميّة. فإنّه متى كان مثل هذا الطعام في المعدة، فيمكن أن يخيّل لصاحبه في منامه ما وصفت وحال بدنه كلّه ليست على مثل تلك الحال.

ثمّ ذكر بعد هذا «النتف»، وقد فسّرت ذلك في تفسيري لكتاب أبقراط في الأخلاط مع أشياء أخر كثيرة ممّا قد ذكرناها في هذا الموضع. وقلت إنّه يجوز أن يكون عنى «بالنتف» العبث الذي نرى أصحاب اختلاط الذهن يعبثونه، كأنّهم ينزعون الزِئْبِر من الثياب والعيدان من الأرض والحيطان،‌