Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: In Hippocratis Epidemiarum librum I (On Hippocrates' Epidemics I)

قال أبقراط: وعرض لهم السلّ في الخريف وفي الشتاء.

قال جالينوس: إنّ كلام أبقراط هذا إنّما هو في الخريف الثاني والشتاء الثاني، لأنّه قد تقدّم فقال في الشتاء الأوّل هذا القول: «أمّا في الشتاء فكانت أبدانهم في أكثر الحالات صحيحة. فلمّا كان في أوّل الربيع، نالت كثيراً منهم أو أكثرهم أمراض»، ثمّ وصف الأمراض التي كانت في الربيع، ثمّ ذكر الصيف، ثمّ ذكر بعده الخريف الثاني الذي قال فيه في آخر صفته لحال الهواء في تلك السنة هذا القول: «ثمّ تقدّمت فكانت نحو طلوع السماك الرامح أمطار كثيرة أيضاً مع رياح شماليّة».

وأمّا «السلّ» الذي ذكر أنّه عرض «في الخريف» فليس أمره بالبيّن ماذا أراد به أبقراط. وذلك أنّ من عادة أبقراط في بعض كلامه أن ينسب إلى السلّ جميع من يقضف بدنه ويهزل وينتقض، وينسب أيضاً إلى السلّ في بعض كلامه من يذوب بدنه كلّه بسبب قرحة في الرئة.

وخليق أن يكون في هذا الموضع أيضاً إنّما ينسب إلى السلّ من يقضف بدنه ويهزل على أيّ وجه كان، وذلك أنّه لم يتقدّم فيذكر شيئاً من الأمراض التي تعرض في الرئة، لأنّه لم يقل إنّه عرض نفث دم أو ورم في الرئة ولا نزلة انحدرت إليها. وكذلك ليس يشبه أن يكون عنى «بالسلّ» الذي عرض لمن مرض في تلك الحال السلّ الذي يكون من علّة الرئة. وليس ممّا لا يمكن أن يكون، كما انصبّ شيء من الخلط الرديء الذي كان في البدن كلّه إلى المعدة والكلى، كذلك انصبّ منها شيء إلى آلات التنفّس.

قال أبقراط: وفي الشتاء حمّيات دائمة.

قال جالينوس: إنّ قوله «في الشتاء»، لمّا كان بين الكلام الذي تقدّم وبين هذا الكلام الأخير، قد ألزقه بعضهم بالكلام الأوّل وبعضهم لهذا الكلام الثاني. والأمر عندي أنّ هذا القول كلّه مستوٍ على هذا المثال: إنّه عرض لقوم في الخريف السلّ وعرض لقوم أيضاً ذلك «في الشتاء»، وعرضت أيضاً حمّيات دائمة في الخريف وفي الشتاء الثاني.

ولم يصف أبقراط حال الشتاء، لأنّ ذلك الشتاء كان حافظاً للمزاج المشاكل للشتاء. وقد دلّك أبقراط بهذا القول أنّه قد تكون أمراض في وقت من أوقات السنة من غير أن يكون ذلك الوقت تغيّر عن مزاجه الطبيعيّ، وإنّما عرضت فيه تلك الأمراض لآفات تقدّمت فتولّدت في الأبدان من الأوقات التي قبله.‌‌